ثم خرج من السوق والناس في رنة من البكاء إذ مر بواعظ يعظ الناس، فلما بصر بأمير المؤمنين عليه السلام سكت ولم يتكلم بشيء فقال عليه السلام: فكم وإلى كم توعظون فلا تتعظون، قد وعظكم الواعظون، وزجركم الزاجرون، وحذركم المحذرون وبلغكم المبلغون، ودلت الرسل على سبيل النجاة، وقامت الحجة وظهرت المحجة، وقرب الأمر والأمد والجزاء غدا وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
يا أيها الناس إنه لم يكن لله تبارك وتعالى في أرضه حجة ولا حكمة أبلغ من كتابه، ولا مدح الله أحدا منكم إلا من اعتصم بحبله، وإنما هلك عندما عصاه وخالفه واتبع هواه، واعلموا أن جهاد النفس هو الجهاد الأكبر والله ما هو شيء قلته من تلقاء نفسي، ولكني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ((ما من عبد جاهد نفسه فردها عن معصية الله إلا باهى الله به كرام الملائكة، ومن باهى الله به كرام الملائكة فلن تمسه النار، ثم قال: {فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم}[محمد:21])).
صفحة ٣٠٧