التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

الإمام أحمد بن عمر ت. 618 هجري
62

التأويلات النجمية في التفسير الإشاري الصوفي

تصانيف

[الأحزاب: 43]، يدل على صدق هذا البيان، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهذا التقرير شاهد عدل، وهو قوله:

" يا رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ".

ثم وصف ب { ملك يوم الدين } [الفاتحة: 4]؛ ليتيقنوا بأن أسماءه أزلية قبل خلق الخلق وظهور العالم، وكان مبدعا خالقا قبل الإبداع والخلق، كما أنه مالك يوم الدين قبل إظهاره، ويبالغوا في تحميده بعد تيقنهم بيوم الدين والجزاء، وأنه يدينهم في ذلك اليوم.

ثم أخبرهم بأن الحمد الحقيقي لا يصدر إلا من العبد الحقيقي بقوله تعالى : { إياك نعبد } [الفاتحة: 5]؛ ليعبدوه مخلصين ويحمدوه موقنين بألا معبود سواه، وتقديم المفعول على الفعل يفيد الاختصاص؛ ولأجل هذا السر قدم المفعول في العبادة والاستعانة، وكرر بقوله: { وإياك نستعين } [الفاتحة: 5]؛ لئلا يستعينوا إلا بمعبودهم ويتيقنوا بألا مستعان إلا هو؛ ليمكن لهم الحمد على معبوديته ومستعانيته، ومن يستعين بغير معبوده يشرك في الحمد غيره، وهذا شرك حقيقي غفل عنه الخواص فضلا عن العوام، ويقول من يستعين به المستعين بلسان الحال، فاطلب الاستعانة ممن تعبده وتحمده، وما أحسن ما قال صاحب قدم صدق:

استعانة المخلوق بالمخلوق كاستعانة المسجون بالمسجون، اللهم إلا أن المتبعين في المحققين الذين نظروا بعين الوحدة في الكثرة، وعلموا أن الآثار الكثيرة ظاهرة عن الأفعال الصادرة عن الصفات القائمة بالذات، وجعلوا الناس كالبنيان يشد بعضهم بعضا، ويستعين بأثر الحق الظاهر من فعل الحق الصادر من صفة الحق القائمة بذات الحق بالحق في الحق، ولا يمكن الوصول إلى هذا المقام إلا على سبيل التدريج، وهو بأن يترك الاستعانة من غير الحق مدة مديدة في الوسط، حتى تصح منهم الاستعانة بأثر الحق في الانتهاء، ولا يضرها في مقام الوحدة، فإذا استعنت في حمد الله بالمستعان المعبود المالك الرحيم الرحمن الرب الله المحمود، وحمدته على تعليمه إياك؛ فيزداد في التعليم على قضية

لئن شكرتم لأزيدنكم

[إبراهيم: 7]، ويعلمكم بعد أداء حق الحمد المقدور للبشر سؤال ما كان الناس أحوج إليه في دينهم ودنياهم، وهو: الهداية إلى الصراط المستقيم، والثبات عليه بقوله: { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6]، وهو أدق من الخط الموهوم بين الظل والضياء والهداية إليه، والثبات عليه لا يمكن إلا بتوفيق الحق.

ثم ينبهكم بأن الصراط المستقيم الذي هدى إليه خواص عباده، وأنعم عليهم بالاستقامة عليه هو الذي ما كان شرقيا صاحب تفريط وما كان غربيا، صاحب إفراط بقوله: { صراط الذين أنعمت عليهم } [الفاتحة: 7] بالاستقامة بعد الهداية، { غير المغضوب عليهم } [الفاتحة: 7] من أهل الإفراط، { ولا الضآلين } [الفاتحة: 7] من أهل التفريط؛ ليكونوا خائفين من مكره، راجين من كرمه؛ حتى يجوزوا على الجسر ويدخلوا دار السلام ويشرفوا بالسلام، كما أخبرنا الله الملك السلام في الكلام القديم:

سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين

[الزمر: 73].

صفحة غير معروفة