توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس لابن حجر

ابن حجر العسقلاني ت. 852 هجري
142

توالي التأنيس بمعالي ابن إدريس لابن حجر

تصانيف

وأما الرحلة المنسوبة للشافعي المروية من طريق عبد الله بن محمد البلوي، فقد أخرجها الآبري والبيهقي وغيرهما مطولة ومختصرة وساقها الفخر الرازي في مناقب الشافعي بغير إسناد معتمدا عليها وهي مكذوبة وغالب ما فيها موضوع وبعضها ملفق من روايات مفرقة، وأوضح ما فيها من الكذب قوله فيها: أن أبا يوسف ومحمد بن الحسن حرضا الرشيد على قتل الشافعي وهذا باطل من وجهين، أحدهما: أن أبا يوسف لما دخل الشافعي بغداد كان مات ولم يجتمع به الشافعي، والثاني: أنهما كانا أتقى لله من أن يسعيا في قتل رجل مسلم لا سيما وقد اشتهر بالعلم وليس له إليهما ذنب إلا الحسد على ما آتاه الله من العلم، وهذا مما لا يظن بهما، وأن منصبهما وجلالتهما وما اشتهر من دينهما ليصد عن ذلك، والذي تحرر لنا بالطرق الصحيحة [إن] قدوم الشافعي بغداد أول ما قدم كان سنة أربع ومائتين، وكان أبو يوسف قد مات قبل ذلك بسنتين، وأنه لقي محمد بن الحسن في تلك القدمة وكان يعرفه قبل ذلك من الحجاز، وأخذ عنه ولازمه وكان محمد بن الحسن يبالغ في إكرامه والتأدب معه والاغتباط به حتى أن الآبري أخرج بسنده عن أبي حسان الحسن بن عثمان الزيادي قال: كنت في دهليز محمد بن الحسن فخرج محمد راكبا، فنظر فرأى الشافعي قد جاء فثنى رجله ونزل، وقال لغلامه: اذهب فاعتذر، فقال له الشافعي: لنا وقت غير هذا، قال: لا وأخذ بيده فدخلا الدار، قال أبو حسان: فاختار مجالسة الشافعي على مرتبته في الدار -يعني دار الخلافة- قال أبو حسان: وما رأيت محمدا يعظم أحدا إعظام الشافعي.

وأخرج زكريا الساجي بسند له أن المأمون في حياة أبيه كان أرسل إلى الشافعي ستمائة دينار وسأله أن يكون انقطاعه إليه، وذكر له معه قصة أخرى.

ذكر من نزل عليه الشافعي لما قدم العراق بعد تلك المحنة وبعد

موت محمد بن الحسن:

أخرج البيهقي من طريق علي بن محمد بن أبي حسان الزيادي ثنا أبي قال: لما قدم الشافعي العراق، قال: على من أنزل؟ فقيل له: انزل على أبي حسان الزيادي، فنزل عليه فأقام سنة في أنعم حال، ثم استأذنه في الخروج فوجه أبو حسان إلى ستة من إخوانه بست رقاع فما رجعت رقعة إلا ومعها ألف دينار، فتركها أبو حسان بين يدي الشافعي وبكى وقال: ما كنت أظن أن أحدا من إخواني يرضى لي إذ أعلمته بك بهذا القدر، ولكن لا يزال الناس في تناقص، وعرض عليه الدنانير وألح عليه في قبولها فأخذها ورحل.

صفحة ١٦٤