[التوبة: 128]، وقال في حقه وحق المؤمنين:
محمد رسول الله والذين معه أشدآء على الكفار رحمآء بينهم
[الفتح: 29]، ولا تظهر هذه الصفات على الحيوان ولا على الملك، وناهيك عن هذا حالة هاروت وماروت ولما أنكروا على ذرية آدم عليه السلام اتباع الهوى والقتل والظلم والفساد، قالوا: لو كنا بدلا منهم خلفاء الأرض ما كنا نفعل مثل ما يفعلون، فالله تعالى أنزلهما الأرض وألبس عليهما لباس البشرية، وأمرهما أن يحكما بين الناس بالحق ونهاهما عن الشرك والقتل بغير الحق، والزنا وشرب الخمر.
قال قتادة: ما مر عليهما شهر حتى افتتنا فشربا الخمر، وسفكا الدم، وزنيا، وقتلا، وسجدا للصنم. فثبت أن الإنسان مخصوص بالخلافة وقبول فيض نور الله تعالى، فلو كان للملائكة هذه الخصوصية لم تفتتن بهذه الأوصاف المذمومة الحيوانية والسبعية، كما كان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومين عن مثل هذه الأوصاف والأخلاق وكانت لازمة لصفاتهم البشرية؛ لكن بنور التجلي تنور مصباح قلوبهم واستنارت بنور قلوبهم جميع مشكات جسدهم ظاهرا وباطنا، وأشرقت الأرض بنور ربها فلم تبق لظلمات هذه الصفات مجالا للظهور مع استعلاء النور. فالملائكة من بدء الأمر لما نظروا إلى جسد آدم عليه السلام شاهدوا ظلمات البشرية والحيوانية والسبعية في ملكوت الجسد بالنظر الملكوتي الملكي ولم تكن تلك الصفات غائبة عن نظرهم.
{ قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدمآء } [البقرة: 30]، فقولهم هذا يدل على معان مختلفة؛ أن الله تعالى أنطقهم بهذا القول ليتحقق لنا أن هذه الصفات الذميمة في طينتنا مودعة في جبلتنا مركبة فلا نأمن عن مكر أنفسنا الأمارة بالسوء ولا نعتمد عليها وما نبرؤها، كما قال تعالى حكاية عن قول يوسف عليه السلام:
ومآ أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء إلا ما رحم ربي
[يوسف: 53].
ومنها: لنعلم أن كل عمل صالح نعمله ذلك بتوفيق الله تعالى إيانا وفضله ورحمته وكل فساد وظلم نعمله هو من شؤم طبيعتنا وخاصة طينتا، كما قال الله تعالى:
مآ أصابك من حسنة فمن الله ومآ أصابك من سيئة فمن نفسك
[النساء: 79]، وكل فساد وظلم لا يجري علينا، ولا يصدر منا فذلك من حفظ الحق وعصمة ربه لقوله:
صفحة غير معروفة