تخبيط هذا الجاهل، ففي صحيح البخاري عن حذيفة ﵁ قال: "قام فينا رسول الله ﷺ مقاما فما ترك شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدثه، حفظه من حفظه ونسيه من نسيه، فقد علمه أصحابي هؤلاء، وإنه ليكون من الشيء فأعرفه فأذكره كما يذكر الرجل وجه الرجل إ ذا غاب عنه ثم رآه عرفه" ١.
قال حذيفة: "ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوا، والله ما ترك رسول الله ﷺ من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلثمائة فصاعدا إلا سماه لنا باسم أبيه وقبيلته" هذا لفظ حذيفة.
وقال أبو ذر: "لقد تركنا رسول الله ﷺ وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما" ٢. انتهى.
فانظر إلى تخبيط هذا وتحريفه الفاحش، يقول أبو ذر "وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علما" يعني إلا ذكر لنا النبي منه علما، وهذا يقول: "إنا لنرى الطائر يقلب جناحيه فنذكر منه علما" أي نذكر نحن من الطير علما. فغير كلام الصحابي وأبدله بكلام لا معنى له.
وقول أبي ذر وحذيفة يدل على أنه ﷺ أخبرهم بأمور جزئيات من الغيب تحدث بعده أطلعه الله عليها، وهل في ذلك ما يدل على أنه أخبرهم بوقت الساعة؟
أو أنه أخبرهم بما في أرحام نسائهم ودوابهم؟ أو أنه أخبر كل واحد بأي أرض تموت؟ أو بما يحدث له من الذرية، ومتى يموت هذا؟ مما يعلم قطعا أنه لم يكن منه شيء.
وكذلك حديث المنام ليس فيه ما يستأنس به لهذا المبطل، وما ذكرنا من قول عائشة وابن مسعود كاف في بطلان دعوى من قال: إن الله لم يقبض
_________
١ أخرجه البخاري، كتاب القدر، باب "وكان أمر الله قدرا مقدورا" حديث رقم ٦٦٠٤، ومسلم، كتاب إخبار النبي ﷺ فيما يكون إلى قيام الساعة، حديث رقم ٧١٩٢.
٢ أخرجه الإمام أحمد في المسند "٥ / ٢٠٠".
1 / 41