" من تقرب إلي شبرا تقربت إليه ذراعا "
، بنصفه إلى خلاص عبده من عبودية الأغيار بإخراجه عن ظلمات بعضها فوق بعض من هوى النفس ومراد القلب وتعلق الروح بغير الحق إلى نور وحدانيته وشهود فردانيته. فأشرقت أرض النفس وسماوات القلب وعرش الروح وكرسي السر بنور ربها فآمنوا كلهم أجمعون بالله الذي خلقهم وهو مالكهم وملكهم، وكفروا بطواغيتهم التي يعبدونها واستمسكوا بالعروة الوثقى، وجعلوا كلهم واحدا وقالوا: { إياك نعبد وإياك نستعين } [الفاتحة: 5] نستوفقك ونطلب المعونة منك على عبادتك على أمورنا كلها.
قال أبو بكر الوراق: { إياك نعبد } لأنك خلقتنا { وإياك نستعين } لأنك هديتنا، قلت: { إياك نعبد } لأنك المعبود { وإياك نستعين } لأنك المقصود، وأيضا: { إياك نعبد } لأنك المطلوب { وإياك نستعين } لأنك المحبوب، { إياك نعبد } لأنك مالك { وإياك نستعين }؛ لأن ما سواك هالك { إياك نعبد } على نعمتك { وإياك نستعين } على معرفتك، { إياك نعبد } لأنك قلت: لنا عبادي، { وإياك نستعين }؛ لأنك لنا إليك هادي { اهدنا الصراط المستقيم } [الفاتحة: 6]، الهداية على ثلاثة أوجه: هداية العام، وهداية الخاص، وهداية الأخص أما هداية العام فإنه هدى جميع الحيوانات إلى جلب منافعها ودفع مضارها بقوله:
ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى
[طه: 50].
وقال تعالى:
ألم نجعل له عينين * ولسانا وشفتين * وهديناه النجدين
[البلد: 8-10]، وأما هداية الخاص فهو هداية المؤمنين إلى الجنة لقوله تعالى:
يهديهم ربهم بإيمانهم
[يونس: 9]، وأما هداية الأخص فهي هداية الحقيقة التي من الله وقوله تعالى:
صفحة غير معروفة