أوضح التفاسير
الناشر
المطبعة المصرية ومكتبتها
رقم الإصدار
السادسة
سنة النشر
رمضان ١٣٨٣ هـ - فبراير ١٩٦٤ م
تصانيف
﴿لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحصِرُواْ﴾ منعوا بسبب الجهاد عن التكسب، وعن السير في مناكبها ﴿لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الأَرْضِ﴾ أي لا يستطيعون سفرًا للتجارة والكسب
﴿يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ﴾ بحالهم ﴿أَغْنِيَآءَ مِنَ التَّعَفُّفِ﴾ وذلك لإبائهم السؤال، ومجانبتهم التملق والتزلف ﴿تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ﴾ بما يلوح عليهم من انكساف البال، ورثاثة الحال ﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا﴾ إلحاحًا أي يأخذونه ويستحلونه. والربا: الزيادة. هذا وقد فشا الربا في مجتمعنا هذا فشوًا شنيعًا ذريعًا؛ ينذر بضياع الثروة، ومحو البركة، وسقوط المحبة، وانعدام التعاطف والتراحم بين الناس. وآكلوا الربا
﴿لاَ يَقُومُونَ﴾ يوم القيامة. أو «لا يقومون» في الدنيا ﴿إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ﴾ وهو المصروع ﴿مِنَ الْمَسِّ﴾ الجنون. وهذا مشاهد فيهم في الدنيا؛ إذ هم - رغم وفرة أموالهم، ومزيد ثرائهم - لا يزالون في هم دائم، وفكر مقيم وقد حرمهم الله تعالى اللذائذ - رغم توافر أسبابها - ومن النعم - رغم وجود مقوماتها - فتجدهم يأكلون أطايب الطعام؛ وكأنما يتناولون السم الزعاف، ويتداولون النقود، وكأنما يتداولون الصخور والأحجار، وينامون على الحرير، وكأنما يتقلبون على الجمر فحياتهم دائمًا ظاهرها النعيم، وباطنها العذاب الأليم ويظن كثير من الناس أن إثم الربا يقع على آكله دون موكله؛ وأن موكله لا نص يوجب تأثيمه؛ وهو ظن فاسد، ووهم باطل؛ فالدليل قائم على اشتراك الموكل مع الآكل في الجرم والإثم؛ لقوله: «لعن الله آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه» ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ ذلك قولهم عند نزول هذه الآيات البينات، القاطعات الدلالة؛ وقد خلف من بعدهم خلف قالوا قالتهم، وساروا على نهجهم واتبعوا طريقتهم؛ وها نحن أولاء وقد فشا بيننا الربا فشوًا يؤذن بالتدمير، وينذر بسوء المصير وها هو تاريخ الكفر يعيد نفسه؛ فإذا بالمعاملات جميعها وقد صار الربا جزءًا منها متممًا لها؛ ويا ليت المتعاملين به يقولون بتحريمه؛ كمن يتعاطى الخمر ويرتكب الزنا؛ عالمًا بتحريمهما، كارهًا لهما؛ ولكنهم يتعاطون الربا، ويقولون كما قال آباء لهم من قبل: ﴿إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ﴾
لأنه عن تراضٍ. كما أن الزيادة في ثمن المبيع بسبب تأخير دفع الثمن؛ لا غبار عليها، وهي مما أحل الله ﴿وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ لأنه ظلم وغصب - ولو أنه يتخذ دائمًا مظهر الرضا في كثير من الأحيان - ومن عجب أن قام أناس من العلماء، يحلون ذلك الوباء؛ فإن الله وإنا إليه راجعون ﴿فَمَن جَآءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ﴾ تهديه إلى سواء السبيل، وتحول بينه وبين هذا الداء الوبيل ﴿فَانْتَهَى﴾ فامتنع عن أكل الربا، ورجع إلى الله تعالى ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾
⦗٥٧⦘ ما مضى من أمره قبل مجيء الموعظة، ولا يعاقبه الله تعالى عليه؛ بشرط أن يرد ما أخذه لأربابه؛ لأنه ظلم. والظلم قرين الكفر قال تعالى: ﴿فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ﴾ ﴿وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ﴾ إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه ﴿وَمَنْ عَادَ﴾ إلى أكل الربا؛ بعد استماع الموعظة ﴿فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ وأولئك الذين أعلن الله تعالى ورسوله الحرب عليهم: ﴿فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾
1 / 56