المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
عفوك اللهم
الحمد لله الذي لا يُغلِّظه اختلافُ المسائل، ولا يُثبّطُه عن الجُوْد الدّائم إلحافُ السّائل، ولا يُسخِطُه كثْرة الذنوب إذا كانَ الاستغفارُ لها منَ الوسائِل، نحْمَده على نعَمِه التي وسّع الحمْدُ مجالسَها، ووشّعَ الشُكْر ملابِسَها، وضوّع الاعترافُ بها مغارسَها، وضوّأ حنادِسَها، ونشْهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحْدَه لا شريكَ له، شهادةً لا يدخُلُ تحريرَها تحريفٌ، ولا يُخِلّ بتصحيحها تصحيفٌ، ولا يدفَعُ تسويغَ أدلّتها تسْويف، ونشهَد أنّ سيّدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه أفصحُ مضنْ نطَقَ، وأبلغُ منْ قرَع الأسماعَ لفظه وطرَق، وأعرفُ من أوتيَ جوامَ الكلِم فاندفع سيْلُ بلاغتِه في البطحاءِ واندفقَ، صلّى الله عليه وعلى آلهِ الذينَ كانوا للهُدى مَصابيح وللجَدى مجاديح وللنّدى إذا أغلقتْ أبوابُه مفاتِيح، صلاةً تتوثّقُ أمراسُ رِضْوانِها، وتعبَقُ أنفاسُ غُفرانها ما دَعا الحقُ لبيبًا فلبّاه، ورَعى الصدقَ أريبٌ فربّاه، وشرّفَ ومجّدَ وكرّم وسلّم تسليمًا كثيرًا الى يوم الدّين.
1 / 3
وبعد فإنّ التصحيفَ والتّحريفَ قلّما سلِم منهما كبير، أو نَجا منهما ذو إتقانٍ ولو رسَخَ في العِلم رسوخَ ثَبير، أو خلَصَ منمعرَّتِهما فاضلٌ ولو أنّه في الشجاعة عبدُ اللهِ بن الزُبَيْر، أو في البراعة عبدُ الله بن الزَّبير، خصوصًا ما أصبح النقلُ سبيلَه أو التقليدُ دَليلَه، فقد صحّفَ جماعةٌ هم أئمةُ هذه الأمّة، وحرّفَ كِبارٌ بيدهم من اللُغةِ تصْريفُ الأزِمّة، منهم من البَصْرة أعيان كالخليل بن أحمد، وأبي عمْرو بن العَلاء وعيسى بن عُمر، وأبي عبيدَة مَعْمَر بن المُثنّى وأبي الحسن الأخفش وأبي عثمان الجاحِظ،
1 / 4
والأصمعي وأبي زيد الأنصاري، وأبي عُمر الجَرْمي، وأبي حاتم السجستاني وأبي العباس المُبَرَّد.
ومن أئمة الكوفة أكابر: كالكسائي والفرّاء والمفَضَّل الضّبي وحمّاد الرّاوية وخالد بن كُلثوم وابن الأعرابي وعلي الأحمر
1 / 5
ومحمد بن حبيب، وابن السِّكيت وأبي عُبيد القاسم بن سلاّم وعلي اللِّحياني والطوال وأبي الحسن الطوسي وابن قادِم وأبي العباس ثعلب.
وحسبك هؤلاء السادة الأعلام، والقادة لأرباب المَحابر والأقلام، وكل منهم:
إذا تغلْغَلَ فِكْر المرءِ في طرَفٍ ... منْ عِلمِه غرِقَتْ فيه أواخِرُهُ
وإذا كان مثل هؤلاء قد صحّ أنهم صحّفوا، وحرّر النقلُ أنهم حرّفوا، فما عسى أن تكون الحُثالة من بعدِهم، والرذالةُ الذين يتبهرجونَ في نقدِهم، ولكن الأوائل صحّفوا ما قَلّ، وحرّفوا ما هو معْدود في الرّذاذ والطّل، فأما من تأخّر، وبَخّ قطْرُ جهلِه على سِباخ عقلِه وبخّرَ، وزادتْ سقطاتُه على البَرْق المتألّق في السحاب
1 / 6
المُسَخّر فإنّهم يُصحّفون أضعافَ ما يُصحّحون ويحرّفون زياداتٍ على ما يحرّرون، ولقد كان غلَط الأوائل قليلًا معدودًا وسبيلًا بابُ اقتحامِه لا يزالُ مرْدومًا مردودًا، تجيءُ منه الواحدةُ النّادرةُ الفَذّة، وقلّ أنْ تتْلوَها أختٌ لها في اللّحاق بها مُغِذّة، فأما بعد أولئك الفُحول، والسُحب الهَوامِع التي أقْلعتْ، وعَمَتْ رياضَ الأدَب بعدهم نوازلُ المحول، فقد أتى الوادي فطَمّ على القَريّ، وتقدّم السقيمُ على البَري:
فليْتَ أنّ زَمانًا مرّ دامَ لنا ... وليْتَ أنّ زَمانًا دامَ لمْ يَدُمِ
قال صاحبُ الأغاني: حدثني محمد بن جرير الطّبري أنا أبو السّائِب ثنا وَكيع عن هِشام بن عُروة عن أبيه عن عائشة ﵂، أنها كانت تُنشِدُ بيتَ لَبيد:
1 / 7
ذهبَ الذينَ يُعاشُ في أكنافِهمْ ... وبقيتُ في خَلْفٍ كجِلْدِ الأجْرَبِ
فتقول: رحِم الله لَبيدًا، فكيف لو أدرك مَن نحن بين ظَهرانَيْهم؟ فقال عروة: رحِم الله عائشة، فكيف لو أدركتْ مَن نحن بين ظهرانَيْهم؟ وقال هشام: رحِم اللهُ عُروةَ، فكيف لو أدرك مَن نحن بين ظَهرانَيهمْ؟ فقال وَكيع: رحِم الله هِشامًا، فكيف لو أدرك مَن نحن بين ظَهرانَيهمْ؟ فقال أبو السائب: رحِم اللهُ وكيعًا، فكيف لو أدرك مَن نحن بين ظَهرانَيهمْ؟ فقال أبو جعفر: رحِم الله أبا السائب، فكيف لو أدرك مَن نحن بين ظَهرانَيهمْ؟
ونقول نحن: والله المستعان، فالقضيةُ أعظم منْ أنْ توصَف بحال، انتهى. وقد عمّت المُصيبة ورشقَتْ سِهامُها المُصيبة، ولبِس الناسُ أرديتَها المَعيبة، وفَشا ذلك في المحدّثين وفي الفقهاء، وفي النحاة، وفي أهل اللغة، وفي رُواةِ الأخبار، وفي نقَلَة الأشعار، ولم يسْلَمْ من ذلك غيرُ القُرّاء؛ لأنهم يأخذونَ القُرآنَ من أفواه الرّجال.
وأما في الزّمن القديم فقد وقَع لبعض القرّاء عجائبُ ذكر منها الدّارقطني، رحمه الله تعالى، جملة في كتاب التصحيف له، ولهذا كان يُقال قديمًا:
1 / 8
لا تأخذوا القرآن من مُصْحَفيّ ولا الحَديثَ من صُحُفيّ إذ التصحيف متطرِّق الى الحروف فيُقرأ المُهمَل معْجَمًا، والمُعجم مُهمَلًا. على أنّه قد وقعَتْ في القرآن العظيم أحرفٌ واحتمل هجاؤها لفظين، وهو قِراءتان، ومن ذلك قوله تعالى: (هُنالِكَ تبْلو كلّ نفْسٍ ما أسلَفَتْ) و(تتْلو)، وقوله تعالى: (... إنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بنبأٍ فتبيّنوا ...) و(تثبّتوا) .
وقوله تعالى: (... الذين يُنفِقون أموالَهُم ابتِغاءَ مَرْضاةِ اللهِ وتَثبيتًا من أنفُسِهم) و(تَبْيينًا)، وقوله تعالى: (أفَلَمْ ييْأسِ الذينَ أمَنوا) و(يتَبيّن)،
1 / 9
وقوله تعالى: (وإذ يمكُر بِك الذين كفَروا ليُثْبِتوك) و(ليُبيّتوك)، وقوله تعالى: (تقاسَموا باللهِ لَنُبَيّتَنّه) و(لُنَبيّنَنّه)، وقوله تعالى: (لَنبوّئنّهُم) و(لنُثوِينّهم منَ الجنّة غُرَفًا)، وقوله تعالى: (وإذْ جعلْنا البيْتَ مَثابةً) و(مَتابَة)، و(الْعَنْهُم لعْنًا كبيرًا) و(كثيرًا) .
و(قُلْ فيهِما إثْمٌ كبير) و(كثير)، و(ابتَغوا ما كتبَ اللهُ لكُمْ)
1 / 10
و(اتّبعوا)، (وجَعَلوا الملائكَةَالذينَ هُمْ عِبادُ الرّحْمن) و(عِندَ الرّحْمن)، (وهو الذي يُرسِلُ الرِياحَ نُشُرًا) و(بُشْرى)، (وانظُرْ الى العِظامِ كيفَ ننشُرُها) و(نُنْشِزُها)، (فأغْشَيْناهُم فهُم لا يُبصِرون) و(أعشيْناهُم) و(قد شغَفَها حُبًّا) و(قدْ شغَفَها)، (ولا تجسّسُوا) و(لا تحسّسوا) و(فمَنْ خافَ من مّوصٍ جَنَفًا) و(حَيْفًا) و(إنّ لكَ في النّهارِ سَبحًا طَويلًا) و(سبْخًا) أي حقًا. و(هوَ الذي يُسيّرُكُم في البرّ والبحْر) و(ينشُرُكُم) و(إنّما المؤمِنون إخوَةٌ فأصْلِحوا بينَ أَخويْكُمْ)
1 / 11
و(إخْوَتِكُم)، و(حتّى إذا فُزِّع عن قُلوبِهم) و(فُرِّغ)، (وأصْبَح فؤادُ أمِّ موسى فارِغًا) و(فزِعًا)، و(أئذا ضَلَلْنا في الأرض) و(صَلَلْنا) أي تغيّرنا، و(فقَبَضْتُ قَبْضَةً من أثَر الرّسول) و(قَبَصْتُ قبْصَةً)، (وتالله لأكيدَنّ أصْنامَكُم) و(بالله)، و(إنْ كان مَكرُهُم لَتَزول) و(لِتَزول) و(فاذكُروا اسْمَ الله عليْها صَوافَّ) و(صَوافِيَ) أي خالِصة و(صَوافِن) في قراءة عباس.
و(حتى يلِجَ الجَمَلُ في سَمِّ الخِياطِ) و(الحمل) في قراءة
1 / 12
ابن عباس، وهو قلس من قلوس السفن. (وقضَى ربُّكَ ألاّ تعبُدوا إلاّ إيّاهُ) و(وصّى ربُّك)، في قراءة ابن عباس، وقال: لو قضى ربك ذلك ما عبدوا سواه. و(إن يَدْعونَ من دونِه إلاّ إناثًا) و(إلاّ أوْثانًا)، في قراءة عائشة، وقد قُرئ أيضًا (أُتْنًا) و(آتُنًا) .
وقد رُويَ أنّ السبب في نقط المصاحف أن الناس غبروا دهرًا يقرءون
1 / 13
في مصاحف عثمان، ﵁، إلى أيام عبد الملك بن مروان، ثم كثر التصحيفُ وانتشر بالعراق، ففزع الحجاج الى كُتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علاماتٍ، فيقال: إن نصر بن عاصم قام بذلك، فوضع النقط أفرادًا وأزواجًا، وخالف بين أماكنها بإيقاع بعضها فوق بعض الحروف وبعضها تحت الحروف، وغبرَ الناسُ بذلك زمانًا لا يكتبون إلا منقوطًا، وكانوا أيضًا مع النقط يقع التصحيف فأحدثوا الإعجام، فإذا أُغفِل الاستقصاءُ على الكلمة ولم تُوَفَّ حقوقها اعترى هذا التصحيف؛ فالتمسوا حيلة فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال.
وقد ذكرتُ في كتابي فَضّ الخِتام عن التّورية والاستخدام الأماكن التي صحّفها حمادٌ الراوية في القرآن العظيم لما قرأ في المصحيف وهي ما يَنيفُ على الثلاثين موضعًا.
1 / 14
وأما تصحيف المحدّثين فقد دوّن الناسُ في ذلك جملةً، وعقد المصنفونَ لذلك أبوابًا في كتبهم وهي مشهورة، من ذلك ما حكاه أبو أحمد الحسن العسكري قال: حكى القاضي أحمد بن كامل قال: حضرت بعض مشايخ الحديث من المُغفَّلين فقال: عن رسول الله ﷺ عن جبريل عن الله عن رجل، قال: فنظرتُ فقلتُ مَن هذا الذي يصلح أن يكون شيخ الله؟! فإذا هو قد صحّفه، وإذا هو: ﷿.
قال العسكري: وأخبرني أبو عليّ الرّازي قال: كان عندنا شيخ يَروي الحديثَ من المغفّلين، فروى يوما: أنّ النّبي ﷺ احتجَم يومًا وأعطى الحَجّام آجُرّةً.
وروى بعضهم أنّ بعضَ المغفّلين روى أنّ النبي ﷺ كانَ يغسِل خُصى حِماره، وإنما هو يغسِل حصَى جِمارِه، بالحاء المهملة
1 / 15
أولًا والجيم ثانيًا.
وروى بعضهم: الجَارُ أحقّ بصُفَّتِه؛ بالفاء المشددة والتاء ثالثة الحروف، وإنما هو بصَقَبِه، بالقاف والباء الموحدة.
وقد صنف الإمام الدارقطني مجلّدًا في تصحيف المحدّثين وكذلك العسكري أيضًا.
وأما تصحيف الفقهاء فهو كثير أيضًا، قال يومًا بعض المدرسين: ولا يكون النَّذْر إلا في قرْيَة، قاله بالياء آخر الحروف، وهو بالباء الموحدة مضمومة القاف، وقال بعضهم في التنبيه: ويُكْرَه القَرْع ويُحِبُّ الخِيار، وإنما هو ويُكره القَزَع بالزاي، ويجِبُ، بالجيم، الخِتان بالتاء ثالثة الحروف وبعد الألف نون.
وقال بعضهم يومًا: وقال الشافعي: ويُستَحَبّ في المؤذّن أن يكون صَبيًا، بالباء الموحدة والياء آخر الحروف، فقيل له: ما العلة في ذلك؟ قال: ليكونَ قادرًا على الصعودِ في درَج المئذنة، وإنما هو صِيّيتًا، من الصوت.
1 / 16
وأما الكُتّاب فإن المتقدّمين صحَّف منهم جماعة بحضرة الخلفاء والملوك، قرأ يومًا بعضهم: أبو مُعسر المُتخم، بالسين المهملة من الإعسار وبالتاء ثالثة الحروف المشددة وبالخاء المعجمة، وإنما هو: أبو مَعشَر المنَجِّم.
وقرأ يومًا بعض كُتّاب المأمون قصة فقال: أبو ثريد بالثاء رابعة الحروف، فقال: كاتبنا اليوم جوعان، أحضروا له ثريدًا، فأكل، فقرأ بعد ذلك: فلان الخبيصيّ فقال: هو معذور، ليس بعد الثريد إلا الخبيص، أحضروا له خبيصَة، وكانت الحِمَّصي والميم مفتوحة.
وكتب سليمان بن عبد الملك الى ابن حزم أمير المدينة: أن أحصِ مَنْ قِبَلَك من المُخنّثين. فصحف كاتبه وقرأ: اخصِ، بالخاء المعجمة، فدعاهم الأمير وخَصاهم أجمعين.
وحكى لي بعض الأصحاب أن الأمير علاء الدين الطنبغا، نائب حلب،
1 / 17
جاءتْ مطالعةُ بعض الوُلاة يذكرُ فيها أنه وُجِد في بعض الأماكن شخص وهو مقتول وخُرْجُه تحت إبطه، فقال: اكتب أنكر عليه وقل: لأي شيء ما جهزتَ الخُرْجَ الذي كان معه تحت إبطه؟ فعاد جواب الوالي يقول: إنما قلتُ: وجُرْحُه تحت إبطه.
وقرأ يومًا بعض الأكابر على السلطان الملك الناصر محمد قصة فيها: والمملوك من حَمَلةِ الكِتاب، فقرأها: جُملة الكتان، فقال السلطان: مِن حَمَلةِ الكِتاب العزيز.
وأما الشعراء فتصحيفهم كثير، وسيمر بك في أثناء هذا الكتاب نوادر من هذا الباب.
قرأ يومًا بعض الطلبة على أبي عبد الله المُفجَّع:
ولمّا نزلْنا منزِلًا طَلّه النّدى ... أنيقًا وبُستانًا من النَّوْرِ خاليا
بالخاء المعجمة، فحرك المفجَّع كتفيه وقال: يا سيد أمه! فعلى أي شيء كانوا يشربون؟ على الخسف؟.
وقرأ بعضهم على أبي عبيدة قول كُثيِّر:
1 / 18
ذهَبَ الذين فراقهم أتوقَّعُ ... وخرى ببيتهم الغرابُ الأنفعُ
فقال أبو عبيدة: وحيك، إن عذرتُكَ في الأولى لم أعذرك في الثانية، أما سمِعتَ بالغراب الأبقع؟ وجرى ذكر المعرّي أبي العلاء في بعض المجالس فقال بعض من حضر: كان كافرًا، فقيل له: بماذا؟ قال: بقوله:
نَبيّ من العُربان ليسَ بذِي شَرْع ... .....
وقرأ القطربليّ على أبي العباس ثعلب قول الأعشى:
فلَو كنت في جُبٍّ ثمانينَ قامةً ... ورُقّيتَ أسبابَ السّماءِ بسُلّمِ
1 / 19
فقرأه بالحاء بدل الجيم، فقال ثعلب: خَرِب بيتُك! أرأيت حبا قط ثمانين قامة؟ إنما هو جُبّ.
وقد جنى التصحيف على ابن الرومي فقتله، قال أبو أحمد العسكري: حدثني محمد بن فضلان الوراق قال: كان جلساء القاسم بن عبيد الله يقصدون أذى ابن الرومي وخاصة المعروف بابن فراس، وكان القاسم بن عبيد الله يغريهم به، الى أن سأله يومًا أحدهم عن الجرامض، على سبيل التصحيف والتهكم، فقال ابن الرومي:
وسألتَ عن خبرِ الجرامض طالبًا عِلمَ الجرامضْ
فهو الجرامض حين يُقْلَبُ ضارج فيقال جارض
وهو الجراسم والقَمَجّر والجرافس والجرراغض
وهو الخَراكل، والغوامض قد يُفسَّر بالغوامض
1 / 20
وهو السلحكل، إن فهمتَ وإنْ ركَنْتَ الى المعارض
واصبرْ وإنْ حمض الجواب، فرُبّ حُلو جرّ حامض
والصفح محتاج الى قرع له مقابض
ومن اللِّحى ما فيه فعل للمواسى والمقارض
وهجا الجماعة وأكثر من هجائهم، فشكاه الجلساء الى القاسم بن عبيد الله، فتقدم الى ابن فراس فسمَّه في خشكنانجة كانت منيته فيها.
ومما يكثر فيه تصحيف صورته مثل: يحيى وزينب وبثينة ويونس وجبل وعيسى وخليل وحمزة.
ومما ركب الناس في صورتين من صورة واحدة ما كتب به بعض البلغاء توقيعًا والناس لفصاحته وبراعته ينسبونه لعلي بن أبي طالب ﵁ وهو: غرّكَ عِزُّك، فصار قُصارَ ذلك ذُلَّك، فاخْش فاحِشَ فِعلِك، فعلّك بهذا تُهْدى، والسلام.
وكتب بعضُ البلغاء، وهو الرّشيد الكاتِب: رُبّ ربِّ غِنىً، سرّتْه شِرّتُه، فجاءَه فجاءَةً بعْد بُعد عِشرته عُسرَتُه.
1 / 21
وما جاء للحريريّ في بعض مقاماته وهو:
زُيّنَتْ زَينبٌ بقَدٍّ يَقُدُّ ... وتلاهُ ويْلاهُ نهْدٌ يَهُدُّ
... الأبيات.
وللشيخ صفي الدين عبد العزيز بن سرايا الحلي، ﵀، رسالة رويتُها عنه بالإجازة عدتها أربعمائة كلمة نظمًا ونثرًا أبدع فيهالفصاحتها وانسجامها وعدم ظهور الكلفة عليها، أولها: قبَّل قَبْلَ يراك ثَراك، عبدٌ عِندَ رَخاك رَجاك، فألفَى فألقى جِدَّة خَدِّه بأعتابك باغيًا بكَ شَرَفًا سَرَفًا لاذَ بكَ لأدَبِك، مُقْدِمًا مُقَدِّمًا أمَلَ آمِل، يُزجيه تَرجّيه، يُبشِّره بيُسْرِه وُجودك وَجودُك، فاشتاقَ فاستافَ عرْفَ عُرْفٍ منك مثل عبير عنبر، وقدِم وقدَّم صدَقَة صِدْقِه، مُتجمِّلًا متَحمِّلًا بصاعِه بضاعةَ تبر نَثْر....
ومن نظمها:
سَنَدٌ سيّدٌ حليم حكيم فاضِلٌ فاصِلٌ مجيدٌ مُجيدُ
حازم جازم بصير زانَهُ رأيُه السديدُ الشديدُ أمَّهُ أمةٌ رجاءَ رَخاءٍ أُدركْت إذْ زكت بقَوْدٍ تقودُ مَكْرُمات مُكرَّماتٌ بنَتْ بيْتَ علاءٍ عَلا بجودٍ يَجودُ ...
1 / 22