ولا بد لهذه الآباء، التي قامت على الأبناء، من أن تكون في المبتدأ، وعند أول المنشأ، من الجهالة في مثل حال أبنائها، محتاجة إلى تربية آبائها، ولا بد كيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى من أبناء يقوم عليها آباؤها، وآباء كانوا كذلك في الأصل إذ ابتدئ إنشاؤها، في مثل حد أبنائها، من جهلها وقلة اكتفائها، حتى يعود ذلك إلى أب واحد، منه كان ابتداء النسل والتوالد، ولا بد للأب الأول من أن يكون أدبه وتعليمه، على خلاف أدب من يكون بعده، إذ لا أب له ولا يكون أدبه وتعليمه إلا من الله، أو من بعض من يؤدبه ويعلمه من خلق الله، فإن كان من مخلوق أخذ أدبه، فلا يخلو ذلك من أن يكون الله أوغيره أدبه، وكيف ما ارتفع الكلام في هذا المعنى، فلا بد من أن يعود إلى أن خلق ابتداء أدبه من قبل الله الأول البدي، ولا بد للأب الأول، الذي هو أصل التناسل، من أن يكون مؤدبا معلما للجوامع، من معرفة جهات المضآر والمنافع، مخلوقا على الفهم، وقبول أدب المعلم، ليتم بذلك من فهمه، نفع تعليم معلمه، فيقوم به على نفسه، وعلى من معه من ولده، من الأخذ لهم بأدبه، وعقاب مذنبهم بذنبه، وثواب محسنهم بإحسانه، وتوقيف كل على ضره ونفعه، كي يتم بذلك ما أريد لهم من البقاء، وعنهم من تأخير مدة الفناء .
صفحة ٦٨