حامد الخالق الإنس والجان وشكرا للذي خلق الإنسان وعلمه البيان أشهد أنه لا آله الإ هو وحده لا شريك له شهادة تنجينا من عذاب الدخان وأشهد إن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد أفراد الإنسان صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ما دار القمران وبعد فيقول المحتاج إلى رحمة ربه القوي أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الحنفي إبن مولانا محمد عبد الحليم ادخله الله في دار النعيم هذه رسالة نافعة وعلالة رائعة مسماة بترويح الجنان بتشريح حكم شرب الدخان مشتملة على حكم بدعة حدث بعدالة راض القرون المتطاولة ومضت عليها قريب من ثلث مأته سنة قد أخذتها بالقبول الايدي المتناولة والذي تعبني على ذلك إن العلماء من وقت حدوثه إلى هذا الآن قد اختلفوا في حكم شربه فمن مفرط ومن مفرط ومن سالك مسلكا وسطا في ما هنالك وكلهم قد نصبوا الآيات العظمى على آرائهم واقاموا الطامة الكبرى على مخالفيهم فكم من رسائل فيه ضفت وكم من دفاتر فيه الفت وكم من كتب المذهب بذكره وشحت وقد سئلت عنه مرة بعد مرة هل هو في درجة الاباحة ام دخل في حيز الحرمة وعلى تقدير الاباحة هل فيه كراهة تنزيهية أو تحريمية ام اباحته مجردة عن البلية فاجبت وكل مرة إن من حرمه فقد افرط من اباحه مطلقة فقد فرط وعندي أنه مباح مع الكراهة وهو المسلك الوسط ثم طالعت الرسائل التي صنفت في هذه المسألة ووقفت على ما ذكره المانعون من الادلة فإذا فيها بالعجب الناظر ولا يفهم المناظر فاردت أن اضع رسالة اذكر فيها ماصفا وازر ماكدر والخص فيها جميع ماذكره المفرطون والمفرطون بتلخيص صاف عن الكدر ثم أحقق الحق وأبطل الباطل ايقاظا للمخامل المجاهل وتفريحا للفاضل الكامل والله اسأل أن يجنب من الخطأ والزلل اقدامي ومن السهو والخلل اقلامي وأن يتقبل هذه الرسالة وسائر تصانيفي بفضله وجوده وكرمه وها هذه الرسالة مرتبة على مقدمة وابواب خمسة وخاتمة المقدمة في ذكر الله ابتداء شرب دخان التنباك وذكر منفعته ومضرته والباب الأول في ايراد روايات الفقهاء منعا واباحة والثاني في تحرير وجوه المانعين والمبيحين مع مالها وما عليها والثالث في حكم شرب الدخان حالة الصوم وفيه ادرجت رسالتي زجر ارباب الريان عن شرب الدخان وهي مرتبة على مقصدين وخاتمة والرابع في فوائد متفرقة متعلقة بالحلة والحرمة والخامس في حكم استعاط والتنباك وزراعته ومائه وغير ذلك والخاتمة في حكم شرب القهوة المقدمة فيها فصلان هما لدرك المقاصد اصلان الفصل الأول في زمان ابتداء شرب دخان التنباك أعلم أنه لم يوجد له أثر في الازمنة السابقة ولم يدر له خبر الاعصار السالفة ولذلك ترى كتب السلف عن حكمه ساكتة وإنما كان شيوخه في القرن الحادي عشر واختلف فيه علماء ذلك العصر فمنهم من حرمه ومنهم من كرهه ومنهم من جوزه وصنفت فيه الرسائل لتحقيق المقاصد والوسائل قال إبراهيم(1) اللقاني المالكي في عمدة المريد شرح جوهرة التوحيد قد حدث في اوائل القرن الحادي عشر وقبيله بمدة قليلة شرب وخان شيء يعبر عنه الناس بعبارات مختلفة فبعضهم يقوله التنباك ومنهم من يعبره بالتتن بالتائين الفوقانيتين وبعضهم يتفوه بطابعي وشرذمة بطبغا وقال العلامة الزاهد محمد بن أحمد بن عبد الرحمن أنه ظهر في بلادنا شيء مسمى بتنبكه في السنة الخامسة بعد الألف وهي اوراق شجرة مسماة بطبغا وقد ابتلى الله المسلمين بشدخينه وشرب الدخان منه انتهى حاصل ماذكره اللقاني وذكر العلامة عبد الرحمن المرشدي في تذكرته اسمين آخرين تنباكو وطابه انتهي كذا في تحفة الاخوان في منع شرب الدخان المحاج محمد باشم السندي الحنفي الفه في سنة ألف ومأته وأربعة وثلثين وفي كتاب الأشربة من الدر المختار(1) شرح تنوير الابصار قال شيخنا النجم الغزي والتتن الذي حدث وكان حدوثه به مشق في سنة خمسة عشر بعد الألف يدعى شاربه أنه لا يسكر وأن سلم له فإنه مفتر وهو حرام الحديث أحمد عن ام سلمة قالت نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر قال وليس من الكبائر تناوله المرة والمرتين ومع نهى ولي الأمر عنه حرم قطعا على إن استعماله ربما اضر بالبدن نعم الاصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر انتهى بحروفه وفي الاشباه في قاعدة الاصل الاباحة أو التوقف ويظهر أثره في ما اشكل حاله كالحيوان المشكل أمره والنبات المجهول سميته انتهى قلت فيفهم منه حكم النبات الذي شاع في زماننا المسمى بالتتن فتنبه وقد كرهه شيخنا العماوي في هديته الحاقا له بالثوم والبصل بالأولى فتدبرا (1)انتهى كلام صاحب الدر وفي رسالة الشيخ محمد عبد الباقي الرومي المكي الحنفي المسماة بالجسام القاصم قد ابدع النصاري من أهل القرن الحاوي عشر تتنا كريهة الريح والمنظر ونوعوا هيآت شربه كما سول لهم الشيطان من واملي لهم وشيعوه في بلد أن الإسلام حتى أهل الحرمين فأول من جلبه إلى البر الرومي النصاري وأول من أحدثه بأرض المغرب اليهود وأول من أخرجه ببلاد السودان أن المجوس ثم شاع ببلاد الإسلام وعمت به الفتن المتنوعة وترتبت عليه الاضرار الدينية والعقلية والبدنية والمالية والعرضية انتهى كلامه على ما نقله الشيخ (2)إسحق بن عبد الوهاب في رسالته المسماة بنصيحته عباد الله وامة رسوله وستطلع في اثناء الأبواب الأبواب على عبارات تفيد حدوثه بعد تمام الألف بلا ارتياب الفصل الثاني في تحقيق حقيقة التنباك قال الحكيم السيد محمد مؤمن الحسيني في رسالته تحفة المؤمنين المولفة سنة ألف وثمانين على ما نقله صاحب(3) التبيان في الزجر عن شرب الدخان ان تنباكو قسم من أقسام ماهيز هرج الجبلي الذي يسمى قلومس لأنه تشبه في الماهية بالقسم الثالث من القلومس وفي السمية تشبه ماهيز هرج لأن الاطباء عرفوا القسم الثالث من الأقسام الخمسة من قلومس أن ورقه كورق الكرنب لكن اطول منه مع رطوبة قليلة * وساقه أكبره بذره يميل إلى السواد ولأنه وقع الوباء في زمان بقراط الحكيم فقرر نبأتا بان يحرق في الخندق الذي حول البلد ويدخن به ودخانه صار باعثا لعدم وصول الوباء وتاثيره لأحد ممن في البلد والنبات كان قسما من قلومس وهذا الأثر موجود في تدخين التنباك وفي كل بلدة شاع فيها الدخان قل الوباء فيها بالتدريج حتى انعدم الوباء وهو حار يابس في آخر الثالثة يعطس معطش مجفف سم لأقسام الحيتان ودخانه مصلح لفساد الهواء ومنق المرطوبات الدماغية ومحركها لوجع الإنسان الرطوبي ورماده لجراحات الدواب ومع وهن الورد للمجرب المتقرح وهو يضر القلب والدماغ ويغلظ الدم ويورث السدد والخفقان ويكدر حواس المحرورين والسوداوين انتهى وقال صاحب التحفة أيضا عند ذكر قلومس أنه لغة يونانية بمعنى اذان الدب وهو خمسة اضاف وما هيز هرج نوع منه ثم عرف الاصناف الخمسة إلى إن وصل إلى الخامس منه فقال إن ماءه يقتل الحيتان وجميع أقسامه حارة يابسة وعروقه في الأفعال قائم مقام ماهيز هرج وهو يضر الكلي وذكر في ماهيز هرج اسم فارسي يسمى بالعربية سم السمك وهو قسم من قلومس حار يابس في الثالثة وازاوق وطرح في الماء يحذر الحيتان ويفترها حتى تطفو ميتا وهو يضر الامعاء انتهى ملخصا وقال اللقاني لا أعلم أحدا تكلم على خصوص هذا الدخان من الأطباء والحكماء الذين يعتمد على قولهم إلا إن ما أخبرني به الثقات والمعتبرون أنه يحدث شرب هذا الدخان في ابتداء وبعضا من المنافع في البدن حتى يداوم عليه فح يحدث الغشاوة في البصر والثقل في الاعصاء والامساك الهاضمة وعلى هذا لاريب لأحد من العقلاء في تحريمة مطلقا انتهى قال الفاضل حسين بن الشيخ مراد الأنصاري السندي النقشبندي في رسالة له في هذه المسألة سماها بالتبيان في الزجر عن شرب الدخان فرغ منها في سلخ رجب سنة ثمان وتسعين بعد الألف والمأته وشرع فيها في الحادي والعشرين من الشهر المذكور من السنة المذكورة وكان كل ذلك في بذر (1)جدة عدم علم الشيخ اللقاني لأحد تكلم على خصوص هذا الدخان من عدم وصول التحفة إليه لأن تأليف التحفة في سنة ألف وثمانين من الهجرة وتأليف * اللقاني بإن فراغها في تاسع عشرة بعد الألف منها فالعذر بين على المتامل مع أنه كم ترك الأول للآخر انتهى وفي مخزن الادوية للطبيب (2)محمد حسين ما معربه أن تنباكو بفتح التاء وسكون النون وفتح الباء وألف وضم الكاف وسكون الواو يقال له بالتركية التتن هو من الادوية الجديدة وجد من نحو ثلث مأته سنة وشاع من نحو مأتي قالوا في باعث شهرته في بلاد الايران والتوران والهند أن طائفة من النصارى أخرجته من الأرض الجديدة واتى بورقه وبذره في بلاد الهند وغيره فشاع بحيث لم يبق بلد وقرية لا يستعملونه فيها بشرب دخانه أو أكل جرمه أو السعوط به وقيل أن بدو شيوعه في ايران كان في عهد الشاه عباس الثاني وفي الهند في آخر عهد السلطان أكبر واوائل عهد جهانكير وذكر الحكيم محمد مؤمن في تحفة المؤمنين أن الظاهر أنه قسم ماهيز هرج جبلي الذي يسمى بقلومس لأنه مشابه في الماهية بالقسم الثالث من قلومس وفي السمية مشابه لماهيز هرج قالهم عرفوا القسم الثالث أن ورقه كورق الكرنب وأطول منه مع رطوبة قليلة متشبثة وبذره أحمر مائل إلى السواد والمؤيد الثاني أن الحكيم بقراط قرر في زمانه لرفع الوباء نباتا يحرق في خندق باطراف البلدة ليكون دخانه باعثا لعدم وصول الوباء إلى البلدة وكان ذلك النبات قسما من أقسام القلومس وهذا الأثر موجود في تنباكو انتهى معربا ملخصا وفي مخزن الادوية أيضا بعد ذكر أقسامه وأنواع الانتفاع به أنه حار يابس معطش مجفف مضر للقلب والدماغ مورث للسدد والمخفقات وتكدر الحواس مغلظ للدم ودخانه مصلح فساد الهواء الوبائي منق للرطوبات الدماغية انتهى وفيه أيضا في حرف القاف قلومسن بضم القاف واللام وسكون الواو وضم الميم في آخره سين مهملة لفظ يوناني بمعنى آذان الدب نبات منقسم على خمسة أقسام منها ماهيز هرج بفتح الميم والألف وكسر الهاء وفتح الراء المهملة بعد الزاء المعجمة معرب ماهي زهره فارسي بمعنى اسم السمك لكونه قاتلا له انتهى معربا بالمتقطا وإن شئت التفصيل في تحقيق أحوال قلومسن وماهيز هرج والتتن فارجع إليه فأنها لكشف أحوال الادوية مخزن حسن الباب الأول في ذكر روايات الفقهاء في شرب الدخان منعا وحرمة وكراهة واباحة قال الشرغالي (1)في شرح منظومة إبن وهبان في فصل الكراهة والاستحسان مسألة مهمة اجبت ذكرها لمناسبة الحشيش فإنه سألني بعض العظماء عن شرب الدخان الذي حدث في هذا الزمان فقلت أن الذي يستعمل شرعا * إلى الجوف اما غذاء أو دواء والغذائية فيه منتفية والدواء أن ظن به فلا يداوم عليه لانعكاسه للضد وهو لايجوز وإن لم يكن غذاء ولا دواء فهو نوع من العبث وإنه لا يجوز وهذا مع قطع النظر عن الأمور الخارجية كاتلاف المال بشرائه بما لا يرضاه أهل الصلاح والرشد وغيره كاذية بنتن فمه كل من قابله وقد منع أكل الثوم والبصل من حضور المساجد بنص الحديث واحراق من يمر على غفلة بنار شاربه كشيطان بيده شعلة نار خصوصا عند الغروب والفجر وجمعهم تتقابلون بهذه القبيحة وقلت ويمنع من بيع الدخان وشربه + وشاربه في الصوم لاشك يفطر + ويلزمه التكفير لو ظن نافعا + كذا رافعا شهوات بطن فقرروا + وقد يشتمله قوله عز وجل ويحرم عليهم الخبائث انتهى وقال صاحب تحفة الأخوان بعد نقله محصله أنه لم يجز شرب الدخان كما لا يخفى وقد سبق عن الامد او وغيره أن شرب هذا الدخان بدعة حدثت في هذا الزمان انتهى وقال(1) إبن العماد في هدية يكره الاقتداء في الصلاة بمن هو معروف بأكل الربا أو شيء من المحرمات أو باصرار على شيء من البدع المكروهة كالدخان المبتدع في هذا الزمان انتهى وفي عمدة المريد للقاني سئل عبد الرحمن المسيري الذي كان رئيس الحنفية في زمانه من حكم هذا الدخان فشاهه بانه منع عن شربه وسئل (1)الشيخ سالم السنهوري المالكي المسيري الذي كان رئيس الحنفية في زمانه من حكم هذا الدخان فشاهدته بانه منع عن شربه وسئل الشيخ سالم السنهوري المالكي عن شرب الدخان فافتى بحرمته ولم يزد عليه شيئا ثم سئل عنه الشيخ خالد السويدي المالكي فحكم بمنعه مطلقا وأيضا سئل الشرب العلامة الفاضل القاضي محمد بن أحمد بن عبد الرحمن فقال أنه لمن غش الشيطان وتزينيه للناس الذين يلعب بهم وتلبيه عليهم لأنهم يظنون فيه الدواء للأمراض مع أنه يتولد في اجوافهم وبطونهم من تكاثف الدخان ورن وعكر ويورث الأمراض في آخر الأمر بدليل قول جالينوس الحكيم حيث قال اجتنبوا من الثلثة الغبار والرائحة الكريهة المنتنة والدخان وأن تكرار الدخان يسود الشيء المقابل به فيتولد منه الحرارة ثم يوجب مرض الباطن انتهى ملخصا وفي الوسيلة الاحمدية شرح الطريقة المحمدية للشيخ (2)رجب بن أحمد الحنفي في آخر المبحث الثالث من مباحث الاسراف عند قول المصنف ومن ارسراف ما صرف إلى المعاصي والمناهي الخ ومن الاسراف الذي صرف إلى المعاصي والمناهي شراء الدخان وشربه الذي ظهر في هذا الزمان من قبل الكفرة العدوة لأهل الأيمان وابتلى به كافة الانام من الخواص والعوام فانهم يشترون بثمن غال فيدخل في الاسراف المحرم مع نتن رائحته واذيته للذين يتبعون النبي عليه السلام وقد جاء (1)في الحديث كل موذ في النار ولذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة المنتنة فلا يقربن مسجدنا لأن الملائكة تتاذى مما تتاذى منه الانس واسم الاشارة الواقعة فيه اشارة إلى جنس ماله رائحة كريهة وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وجد من رجل ريح البصل والثوم أمر به فأخرج إلى البقيع ولهذا قال الفقهاء كل من وجد فيه رائحة كريهة يتاذى به الإنسان يلزم أخراجه ولو بجر من يده أو رجله دون لحيته وشعر رأسه فعلى هذا يلزم أخراج كثير من الايمة والموذنين من المسجد والجامع في هذا الزمان لوجود الرائحة الكريهة فيهم لسبب مداقه متهم على استعمال الدخان الكريه الرائحة بل أنهم إذا استعملوه عند دخول المسجد والجامع تكون الكراهة في حقهم اشد وقال جالينوس اجتنبوا ثلثة وعليكم باربعة ولا حاجة لكم إلى الطب اجتنبوا الدخان والغبار والنتن وعليكم بالدسم والحلو والطيب والحمام وقال إبن سينا لولا الدخان والقتام + اي الغبار + لعاش إبن آدم ألف عام + وقد كتب بعض المالكية في الديار الحجازية جوابا عن سؤال يتعلق بالدخان وهو أن استعمال الدخان حرام كاصله لأن اصله الخشب والنار لكونه اجزاء من الخشب ممزوجة باجزاء النار فهو من حيث اجزائه النارية التي فيه يحرم استعماله لقوله تعالى إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا فدل النص على حرمة النار فيحرم الدخان الحاصل منها وأيضا أنه تعالى جعل الدخان مما يعذب حيث قال فارتقب يوم تاتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب اليم والمراد بالدخان في هذه الاية حقيقة(1) الدخان على قول وعلى هذا القول يكون النظم الكريم صريحا في كون الدخان عذابا اليما وما به التعذيب يحرم استعماله فان الفقهاء قد اتفقوا على وجوب الفرار من محل العذاب كبطن محسر فإنه من النحسير على لفظ اسم الفاعل إو اهلك الله فيه أصحاب الفيل فإذا وجب الفرار من محل العذاب فوجوبه مما به العذاب أولى واحرى ثم أن المستعملين له تراهم يخرجونه من انوفهم وحلوقهم وفيه تشبه باهل النار وبالذين يهلكون في آخر الزمان من الاشرار كما جاء في الحديث أنه يكون في آخر الزمان دخان يملأ الأرض يقيم على الناس أربعين صباحا أما المؤمنين فيصير منه كهيأة الزكام وأما الكافر فيخرج من منخريه واذنيه وعينيه حتى يكون رأس احدهم كالرأس الحنيذ اي المشوي فلا ينبغي للمؤمن من أن يتشبه بأهل العذاب ولا أن يستعمل ماهو من نوع العذاب وما هو من ملابسات أهل العذاب وقد ذكر في نصاب الاحتساب وغيره من الرسائل التختم بالحديد والصفر والرصاص حرام على النساء والرجال جميعا لما جاء في الحديث أنها من حلية أهل النار انتهى كلامه وفي موضع آخر من الوسيلة اما الدخان الذي ظهر في هذا الزمان من قبل الكفرة العدوة لاهل الايمان ابتلى به كافة الانام من الخواص والعوام فقد فصلناه في المبحث الثالث من الاسراف مما لا مزيد عليه انتهى وفي مجالس(1) الابرار في المجلس الثلثين الدخان الذي ظهر في هذا الزمان من قبل الكفرة العدوة لاهل الايمان وابتلى به كافة الانام من الخواص والعوام هل يفسد الصوم ام لا فالجواب فيه أن قول الفقهاء في عامة الكتب وأن كان معنا على ان مطلع الدخان إذا دخل الحلق لا يفسد الصوم لكنهم قالوا في تعليق لأنه لايمكن الاحتراز عنه فإن الصائم * من فتحه فمه عمدا لتكلم فيدخل الدخان حلقه والقياس أن يفسد صوامه لوصول المفطر إلى جوفه بفعله وكونه مما لايتغذى لا ينافي الفساد كالتراب والحصاة وهذا التعليل يقتضي أن يكون ذلك الدخان مفسدا للصوم لأنه يصل إلى جوفه بفعله ويدل عليه ما قال قاضيخان في فتاواه وأن صب الماء في اذنه اختلفوا فيه والصحيح هو الفساد لأنه وصل إلى جوفه بفعله فأنظر كيف اعتبر الوصول إلى جوفه بفعله في فساد صومه فإنه لو اغتسل فدخل الماء في اذنه لا يفسد صومه فعلم من هذا أن لفعله دخلا في فساد صومه بل لو نظر إلى ما ادعاه مستعملوه من أنه دواء يلزم وجوب الكفارة لأن الأصل في وجوبهما وصول الغذاء أو الدواء إلى الجوف من المسلك المعتاد في نهار رمضان على التعمد وهذا المعنى على تقدير صدق دعواهم يكون موجودا فيه ثم أنه في غير حال الصوم حل استعماله ام لا قد كثر فيه الاقاويل والحق الذي عليه التعويل أن الفعل الاختياري الصادر عن المكلف أن لم يترتب عليه فائدة دينية أو دنيوية فهو دائر بين العبث واللعب واللهو ولم يفرق بين هذه الثلثة في كتب اللغة ولابد من الفرق * لبعضها على بعض في القرآن وهو على ماذكره بعض الفحول وكان حقيقيا بالقبول أن العبث الذي ليس فيه لذة ولا فائدة واما الذي فيه لذة بلا فائدة فهو لعب ومثله الا أن فيه زيادة حظ النفس بحيث يشغل به عما يهمه والكل حرام لأنها لم تذكر في القرآن الا على طريق الذم فلما علم حرمة اللعب واللهو والعبث حرم استعمال ذلك الدخان لدخوله اما في اللعب أو اللهو أو العبث بل هو بالعبث النسب بالخلوه عن اللذة التي في اللهو واللعب اللهم الا أن يستلذه نفوس بعض المستعملين له بتسويل شيطاني فح يدخل في اللعب أو اللهو أو اللعب لكن لايكون فيه شيء من الفائدة اصلا لا من الفائدة الدينية وهو ظاهر ولا من الفائدة الدنيوية لأنه لا يصلح لشيء من الغذاء أو الدواء اصلا بل هو مضر لاطباق الاطباء على إن مطلق الدخان مضر قال إبن سينا لولا الدخان والقتام لعاش إبن آدم ألف عام وقال جالينوس اجتنبوا ثلثة وعليكم باربعة ولا حاجة لكم إلى الطب اجتنبوا الدخان والغبار والنتن وعليكم بالدسم والحلوى والطيب والحمام وذكر في القانون أن جميع اصناف الدخان مجفف بجوهرة الارضي وفيه نارية يسيرة قال بعض الفضلاء فإذا كان مجففا يكون للرطوبات البدنية فيؤدي إلى حصول أمراض كثيرة فلا يجوز استعماله له لوجوب صيانة النفس عن الضرر وقد ذكر في نصاب الاحتساب أن استعمال المضر حرام فان قيل بعض الأطباء يعالجون بعض الأمراض ببعض أصناف الدخان ويشاهد نفعه فكيف يصح المنع عن استعمال بيع اصنافه فالجواب أنهم يعالجون لحظة يسيرة لاعلى الدوام حتى يحصل ماذكر من التجفيف فإن قيل ماذكر من التجفيف لايضر في البلغمي لكثرة رطوباته وانتفاعه بتجفيفها فما وجه المنع فالجواب أن حد الانتفاع مجهول فلابد في معرفة ذلك من طبيب حاذق عارف بالامزجة والقدر الذي ينتفع به والا فالاقدام عليه غير جائز اصلا لوقوع الترودبين السلامة وعدمها فان العدول ممن كانو استعملوه اختلفوا فيه فمنهم من يقول بضرره ومنهم من يقول بعدم ضرره ومنهم من يشك فيه لكن الفريق الاغلب الذي جانب الحق إليه اقرب يقول أنه في ابتدائه يحدث في الجسم وحدة في البصر وهضما في الطعام ونشاطا في الاعضاء فاذا حصلت المداومة يورث غشاوة في البصر وثقلا في الاعضاء وامساكا الهاضمة وضعفا في البدن وذلك لانه كما قال الأطباء مجفف مع نوع حرارة فيفعل في ابتدائه ماذكروه اولا وفي انتهائه ماذكروه ثانيا على أنه لو تحقق نفعه فبعد النفع يمنع من استعماله له لا يمنع يكون دواء ولا يجوز استعمال الدواء بعد زوال المرض لأنه إذا لم يجد مرضا يزيله من البدن فيؤدي إلى الضرر وما يؤدي إلى الضرر يمنع من استعماله وأن كان فيه نفع الا ترى أن الخمر المحرمة بالنص قد أخبر القرآن بنفعها ولكن جانب النفع إذا قابله جانب الضرر يحمي جانب الضرر حتى قال الفقهاء لو كان في * وجوه شتى توجب الحل والجواز ووجه واحد يوجب الحرمة وعدم الجواز يرجح جانب الحرمة احتياطا فإن قيل أن المستعملين له يدعون أنهم يجدون عقب استعمالهم خفة في البدن فكيف يصح القول بعدم النفع فيه فالجواب على ما ذكره بعض المتناولين لتجربة نفعه وضرره أن المستعملين له يحصل لهم حال استعماله الم شديد فعند فراغهم منه ينجون من ذلك الالم ويحصل لهم راحة فيظن هؤلاء المساكين ان تلك الراحة حصلت من استعماله ولا يدرون انها حصلت من خلالهم عن استعمالهم له ثم أن لناا في معرفة حرمة الاشياء واباحتها وجها حسنا يرجع إلى الاصول وهو أن الحق في الاشياء قبل البعثة ان لايكون فيها حكم وبعد البعثة اختلف العلماء فيه على ثلثة اقوال الأول أنها متصفة بالحرمة الا ماول دليل الشرع على اباحته والثاني أنها متصفة بالاباحة الا ماول دليل الشرع على حرمته والثالث وهو الصحيح أن يكون فيه تفصيل وهو أن المضار متصفة بالحرمة بمعنى أن الاصل فيها الحرمة وأن المنافع متصفة بالاباحة لقوله تعالى " والذي خلق لكم مافي الارض جميعا فإنه ذكره في معرض الامتنان ولا يكون الامتنان الا بالنافع المباح فكانه قال هو الذي خلق لاجل نفعكم جميع مافي الأرض من المنافع لتشفعوا بها وعلى هذا القول الثالث الصحيح يخرج حكم هذا الدخان أيضا فإنه لو كان نافعا لكان الاصل فيه الاباحة لكن قد ثبت باخبار الحذاق من الاطباء أنه مضر ولو في الآجل فيكون الاصل فيه الحرمة بل لو وقع الشرك فيه لغلب جانب الحرمة كما هو القاعدة الشرعية فإنه عليه الصلاة والسلام قال الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبها لا يعلميهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحرم يوشك أن يقع فيه وأختلف العلماء في حكم هذه الشبهات فذهب بعضهم إلى حرمتها لأنه صلعم قد اخبر في هذا الحديث بان من ترك ما اشتبه عليه حكمه ولم ينكشف أمره يكون دينه سالما مما يفسده او ينقصه ونفسه ناجيا مما يعيبه ويلام عليه ومن لم يتركه بل فعل يقع في الحرام وهذا الدخان مما اشتبه عليه حكمه ولم ينكشف أمره فمن تركه ولم يستعمله يكون دينه سالما من الفساد أو النقصان ناجيا من العيب واللوم بين الانام ومن لم يتركه بل استعمله يقع في الحرام وذهب بعضهم إلى كراهتهما لما جاء في حديث آخر أنه عليه السلام قال الأمور ثلثة أمر تبين لك شده فاتبعه وأمر تبين لك عيبه فاجتنبه وأمر اختلف فيه فدع مايريبك ولا شك أن أمر الدخان مما اراب أو وقع في الاضطرار وأقل مراتبه الكراهة ولا يظن أنه ينتهي إلى درجة الاباحة بتعلل كثير فمن يتعاطاه أنه نافع لكل داء وأنهم وجدوا في استعماله دواء لأمراضهم لأن ؤلك من تلبيس ابليس عليهم وتزيينه لهم حتى يتولد من تكاثفه مافيه أمره داء لا دواء له فإن تكراره يسود ما يقابله فيتولد منه الحرارة فيكون في عاقبة أمره داء لا دواء ثم يلزم على دعوهم أن يكون الناس كلهم مرضى وأن يكون مرضهم في جميع الفصول الأربعة من نوع واحد وأن يكون معالجتهم فيها بشيء واحد على كيفية واحدة وبطلانه غير خفي على أحد من العقلاء ثم فيه اضاعة المال لأنه يشترى بثمن غال فيدخل في الاسراف المحرم مع نتن ريحه واذيته الذين لا يستعملونه وقد روي أنه عليه السلام قال كل موذ في النار وقال الكناسي الرائحة المنتنة تحرق الخياشيم وتصل إلى الدماغ وتوذي الإنسان ولذلك قال النبي صلعم من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريحه والمراد من هذه الشجرة كل ماله رائحة كريهة يتاذى منها الإنسان بدليل تعليله والمعنى أن من أكل شيئا مما له رائحة كريهة يتأذى بها الإنسان فلا يقربن مسجدنا لأنه يؤذينا برائحته الكريهة وقد ثبت في صحيح مسلم أنه عليه السلام كان إذا وجد من رجل ريح البصل أو الثوم أمر به فأخرج إلى البقيع ولهذا قال الفقهاء كل من وجد فيه رائحة كريهة يلزم أخراجه من المسجد ولو بجره من يده ورجله دون رأسه ولحيته فعلى هذا يلزم أخراج كثير من الايمة والمؤذنين من المسجد في هذا الزمان لوجود رائحة كريهة فيهم بسبب مداومتهم على استعمال الدخان الكريهة الرائحة بل هم قد يستعملونه في داخل المسجد الجامع فيكون الكراهة في حقهم اشد وأكثر وقد كتب بعض المالكية في الديار الحجازية جوابا عن سوال يتعلق بالدخان أن استعمال الدخان حرام كاصله لأن اصله الخشبة والنار لكونه اجزاء من الخشب ممزوجة باجزاء النار فهو من حيث اجزائه النارية التي فيه يحرم استعماله لقوله تعالى أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا فدل النص على حرمة النار فيحرم الدخان الحاصل وأيضا أنه تعالى جعله مما يعذب به حيث قال في حق قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا فالعذاب المكشوف عنهم كان دخانا وقال في اية اخرى فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس والمراد بالدخان معناه الحقيقي على قول وعلى هذا القول يكون النظم الكريم صريحا في كون الدخان عذابا اليما وما به التعذيب يحرم استعماله فان الفقهاء قد اتفقوا على وجوب القرار من محل العذاب كبطن محسر فإنه على * الفاعل من التحسير اسم واد اهلك الله فيه أصحاب الفيل فإذا رجب الفرار من محل العذاب فوجوب الفرار مما به العذاب اولى ثم أن المستعملين له تراهم أنه يخرج من حلوقهم وانوفهم نار وفيه تشبه بأهل النار وبالذين يهلكون في آخر الزمان من الاشرار كما جاء في الحديث أنه يكون في آخر الزمان دخان الحديث فلا ينبغي للمؤمن أن يتشبه بأهل العذاب ولا أن يستعمل ماهو من نوع العذاب ولا ما هو من ملابسات أهل العذاب وقد كره جمع من العلماء التختم بالحديد والنحاس لما ثبت في الحديث انهما حلية أهل النار وصح على ماذكره الهلالي في مختصر الأحياء أنه عليه السلام كان يكره الطعام المسخن ويقول أن الله لم يطعمنا نارا فهذا الدهنمان اولى بالكراهة لأنه مختلط اجزاء نار * فلو لم يكن * الثياب * وكراهة الرائحة لكفي زاجرا للعاقل عن استعماله بل لو لم يكن في استعماله الا أحياء سنة الكفار الذين أخرجوه واظهروه في بلاد الإسلام توصلا إلى اضرار أهل الإسلام لكان باعثا للعاقل على اجتنابه ومانعا عن ارتكابه انتهى كلامه وذكر الشيخ إسحق الهنديفي رسالته النصيحة والشيخ حسين السندي في التبيان فتاوي جماعة من العلماء حكموا بالحرمة أو الكراهة في جوابهم حين سئل عنهم ونقلا عبارات الاسألة والاجوبة بحروفها ونحن نذكر عبارات اجوبتهم لتباين مسالكهم ومستندهم واما عبارات الاسألة فهي متقاربة ليس في نقلهما كثير فائدة فمنها جواب عبد الباقي الحنفي الحمد الله الهادي للحق الحق حرمتها وتحقيقهما ماخوذ من الكتاب الشريف والحديث النبوي والقواعد الشرعية والنصوص المحررة المرعية إذ ترتبت عليها امور مفسدة كالاشتغال عن الطاعات والدعوة إلى الفساد بالتمييل إلى الفسق ونفى المروة ووقوع الحريق العام في المحلات وغلو الاسعار والنتن المستقذر فيتحقق الخبث فيها وقد قال الله تعالى ويحرم الخبائث وقال تعالى قل إنما حرم ربي الفواحش ماظهر منها وما بطن والأثم فإذا صح دعوى الخبث فيها فلا مجال لانكار فاحشيتهما واثميتها وقد شهدت الثقات في المؤلفات على أنها بدعة محدثة شنيعة قبيحة منكرة وقد قال صلى الله عليه وسلم اياكم ومحدثات الامور الحديث المشهور ولا تصور لانكار منكريتها والمنكر حرام ولا قدرة لدعوى نفعها أيضا لنص الحكماء الراسخين على شدة الضرر فيها بل لايصح دعوى عدم ضرر بالاطباق الاطباء على إن اصناف الدخان مجففة وفرع العلماء على ذلك أنها تكون موذية لحصول أمراض كثيرة وبعد تمام التجفيف يحترق القلب والدماغ وأن قطع النظر عن ضررها فعدم نفعها محقق وهو عبث صرف وتضييع المال لشربهما سرف وهو حرام قطعي وضررها تدريجي غالبا ولهذا لا يظهر لشاربيها فلا يدركونها ويزين قبحها لهم ابليس ويلبس عليهم بانها الموثرة لما قد يحصل من غيرها من وقع البلغم والباسور بل ضررها متوفر يتوهمون نفعها من جهة وضررها من جهات وتضر بالدين لترتب المفاسد عليها كما تقدم وبالعقل لزيادة التجفيف واستعمال المضر حرام ومن لم يتب فقد ظلم نفسه فيجب تعزير مباشريها وبايعيها وبايعي آلاتها ورو شهادتهم وعزلهم عن المناصب ورفعها عن اسواق المسلمين على ولي الله الأمر ايده الله وهو الذي شهد لها العلماء المعتبرون والفقهاء المعتمدون السالمون عن الميل إلى الهوى والبدعة ولا التفات إلى مخالفة من خالف من المقارفين لها المنهمكين فيها وما ذلك الا بوسوسة الشيطان وهوى الهوى وشهوة النفس وقد وردت شبهتهم العاطلة ودعاويهم الكاذبة الباطلة في جزء سميته بالمدافع البرهانية في مدافع المناكير الدخانية يسر الله تحصيله فعليك بالحق فماذا بعد الحق الا الضلال والله الموفق وهو أعلم كتبه الفقير إلى لطف ربه الخفي محمد عبد الباقي بن سنبل تابع مصلى محمد بن محمد الرومي المكي الحنفي جواب آخر الذي يقتضي قواعد ايمتنا في باب الاطعمة حرمتها إذا اردت إلى اسكار واضرار بالعقل أو بالبدن لأن استعمال المسكر محرم لاسكار واستعمال المضر بالعقل أو بالبدن محرم لاضراره ثم ماينبغي التنبيه عليه ما يكاد أن يغفل عنه وهو أنه لا فرق في حرمة المضر سواء كان مما نحن فيه أو من غيره بين ضرره دفعيا أو تدريجيا فليتنبه له فإن الله * هو الأكثر وقوعا ولذا عم الابتلاء باستعمال المضر للعقل والبدن وبالجملة فاللائق بذي المروة والدين اجتنابه حيث لا ضرورة تدعو إليه اقتداء بقول نبيه صلى الله عليه وسلم دع مايريبك إلى مالا يريبك ما اظن عاقلا يرتاب في ما ذكر والله أعلم كتبه المفتقر إلى ربه الغني عمر(1) بن عبد الرحيم الحسيني الشافعي جواب آخر هو محرم الاستعمال شرعا قطعا لخبثه واضراره العقول السليمة والابدان واسراف شاربيه وقواطع الكتاب والسنة والقواعد الفقهية واضحة الدلالة على حرمة تعاطيه كما لا يخفي على كل من انصف وقد ذكرت ذلك في رسالة مستقلة فنسأل الله السلامة ويجب على كل من بسطت يده في الأرض المنع من استعماله والزجر عنه بيده ليرتدع بذلك أهل المعاصي والشرور وقد قال أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز تحدث للناس اقضيته بقدر ما احدثوا من الفجور وكثيرا ما كان يستشهد امامنا مالك بن أنس بهذه الاية الشريفة فماذا بعد الحق الا الضلال كتبه خويدم نعال بني الوفاء السادات محمد بن محمد فتح الله بن علي المغربي الاصل السكندري المولد المالكي المذهب المدني الدار جواب آخر قواعد الشرع الشريف على المذاهب الأربعة مقتضية لتحريم استعمال الدخان المشهور أن اضر بدين أو عقل كما ورد في الدخان وضرره وذكره في الطب النبوي وقد أجمع الأطباء الراسخون والحكماء المتقدمون على ذلك وعلى أنه مجفف فتحقق الضرر بالعقل ثم بالبدن فيحرم ويترتب عليه أمور خارجة مفسدة وذلك مقتضى التحريم وقد صرح الشيخ ذو الاختصاص العلامة محمد بن الصديق الزبيدي الحنفي في افتائه بانه لاشك أنه بدعة محدثة شنيعة مستقبحة منكرة لا اصل له وهو أيضا عبث فاضاعة المال له اسراف وذلك حرام فلا يجوز الاطلاق باباحته مطلقا وزعم من زعم نفعه مبني على الوهم المحض بتزيين ابليس خذله الله لهم وتلبيسه عليهم بانها هي المؤثرة والله أعلم نمقه المحتاج إلى عفو ربه الجلي محمد الرومي الحنفي خريدم العلم الشريف في الحرم المكي الحنفي جواب آخر القول بحله غير مقبول لاجماع العلماء على منكرية وتوفر ضرره وترتب مفاسد مقتضية المتحريم عليه وشهادة مفاهيم الكتاب الشريف وتصاريح الحديث النبوي المنيف وقد جزم العلامة سيد المحققين(1) صبغة الله الحنفي والمفتون الاعظمون بالدولة العثمانية محمد بن سعد الدين واخوه اسعد(2) الخفيان والشيخ (1)خالد المالكي والمفتي بزبيد إبراهيم (2)بن محمد جمعان الشافعي والفاضل من الشام النجم(3) الغربي الشافعي والشيخ إبراهيم اللقاني المالكي المصري واستاذه وشيخه الشيخ سالم والشيخ محمد الحنبلي والاكثرون من العلاء المعتبرين في البلدان المشتهرين بذلك قواعد الشريعة المطهرة قاضية بذلك والله أعلم كتبه الفقير إلى الله ذي اللطف الخفي محمد عبد الباقي بن سنبل الحنفي جواب آخر الحق الخفي على كثير من الناس حرمتها على القواعد الشرعية إذ فيها الخبث ولا ينفك أيضا ترتب المفاسد عليها وهو يقتضي الحرمة ولا يبرح صاحبها وما للنار وفيه شبه بالمجوس من الكفار ولا انكار أنها من اليهود والنصارى ففيه تشبه واقتداء بهم واطاعة لهم في ما يقصدونه من غشهم وأحياء سنتهم وقد نطق العلماء المعتبرون والحكماء المعتمدون على شدة ضرر الدخان ولا التفات إلى أقوال غيرهم بنفعهما فهم يصادفون وقوع نفع بسبب غيرها بقدرة الله فيزحمونه منها وضررها متعاقب متوفر متنوع متعددة جهاته وذلك يقتضي الحرمة ولا مجال أيضا للمكابرة في منكريتها والمنكر حرام وأن قطع النظر عن ذلك نهى بدعة دينية وورعة شيطانية وقد ورد النهي عن تعاطي المحدثات وإذا تقرر ضررها فبذل المال في شربها اسراف وهو حرام فيجب الحجر على فاعلها وتعزيره مع بائعها وبائعي آلاتها كتبه المفتقر إلى رحمة الله أحمد الرومي الحنفي جواب آخر الدخان المشهور لايخفي على ذي غيبة وحضور انه من محدثات الأمور ولم يكن فيها سلف من العصور وهو من البدع المذكورة بين كل مؤمن وكفور وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن محدثات الأمور وقد ترتب عليه اسراف وافساق في كل غيبة وحضور ويكفي في تحريمه عموم قول سيد المرسلين كل بدعة ضلالة الشائع بين الاولين والآخرين وتعاطيه مما يسقط المروة بين الانام وتضييع المال بغير غرض شرعي حرام والله أعلم كتبه عأمر(1) الشافعي خادم الفقراء بالازهر جواب آخر لاشك في حرمته بلا ارتياب ويجب على كل من بسطت يده في الأرض الزجر عنه والمنع من استعماله وهذا الذي ادين الله واعتقده إلى يوم المآب وفي ذلك مايغني عن مزيد الاطناب والله أعلم كتبه الفقير إلى غافر الزلات محمد بن محمد بن فتح الله المالكي جواب آخر الدخان المشهور أن اضر في عقل أو بدن فهو حرام والا فلا لكنه بدعة محدثة وقد قال الإمام أحمد اكره كل محدث وتعاطيه على الهيأة الشائعة مخل بالمروة والله أعلم كتبه منصور(2) البهوتي الحنبلي جواب آخر لا شبهة في أن شرب الدخان أمر مبتدع مستحدث ولا يمتري ذو الانصاف خال عن الاعتساف في أن شربه قبيح مستقبح وقد سمعت من عمي العارف بالله الشيخ أحمد بن علان الصديقي النقشبندي أن شرب الدخان المشهور تخشي الخاتمة على شاربه وذلك لان الظاهر عنوان الباطن والدخان يسود مايواليه كما هو مشاهد في مواقد النيران وسواد الظاهر يخشى منه أن يؤدي إلى سواد الباطن المرتب عليه سوء الخاتمة وشرب الدخان بحسب اصله وذاته لانفع فيه فان عرض ما يقتضيه رتب عليه حكمه وقد افتى بتحريم شربه من أهل الشام النجم الغزي الشافعي ومن أهل اليمن مفتي زبيد صاحبنا إبراهيم بن جمعان الشافعي وغيرهما من العلماء الاعلام اما تقبيحه والحث على تركه فاتفق عليه من عليهم الاعتماد وممن سلم من التعصب والله أعلم كتبه الفقير إلى الله محمد (1) علي بن محمد علان الصديقي البكري الشافعي خادما تفسير كتاب الله وأحاديث رسوله منفردا بتلك الخدمة بالحرم الشريف المكي جواب آخر هو منكر لا معروف بل من اشنع المنكرات العقلية ولما انضم من المفاسد صار من المنكرات الشرعية أيضا ولا حسن في شربه وقبحه يدرك بالبداهة باصل الفطرة ثم يثبت له القبح الشرع حيث صار من المنكر وهو محدث مبتدع لا معروف ولا مأثور قاتل الله من ابدعه واظهره وضرره بين يشهد به الحس ونصوص ايمة الطب في مطلق الدخان ولا له نفع محقق خلا ما يدعيه تعملوها من النفع الموهوم وكيف يكون الاشتغال به معقولا ومشروعا مع ماصرحنا به بل هو فوق العبث ولا يبعد القول بتحريمه إذا ثبت إليه من المفاسد الشرعية والمضرات البدنية وغيرهما مما ذكرنا طرفا منه في الرسالة الموسومة بتحذير الامة عن ملابسته الغمة ولا يليق تعاطيها لآحاد الناس ممن له طرف من عقل وفضلا عن ذوي الهيآت والمردات واخلالها بالمروة مما لا يتوقف فيه عاقل قاله وكتبه عبده الجاني الراجي إلى عفوه ولطفه محمد(1) عبد العظيم المكي الحنفي جواب آخر له لا يتوقف من مارس كتب الشرعية وقواعدها ووقف على تنصيصهم في بعض الأشياء مما لاتكاد تجد في بعض الاعلة أو صلتين أن هذه الخبيثة حكمها الحرمة لوجود مقتضيات التحريم فيها اضعافا مضاعفة باعتبار ماحكموا فيه من الحرمة من علة أو علتين ولا يخفي أن الشيء قد يتصف بالحرمة باعتبار اقتران أمر خارجي به وأن كان منصوصا على اباحته في الشريعة وهذه الخبثية وجوه التحريم فيها متوافرة قال ذلك المفتقر إلى ربه ذي اللطف الخفي عبد العظيم محمد المكي الحنفي جواب آخر استعمال الدخان حرام كاصله لأن اصله الخشب والنار وكل منهما يحرم استعماله وذلك لأن الدخان اجزاء من خشب ممزوجة باجزاء من النار فهو من حيث الاجزاء التي فيه يحرم استعماله لقوله تعالى أن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا فدل النص على تحريم النار ومن حيث مجموعة يحرم الدخان لأن الله جعله مما يعذب به وما به التعذيب يحرم استعماله لاذاه قال الله تعالى الاقوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحيوة الدنيا وكان المكشوف وخانا وقال الله فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب اليم على أحد التاويلين ولأن الفقهاء اجمعوا على الفرار من محل العذاب كبطن محسر وإذا فر من محل العذاب فلان يفر مما به العذاب اولى ولأنه قد شوهد في القصبة التي هي آلة لاستعمال هذا الدخان الانسداد بشيء كالعلك يحدث من الدخان وكما سد هذا المتولد من الدخان ثقبة القصبة فكذلك يسد مجاري العروق التي هي مضاريب البدن فيتعطل ماتحتها من وصول الغذاء إليه وقد شوهد موت الفجاءة لمتعاطيها ولأنه يحرق الرطوبات التي في البدن وذلك مقتضى الضرر لايقال هذه العلة تنهض في غير البلغمي لكثرة رطوباته واشفاعه بتجفيفها لانا نقول أن حد الانتفاع بها مجهول فقد يزيد المستعمل على القدر المنتفع به ولا يشعر لايقال هذا اشك في المانع والاصل اطراحه لانا نقول هذا في المانع الذي لا يتحقق الضرر مع بقائه ووجود واما المانع الذي لو ترك لاضر كما في مسألتنا فان اشك معتبر فيه في المنع والله أعلم قاله الفقير إلى الله خالد بن أحمد بن محمد بن عبد الله المالكي الجعفري جواب آخر الذي يتعين في هذا الشرب أنه خطأ غير صواب والدلالة ماخوذة من قوله عليه الصلاة والسلام دع مايريبك إلى مالا يريبك الحديث وقد ارتاب العلماء فيه واجتنبوه ولم يرا حد منهم شربه ثم اكد هذا الحديث الحديث الآخر استفت قلبك وأن افتاك المفتون فوجدنا بحمد الله قلوبنا منشرحة لتجنبه وبغضه ومن انكر هذا فلا نناظره فانه مكابر ثم غير خفي على ارباب العقول أن هذا الشرب مجرد لهو ولعب ومجرد عبث لايسمن ولا يغني من جوع بشهادة الحس والعقل وهذا لانا لو صوبنا هذا الفعل لصوبنا أيضا لكل انسان أن يفتح فاه على التنور ويشرب ماطلع من دخانه إذ لا فرق بين آلة وغير آلة وهذا قبيح لا يرتضيه احد وإنما هو عبث والله يقول افحسبتم إنما خلقناكم عبثا وقد صرح علمائنا بتحريم أكل (1) الطين استدلالا بقوله صلى الله عليه وسلم أكل الطين حرام على كل مسلم ذكره السيوطي وعلل ذلك بعض علمائنا بان ذلك ليس من عمل العقلاء مع كونه اهون حالا من الدخان وأقل مضارا منه فإن استدلالنا على كراهة ماسخن فيه بطريق الدلالة فالجواب واضح والدليل لائح والجامع هو الضرر وقد اتفق علماء الأصول على إن الاستدلال بطريق الدلالة من الدليل متفق على قبوله وأن العام المتفق على قبوله اولى من الخاص المختلف في قبوله ومن لم تكفه الدلائل المختصرة لن تنفعه القناطير المقنطرة قاله العبد المفتقر إلى الله الغني محمد بن صديق الخاص الحنفي الزبيدي غفر الله ذنوبه وستر عيوبه جواب آخر هو منكر كما وقع عليه الاطباق ومن انكر ذلك فقد انكر شمس السبع الطباق وكذلك جمع على قبحه عامة العلماء وبكراهة الكراهة التحريمية مع ترتب المفاسد عليه والاولى بالاتفاق تركه مطلقا وشربه في الليالي والايام فعلى البهائم ويحزم المروة ويسقط العدالة وهو يقتضي الحرمة على كل حال وشربه مفطر للصائم على جميع المذاهب والاقوال والله أعلم كتبه الفقير إلى الله ذي اللطف الخفي محمد عبد الباقي المكي الخفي جواب آخر شرب الدخان المذكور من الأمر المبتدع مذموم منكر كما يشهد بذلك مؤلفات الايمة الموثوق بهم في مذمتها وذم شربها حتى ترقى كثير منهم عن التقبيح والتذميم إلى التحريم والتأثيم وممن جزم بذلك صاحبنا مفتي زبيد العالم العلامة الشيخ إبراهيم بن جمعان الشافعي وجمع من الشافعية بمصر وآخرون من ارباب المذاهب الباقية فهو مشكر مستقبح والتركه والاعراض عنه حسن مستملح أو شربه مفطر للصائم والله تعالى أعلم كتبه الفقير إلى الله محمد علي بن علان البكري الصديقي الشافعي جواب آخر لا يخفي أن المسئول من البدع المنكرة فنقول اما التنباك فهو كما ذكره السائل يستعمل اكلا وشما اي استعاطا وشر بالدخان وهي متفاوتة في كراهة الريح وايذاء المومن واعمها ضررا واشدها وأكثرها * شرب دخانه لكثرة ايذائه من نتن رائحته وتغييره فم شاربه ومحاسن تحية ووجهه ويمينه إلى غير ذلك من الأمور المستقذرة طبعا المكروهة عقلا المردودة شرعا وهذا الاستعمال من الامور المبتدعة حدثت في هذه القرون المتاخرة لا من الأمور المعتادة فانه من حيل الشيطان قطعا في الصد عن ذكر الله وعن الصلاة والمساجد ومجالس الذكر والعلم وقد تكلم العلماء المتاخرون في ذلك لأنه لم يكن في القرون السابقة فمن مفرط في ذمه حتى جزم بالحرمة ومن مفرط في مدحه حتى جعله من الطيب وكل حزب بما لديهم فرحون وقد روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا مسلسلا بالحنفية من طريق أبي حنيفة أنه قال حبك الشيء يعمى ويصم ومنهم من توسط وقال أنه مكروه تحريما وهذا عندي أحسن الاقوال واعدلهما إذ لا قاطع لتحريمه نعم إذا انهمك فيه صاحبه حتى صده عن ذكر الله أو عن الصلاة أو الصيام فإنه يكون ج حراما لأن تعمد مايوصل إلى تركه فريضة من فرائض الله حرام قطعا كما يشاهد في الاسواق وللوسائل حكم المقاصد وكل ما ادى إلى مالايجوز لا يجوز والانهماك فيه إنما يكون من الاراذل واما أهل المروة المبتلون به من عبيد النفس كعلماء السوء فلا يستعملونه الا في اوقات خالية عن الطاعات الواجبة ولا يصدهم ذلك عن ذكر الله وعن الصلاة ولكنه مكروه تحريما بالنتن رائحته وايذاء جليسه فإن قلت فكيف تقول أنه مكروه وقد ذكرت أنه نتن وموذ وكل ماهذا شأنه فهو حرام ولهذا لا يجوز تناول الطعام المنتن باتفاق الفقهاء ولا يجوز ايذاء المؤمن قال الله تعالى والذين يوذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهننانا واثما مبينا قلت ليس كل موذو منتن حراما والا لكان أكل الثوم والبصل والفجل والكراث حراما ولما جاز لبس الجلود المدبوغة لما في ذلك من النتن والايذاء وقد قال صلى الله عليه وسلم من أكل ثوما أو بصلا ةفجلا فلا يقربن مسجدنا وفي رواية فليعتزل مصلانا وأمر بالغسل يوم الجمعة لما كانت الناس تلبس الجلود وتأتي إلى الصلاة في الحر فيحصل منهم العرق فيشم من روائح الجلود نتن حتى اذى بعضهم بعضا ولم ينههم عن لبس الجلود ولانه ليس فيه تلك الرائحة التي في البقول لأنه نزول بالغسل أو تلك لا تزول لاستياك والغسل والتنباك لايخلو رائحته أما أن يكون كرائحته البقول او كرائحة الجلود والمذكورة والذي يظهر في أنه كالاول لاتزول بالغسل والاستياك لكنه يمكن معه الصلاة والصوم والذكر والقراءة باللسان فيكون أكثر كراهية من لبس الجلود المذكورة فيكون مكروها كراهة مترددة بين الأول والثاني هذا كله في شرب دخانه وأما أكله أو شمه فهو مكروه تنزيها عندي لأنها دون شرب دخانه في ماذكرناه وإذا كان مباح الاصل جاز التداوي بشرب دخانه أو أكله أو استعاطه إذا أخبره طبيب حاذق بأنه لا يفيد الا ذلك وقد راينا منفعة مضغة لتأكل الاسنان لبعض الناس مالم يقم غيره مقامه وما جاز للتداوي في مثل هذا يتقدر بقدره فإذا حصل الشفا تركه وبالجملة أنه من البدع الضالة المحرمة فإنه وأن لم يكن فيه خلاف مأمور به ومنهي عنه لكنه قد يؤدي إلى تركه مامور به من صلاة أو صوم أو نحوهما وإذا تقررت كراهة لورم القاطع عندي لحرمته سوى مأمر فلا يكن مشروعا لأن المكروه ليس بمشروع كما حقق في موضعه ةاما الملاومة عليه فلا يجوز لأن بذل المال لاخذه وشرائه اضاعه للمال واضاعة المال حرام للأحاديث المشهورة المتلقاة بالقبول وإذا كان البذل فيه حراما اما لكونه اضاعة للمال في غير حقه كان البذل فيه اسرافا والاسراف في المال حرام قطعي بنص الكتاب والسنة فلا يجوز شراؤه لنفسه لكونه اضاعة مال واسرافا وظلما اعني بوضع الشيء في غير محله وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقبلون فتبين لك أن تحسين استعمال هذا الدخان من مكائد الشيطان وقعوده على الصراط المستقيم للصد عن وروده فلو تامل العاقل ماذا يضيع عليه من الأمر ال فيه ولا ثواب في ذلك بل يخشى عليه العقاب من ملازمته وما فيه تضييع الاوقات التي يستحب فيها الذكر والفكر لراي أنه قد خسر الدنيا باضاعة المال والآخرة لحرمان الثواب فكم من فقير ومحتاج يقف على رأس شارب التنباك لقضاء حاجته لا يلتفت إليه وهو قد اضاع مال الله في مابين يديه فهذا هو الخسران المبين فنعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع ومن دعاء لايسع ومن بطن لا يشبع وفي هذا القدر كفاية والله ولي الهداية قد تم تححرير الجواب تسويدا يوم الاثنين لعله الحادي والعشرون من شعبان سنة أربع وتسعين بعد الألف والمأته لعناية الفاضل العلامة الاديب النجيب الشيخ أحمد علي بن الشيخ العلامة الفاضل المعمر محمد مراد الواعظ الانصاري السندي كان الله له وفتح عليه قال ذلك بفمه ورقمه بقلمه الفقير إلى الله سبحانه عبد الخالق بن علي بن الزين المزجاني الاشعري نسبا الزبيدي بلد النقشبندي طريقة الحنفي مذهبا جواب آخر أن جمهور اجلاء المالكية على تحريم هذه تحشيشة الخبثية وقد قال شيخ الطريقة الشاذلية ومعدن السلوك والحقيقة شيخ مشايخنا أبو العباس سيدي أحمد بن ناصر المالكي اتفق علماء الباطن ومحققوا أهل الظاهر على تحريمها ولا يدخل في هذه الطريقة من يتعاطاها الا أن يتوب ويزجر القائل كتبه الفقير إلى اللح حسين بن علي الحسني مفتي المالكية بمكة المشرفة جواب آخر أن ماقاله الشيخ عبد الخالق بكراهة التحريمية والحرمة المقيدة فهو حق ولا يرتاب عاقل في أن شربه بدعة سيئة من مكائد الشيطان واضلاله لكن افتى بعض علمائنا بحرمة وعده من الكبائر وهو الصواب عندي وكان ظهوره وابتداؤه في زبيد حين حيوة الوالد المرحوم فاراد الاحتساب على شاربه في بعض ليالي رمضان بعد التراويح وتفحص ومشى في البلد فما وجد القدرة أو الشيشة أو البوري مع الآلات الا عند عجوزة فكسرها وزجرها ووبخها بحيث رزقهما الله الانفعال كتبه الفقير إلى الله سليمان بن يحيى بن عمر مقبول الاهدل وفي التبيان سئل العلامة محمد جان السندي الحنفي بن العلامة عبد اللطيف بن المخدوم عثمان عن شرب الدخان فاجاب مع افتاء أبيه وجده أنه مكروه كراهة التحريم بل حرام والاصرار عليه كبيرة كسائر الصغائر وشاربه فاسق مبدع يعزر ويسقط عنه العدالة لقواعد المذهب ورواياته وكتب اصاب في الجواب أو في ما اجاب أولا اريتاب في ما اجاب في التحرير نحو سبع وسبعين من فضلاء ذلك الوقت ولا اعرف إلى الآن وهو سنة ثمان وتسعين بعد الألف والمأته أن يتفوه * شرب الدخان أو يشربه من الفضلاء والصلحاء الاعيان بيد أن يشربه السوقية والفسقة والملامتية انتهى ملخصا هذه فتاوي المانعين(1) واما كلمات المجوزين فمنهما ما سياتي نقله في الباب الثالث من تنقيح الفتاوي الحامدية لابن عابدين الشامي ومنها مافي الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية لعبد الغني النابلسي(1)الحنفي صاحب التصانيف المشهورة والتآليف المنشورة ومن ذلك اي من البدع العادية استعمال النتن والقهوة الشائع ذكرهما في هذا الزمان بين الاسافل والاعيان والصواب أنه لا وجه لحرمتهما ولا لكرامتهما في الاستعمال هل هما من البدع في العادة ومن علل حرمتهما بشيء لزمه حرمة البدعة العادية وهو خلاف ماعليه جمهور العلماء وأمر السلطان ونهيه إنما يعتبران إذا كانا على طبق أمر الله ونهيه لا على مقتضى نفسه وطبعه كما أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه على طبق أمر الله ونهيه لا هو من تلقاء نفسه ومقتضى رايه وحاشاه من ذلك ولو فرضنا أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم ونهيه كانا من تلقاء نفسه لا من أمر الله ونهيه لما وجب علينا امتثال ذلك فكيف يجب علينا امتثال أمر السلطان ونهيه المصادر لسن مجرد رايه وعقله مالم يكن موافقا لحكم الله الا إذا ظلم السلطان وجار وشد وعلى الناس وضيق عليهم في النهي عن استعمال هذين المباحين وخاف الناس على انفسهم من شره خصوصا إذا كان يستحل وماء المسلمين ويوجب تغريرهم في رايه السبب ذلك فلا يجوز أن يلقى أحد نفسه في التهلكة ويكف المؤمن عن استعمال ذلك بهذا السبب لا معتقد الحرمة أو الكراهة بل * وعرضه انتهى كلامه في بحث البدعة عند ذكر البدع العادية وهو في الفصل الثاني من الباب الأول من الطريقة وفي الحديقة أيضا عند ذكر الاقتصاد وهو في الفصل الثالث من الباب الأول من الطريقة أيضا ذكروا في معنى الطيبات في هذه الاية اي في قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق اقوالا أحدها أن المراد بالطيبات اللحم والدسم الذي كانوا يحرمونه على انفسهم ايام الحج والقول الثاني وهو قول إبن عباس وقتادة أن المراد بذلك ما كان أهل الجاهلية يحرمونه من البحائر والسوائب والقول الثالث الاية على العموم فيدخل تحته كل مايستلذ ويشتهي من سائر المطعومات الا ما ورد نص بتحريمه كذا قاله الخازن وفي هذا دلالة واضحة على اباحة نحو القهوة والتتن مما تستلذه بعض الطباع وتجد له نفعا وليس هو من المسكرات وليس في حرمته نص اية ولا حديث ولا قياس على ثابت باحدهما وقد اشرنا الى ذلك في ماتقدم انتهى وفيه أيضا في موضع آخر شرب التتن ليس بحرام كما يزعمه بعضهم بالقياس على أكل الثوم بجامع الخبث وهو بعد تسليم الخبث فيه والقياس تبطل حرمته ببطلان حرمة أكل الثوم وإن كان أكل الثوم يقتضي منع الإنسان من دخول المساجد وكذلك شرب الدخان المنتن عند من لم يعتد استعماله إذا كان يتضرر برائحته يقتضي المنع من دخول المساجد من غير حرمة وما حيث اعتانه على شربه غالب المصلين في المساجد بحيث لا يتضررون برائحته فلا ينهي ح انتهى وفي الاشباه والنظائر لابن نجيم (1) عند ذكر القواعد المندرجة تحت القاعدة الثالثة من القواعد المذكورة في النوع الأول من الفن الأول قاعدة هل الأصل في الاشياء الاباحة حتى يدل الدليل على عدم الاباحة وهو مذهب الشافعي أو التحريم حتى يدل الدليل على الاباحة ونسبه الشافعية إلى أبي حنيفة وفي البديع المختار أن لا حكم للافعال قبل الشرع والحكم عندنا وأن كان ازليا فالمراد به ههنا عدم تعلقه بالفعل قبل الشرع فانتفى التعلق لعدم فائدته انتهى وفي شرح المنار للمصنف الاشياء في الاصل على الاباحة عند بعض الحنفية ومنهم الكرخي وقال بعض اصحاب الحديث الاصل فيها الحظر وقال اصحابنا الاصل فيها التوقف بمعنى أنه لابد لهما من حكم لكنا لم نقف عليه بالعقل انتهى وفي الهداية من الحداد أن الاباحة اصل انتهى ويظهر أثر هذا الاختلاف في المسكوت عنه ويتخرج عليها ما اشكل حاله فمنها ايو أن المشكل أمره النبات المجهول سميته الخ قال السيد أحمد الحموي (1) في حواشي الاشباه قوله والنبات المجهول الخ يعلم منه حل شرب الدخان انتهى وقد مر كلام صاحب الدر المختار في المقدمة المتضمن نقل نبذ من عبارة الاشباه وتفريع فهم حكم التتن منه وأن الشيخ العمادي كره الحاقاله بالثوم وقال السيد أحمد الطحطاوي في حواشيه عليه قوله قلت فيفهم ومنه حكم النبات * على ماتقدم من الاصل اول هذا الكتاب أو التوقف قوله وقد كربه شيخنا العمادي لايخفى أن الكراهة تنزيهية بدليل الالحاق بالثوم والبصل والمكروه تنزيها بجامع الجواز أبو السعود بتصرف قوله الحاقاله بالثوم يوخذ منه كراهة التحريم في المسجد المنهي الوارد فيهما وهو ملحق بهما والظاهر أن حكمه حال القراءة يكره لما فيه من الاخلال بتعظيم كلام الله انتهى كلامه وفي الدر المحتار على الدر المختار لإبن عابدين محمد (2) امين الشامي عند العبارة المذكورة قوله والتتن الخ اقول قد اضطربت آراء العلماء فيه فبعضهم قال بكراهة وبعضهم قال بحرمته وبعضهم باباحته وافردوه بالتاليف وفي شرح الوهبانية للشرنبلالي ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لاشك يفطر وفي شرح العلامة الشيخ إسماعيل (1) النابلسي والد سيدنا عبد الغني على الدرر بعد نقله أن للزوج منع الزوجة من أكل الثوم والبصل وكل ما ينتن الفم قال ومقتضا والمنع من شربه لأنه ينتن الفم خصوصا إذا كان الزوج لا يشربه اعاذنا الله منه وقد انتهى بالمنع من شربه شيخ مشايخنا السير وغيره انتهى وللعلامة الشيخ (2)علي الاجهوري المالكي رسالة في * فيها أنه افتى سجله من يعتمد عليه من ايمة المذاهب الأربعة قلت وألف في حله أيضا سيدنا العارف عبد الغني النابلسي رسالة سماها الصلح بين الاخوان في اباحة شرب الدخان وتعرض له في كثير من تآليفه الحسان واقام الطامة الكبرى على القائل بالحرمة أو بالكراهة فانهما حكمان شرعيان لابد لهما من دليل ولا دليل على ذلك فإنه لم يثبت اسكاره ولا تفتيره ولا اضراره بل ثبت له منافع فهو داخل تحت قاعدة الاصل في الاشياء الاباحة وأن فرض اضراره للبعض لا يلزم منه تحريمه على كل احد فان العسل يضر باصحاب الصفراء الغالبة وربما أمرضهم مع أنه شفاء بالنص القطعي وليس الاحتياط في الافتراء على الله باثبات الحرمة أو الكراهة اللذين لابد لهما من دليل بل في القول بالاباحة التي هي الاصل وقد توقف النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه المشرع في تحريم الخمر ام الخبائث حتى نزل عليه النص القطعي فالذي ينبغي للانسان سواء كان يتعاطاه أولا كهذا العبد الضعيف وجميع من في بيته إذا سئل عنه أن يقول هو مباح لكن رائحته تستكرهها الطباع فهو مكروه الا شرعا إلى آخر ما اطال وهذا الذي يعطيه كلام الشارح بلهنا حيث اعقب كلام شيخه النجم الغزي بكلام الاشباه وبكلام شيخه العمادي وإن كان في الدر المنتقى جزم بالحرمة لكن لا لذاته بل لورود النهي السلطاني عن استعماله انتهى وفيه أيضا قوله فيقم منه حكم النبات وهو الاباحة على المختار أو التوقف وفيه اشارة إلى عدم تسليم اسكاره وتفتيره واضراره والالم يصح ادخاله تحت القاعدة المذكورة ولذا أمر بالتنبه قوله وقد كرهه شيخنا العمادي اقول ظاهر كلام العمادي أنه مكروه تحريما ويفسق متعاطيه فإنه قال في فصل الجماعة ويكره الاقتداء بالمعروف باكل الربو أو شيء من المحرمات أو يداوم الاصرار على شيء من البدع المكروهة كالدخان المبتدع في هذا الزمان ولا سيما بعد صدور منع السلطان ورد عليه سيدنا عبد الغني في شرح الهدية بما حاصله ما قدمناه فقول الشارح الحاقا بالثوم والبصل فيه نظر إذ لا يناسب كلام السماوي نعم الحاقة بما ذكر هو الانصاف قال أبو السعود فتكون الكراهة تنزيهية والمكروه تنزيها يجامع الاباحة انتهى هذه عبارات الفقهاء المختلفة من اصحاب المذاهب المتفرقة ترى فيها تصادم الآراء وتخالف الاهواء فمن مفرط ومن مفرط من متوسط فعليك بترك الافراط والتفريط والاخذ بالمتوسط وثمه عبارات اخر كثيرة لم اوردها حذرا عن الاطالة المورثة للملالة مع عدم الاحتياج إليها لاتحاد مفادها بمفاد ما اوردناها الباب الثاني في تحرير الوجوه التي بني المانعون منعهم عليها مع مالها وما عليها وتنقيح الوجوه التي بني المجوزون جوازهم عليها أعلم أن المانعين منهم المحرمون ومنهم الكارهون قد سلكوا مسالك شتى على مالا يخفى على من تدبر في مامضى واكثرها لاتخلو عن خدشات واضحة وايرادات قادحة وقد ذكر صاحب تحفة الاخوان وصاحب التبيان وصاحب الجوهرة والبرهان وغيرهم وجوه المانعين بتفصيل حسن واثبتوا مقدماتها على نمط احسن فنذكرها ملخصا من كلامهم المفصل ثم نعقب بمالها وما عليها على الوجه الاجمل المسلك الأول أن شرب الدخان ليس مما يتغذى به ولا مما يتداوى به لأن الفقهاء ماحكموا بوجوب الكفارة على الصائم بادخاله وشربه إلا أن يعتاده وأن كان قابلا لاحدهما لحكموا بوجوب الكفارة على كل صائم اعتاده أولا وأيضا عدم غذائيته ظاهر لأنه لو كان غذاء المال إليه طبع الذين لايعتادونه واما عدم روائيته فلان استعمال الدواء الاستعلاج لايكون الا عند ظهور المرض أو خوفه وإذا ثبت أنه ليس بغذاء ولا بدواء لزم أن يكون حراما لما في آسار البحر قالوا أن حرمة الشيء قد يكون لفساد الغذاء كالذباب والتراب انتهى وفي غاية (1) البيان أن كل نجس حرام ولا ينكس فليس أن كل حرام نجس لأن حرمة الشيء قد تكون لعدم صلاحيته للغذاء كما إن الطين حرام وليس بنجس انتهى وفي الكفاية (1) أن حرمة الأكل قد تثبت لفساد الغذاء كالذباب والخنفساء والتراب لأنه ما ابيح الا للغذاء في الاصل فيصير الأكل بدونه عبثا أو للخبث طبعا كالضفدع والسلحفات مما لايعتاد الناس أكله أو للنجاسته لأن الله حرم أكل كل نجس بنفسه كالخمر أو بمجاورة كماء وقعت فيه نجاسته أو للاحترام كالآدمي انتهى وقد سبق عن شارح الوهبانية أن كل مالا يتغذى به ولا يتداوى به يكون أكله عبثا فلا يجوز ويؤيده مافي الهداية في باب ما يفسد الصلاة وما يكره فيها أنها يكره العبث بثوبه وجسده في الصلاة لأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك بالصلاة انتهى وقال عبد الغفور في حاشية الهداية أن مراد صاحب الهداية بالكراهة الكراهة التحريمية فلا ينافي الحرمة انتهى ولا يخفى مافي هذا المسلك اما أولا فلكون الصغرى ممنوعة فإنه وإن لم يكن غذاء لكن ماذا * نفي كونه دواء إن أريد نفيه مطلقا بالنسبة إلى جميع الامزجة في جميع الازمنة بل باطل كيف لا وفيه منافع ومصالح من دفع الرطوبات الدماغية وكسر الاوجاع الرياحية وغير ذلك مما لايخفى على من نظر بعين الانصاف وتجنب عن الاعتساف وكونه مضرا لبعض الامزجة أو في بعض الازمنة أو ببعض الخاصية لا يخرجه عن كونه دواء فإنه ما من دواء الا وفيه منافع ومضار كما هو ظاهر لمن طالع كتب الادوية الكبار وما من دواء نافع للكل في جميع الاحوال بل كثير من الادوية ينفع جماعة ويكون سما قاتلا لجمع من الرجال بل قد يكون مضرة لمن صارت له نافعة وهذا كله ظاهر لاينكره الا مكابر وان اريد نفي دوائيته بالمنتبه إلى البعض دون البعض فمسلم لكنه غير متمم واما ثانيا فلانا سلمنا أنه ليس بغذاء ولابدواء ولكن ليس أن كل مالا يكون غذاء ودواء فهو حرام وليس حرمة الذباب والتراب لمجرد عدم كونه غذاء بل لكونه فاسدا غذاء وخبيثا فإن قلت إن لم تسلم هذه الكلية عن النقض فهناك كلية اخرى سالمة عن النقض وهي أن كل ماليس بغذاء ولا دواء وهو يضر حرام وشرب الدخان كذلك فهو حرام قلت هذا مسلك آخر ياتي ماله وما عليه فان ضم هو معه يرد وعليه فإن قيل كل ماليس بغذاء ولا دواء أكلع عبث والعبث حرام قلنا هذا وإن مشى عليه طائفة من الفقهاء لكنه لم يرتض به محققوا الفضلاء أما أولا فلعدم تسليم الصغرى لأن العبث هو ماليس فيه غرض صحيح أو ليس فيه فائدة أو نحو ذلك من العبارات المختلفة مبنى المتحدة معنى ومن المعلوم إن النفع والفائدة لا ينحصر في الغذائية والدوائية حتى يلزم من نفيهما نفي الفائدة وأما ثانيا فلعدم تسليم الكبرى وأن ذكرها صاحب الهداية غيرها وقد قال العيني(1) في البناية شرح الهداية عند قول صاحبها لأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك بالصلاة فيه نظر فإنه إن عبث بثوبه أو بلحيته خارج الصلاة يكون كاللأولى ولا يحرم ذلك عليه ولهذا قال في الحديث الذي ذكره (2) كره لكم ثلاثا وذكر منها العبث في الصلاة فلم يبلغه درجة التحريم في الصلاة فما ظنك بخارجها انتهى وفي الغاية شرح الهداية للسروجي (1)فيه نظر لأن العبث خارجها ثبوبه أو بدنه خلاف الأولى ولا يحرم والحديث قيد بكونه في الصلاة انتهى ومثله في غاية البيان وغيره وأما قول صاحب تحفة الأخوان أن العبث بثوبه ولحيته واقع من الإنسان أتفاقا وأحيانا ومضطر في فعله غالبا وأيضا أن هذا الألعبث يسير مخفف فيه خارج الصلاة بسبب تعذر الأحتراز عنه أو بسبب القلة بخلاف باقي أنواع العبث لأن العمل فيها كثير والاحتراز عنه ممكن ففعلهما حرام أو مكروه كراهة التحريم بلا شك انتهى فعجيب جدا لعدم ظهور الفرق بين عبث وعبث فإن حرمة العبث أن ثبتت لم تكن الا لكونه عبثا وهو شامل لما كان قليلا أو كثيرا أو أيضا على هذا تفوت كلية الكبرى وهي شرط في الشكل الأول فكيف تخرج منه النتيجة مع أن شرب الدخان مرة أو مرتين ليس بازيد من العبث بالثوب أو اللحية مرة أو مرتين فجواز أحدهما يستلزم جواز الآخر وامتناع أحدهما يستلزم امتناع الآخر فالحكم بجواز أحدهما دون الآخر في غير موضعه والفرق بينهما في غير محله تنبيه قال الشيخ إسحق في النصيحة أما كون العبث حراما فلقوله تعالى افحسبتم إنما خلقناكم عبثا والفقهاء استدلوا بهذه الاية على حرمة كل ما كان عبثا قال في نصاب الاحتساب (2) في الباب الحادي عشر ذكر في الجامع الصغير الخاني أما الشطرنج فما كان قارا فهو حرام بالاجماع وما كان خاليا عن القمار فهو عبث وإنه حرام لقوله تعالى افحسبتم إنما خلقناكم عبثا إلى لتعبثوا انتهى وقال في الكافي(1)كل لهوان قأمر به فهو حرام بالاجماع وإن خلا عن القمار فهو حرام أيضا لأنه عبث وقال تعالى افحسبتم إنما خلقناكم عبثا انتهى ولقوله صلى الله عليه وسلم كل شئ (2)من لهو الدنيا باطل الا ثلثة أنتصابك بقوسك وتاديبك فرسك بلا عبثك اهلك فانهن من الحق رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد وفي مواهب الرحمن(3)وشرحه * ومالك اللعب بالشطرنج وإن لم تفته الصلاة بسببه ولم يقأمر به لعموم قوله صلى الله عليه وسلم كل شيء من لهو الدنيا باطل الحديث وقال في النصاب في ذلك الباب ولقوله عليه السلام لهو المؤمن باطل الا بالثلث تاديبه فرسه ورميه من القوس وملاعبته مع اهله في رواية كل لعب المؤمن حرام انتهى ولايخفي على المنصف أنه إذا كان الفقهاء حكموا بحرمة اللهو كله مستدلين بهذه الاية وبهذا الحديث قائلين بإن اللهو عبث مع إن فيه تفريح الخاطر ورفع الغم فكيف شرب الدخان الخبيث الكريه الرائحة مع أنه لا نفع فيه اصلا بل هو اضر الاشياء فلعمرك لايكون الا حراما انتهى كلامه وانت تعلم مافيه فان الحكم بحرمة العبث مطلقا فيه مافيه واثباته بالاية المذكورة والروايات المسطورة بعيد عن التحقيق وإن مشى عليه جمع من ارباب التحقيق المسلك الثاني أن شرب الدخان بدعة حادثة وكل بدعة ضلالة أخرجه مسلم وغيره من الايمة وفيه أن البدعة على قسمين بدعة لغوية وشرعية فالأول هو المحدث مطلقا عادة كانت أو عبادة وهي التي يقسمونها إلى الاقسام الخمسة المباحة كاستعمال المنخل والمواظبة على أكل لب الحنطة والمستحبة كبناء المنارة والمدارس والواجبة كنظم الدلائل لابطال شبه الملحدين والمبتدعين والمكروهة والمحرمة والثاني هو مازيد على ما شرع من حيث الطاعة بعد انقراض الازمنة الثلثة بغير اذن من الشارع لا قولا ولا فعلا لا صريحا ولا اشارة هي المرادة بالبدعة المحكوم عليها بالضلالة فلا يتناول المعنى الثاني شيئا من أنواع العادات كالملابس المخترعة والمساكن والمآكل وغير ذلك من الامور العادية المبتدعة التي لايقصد بها فاعلة ثوابا بل مجرد تحصيل غرض دنيوي واعطاء النفس سرورا بل يتناول الاعتقادات والعبادات فالضلالة إنما هي البدعة الشرعية ومقابلها سنة الهدى المعبر عنها بالسنة المؤكدة وأما البدع العادية كالمنخل للدقيق والملعقة للأكل وغير ذلك فليس فعلها ضلالة من حيث كونها بدعة مالم يثبت المنع عنها في الشرع بل تركها اولى وفعلها ترك اولى كذا حققه الفاضل (1) البركلي في الطريقة المحمدية وشارحه عبد الغني النابلسي في الحديقة الندية وأن شئت زيادة الضبط في هذا المبحث فارجع إلى رسالتي اقامة الحجة على إن الأكثار في التعبد ليس بدعة إذا عرفت هذا فنقول ماذا اراد المستدل بقوله بدعة في الصغرى أن اراد البدعة العادية أو مطلق البدعة فإن اراد بالبدعة في الكبرى كذلك فكليتها ممنوعة وأن اراد فيها البدعة الشرعية فالحد الاوسط لا يتكرر فلا يحصل النتيجة وأن اراد في الصغرى البدعة الغير العادية فصدقها ممنوع بل كذبها في غاية الوضوح فائدة قرر صاحب النصيحة بانه بدعة سيئة مصادقة رافعة لبعض السنن والفرائض موقعة في بعض المكروهات والمحرمات بدعة كذلك فهي محرمة أما كونه بدعة فلانها في الشرع ما استحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه من الاهواء والاعمال وقد حدث شرب الدخان في القرن الحادي عشر وأما كونه رافعة لبعض السنن فلانهما مصادقة لسنية التعطر لحديث من سنن المرسلين الحياء والتعطر والسواك والنكاح رواه الترمذي فانها مثبتة لضد التعطر الذي هو البخر وأيضا هي رافعة لسنية السواك لأن السواك إنما شرع لازالة الرائحة الكريهة من الفم وتطهيره الموجب لرضي الرب وهي توجب تلويث الفم بالرائحة الكريهة فإذا كان السواك يوجب رضاء الرب فهذه البدعة توجب غضب الرب لأن الأشياء تعرف بالاضداد وأما كونها مصادقة لبعض الفرائض فلانها رافعة للقوام الفرض الذي هو بين الاسراف والتبذير وأما كونها موقعة في المنهيات فلأنها موقعة في الاسراف المحرم وموقعة في الغيته وايذاء الخلق من الجن والانس والملائكة وفي التشبه بالكفار وفي العبث ولا يخفي على المتفطن مافيه من الخدشات الأولى في تعريفه البدعة الشرعية فانها عبارة عما استحدث من حيث العبادة بعد الازمنة الثلثة بحيث لم يدل عليه دليل من الادلة الشرعية وشرب الدخان ليس كذلك نعم هو بدعة لغوية قطعا وهي ليست بسيئة مطلقا الثانية في جعله مصاد للتعطر فانه عبارة عن استعمال الطيب في الثياب والابدان واي منافاة بينه وبين شرب الدخان ولا ينافيه حصول البخر الثالثة في جعله رافعا لسنية السواك لعدم المنافاة بين استعماله وبين شرب دخان التنباك فإنه يمكن تطهير الفم عن الرائحة الحاصلة به باستعمال السواك الرابعة في جعله رافعا للقوام فإنه ليس بينهما استلزام وكثيرا ما يحصل بصرف فلس أو فلسين من * أن يلزم أحد المنهميين الخامسة في جعله موقعا في الاسراف والغيبة ونحو ذلك فإنه لا ملازمة بينه وبين ماهنالك والحل أن هذا التقرير على تقدير تمامه أن يستلزم الحرمة فإنما يستلزم حرمة شرب دخان لوجب البخر ويوقع في الاسراف والغيبة واصناف الشر فلو غلى عن ذلك كله لا سبيل إلى الحكم بحرمته فالتقريب غير تام والحكم غير عام المسلك الثالث أنه مضر وكل حرام أما الصغرى فلقول إبن سينا وجالينوس بأمر الاجتناب من الدخان ولما مر من وجوه ضرره في فتاوي العلماء ذوي الشأن وأما الكبرى فلقوله تعالى ولا تلقوا بايديكم إلى التهلكة وقد حكم صاحب (1) المحيط السرخسي وغيره بحرمة أكل الطين لكونه مضرا وكذلك حكموا بحرمة الاشياء الخبيثية الموذية لا يراثها ضررا وفيه مافيه فإن كونه مضرا محضا لجميع الافرجة في جميع الازمنة في حيز البطلان بل فيه منافع لبعضها وفي بعضها حسب ماشهد به ارباب الاتقان والانصاف إن من اضره اضرارا بينا لزمه الاجتناب عنه ومن نفعه أو لم يضره ولم ينفعه لم يلزم له الاحتراز عنه فهو كسائر الادوية التي هي نافعة للبعض ومضره للبعض فالحكم الكلي بحرمته واضراره خطأ إلى خطأ فائدة قال الفاضل أبو طالب بن علي الحنفي في رسالته البرهان على تحريم الدخان المؤلفة سنة خمس وستين بعد الألف لقد سمعنا مرارا من جم غفير من شاربيه يعد مافيه من المضار منها نقصان حاسته البصر وضيق النفس ونقصان المنىووهن الاعضاء وذهاب القوة من البدن ورداءه اللون والسعال والنوازل وسرعة الشيب ولزوم الرائحة الكريهة والايذاء برائحته وهذا ما يتعلق بالبدن ونسيان ذكر الله والجلوس مع الفلسفة والايناس معهم وتوقير أهل البدع وترغيب الناس فيه وانفاق المال في الاحراق واستعمال المال بوجه باطل واستحلال المعصية وتحقير الذنب والبدعة وسقوط العدالة وقد ثبت أن من اصر على الصغيرة سقطت عدالته والتفسيق ورد الشهادة وارتكاب البدعة واتباع الهوى وعدم المبالاة به بأسا وهو حرام رأسا وغير ذلك انتهى وأنت تعلم مافيه فإن المضار البدنية التي ذكرها ليست عامة وفيه منافع ومصالح لبعض الافرجة خاصة والمضار الدينية التي ذكرها بعضها غير قادحة كارتكاب البدعة لكونها بدعة في العادة دون العبادة وبعضها غير لازمة كليا فلا يصح الحكم بالحرمة كليا المسلك الرابع أنه مسكر وكل مسكر حرام وفيه خدشة طاهرة يعلمها الخاص والعام فإن ادعاء كونه مسكرا محتاج إلى بيان تام ودونه كخرط القتاد او كجمع القتام المسلك الخامس أنه مفترق مخدر للعقل وكل ماهو كذلك فهو محرم بالنقل وهو قول ام سلمة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كل مسكر ومفتر اخرجه أحمد في مسنده وأبو داؤد وفي مسنده والمراد بالمفتر كل شيء يورث الفتور والخدر في الاطراف كما يحصل في بعض أنواع القنب وهو دون الاسكار وقريب منه في الانتشار وهما سواسيان في كونهما موجبين المحرمة حتى حكى أن رجلا من العجم قدم القاهرة وطلب دليلا على تحريم الحشيشة فعقد لذلك مجلس حضره علماء العصر فاستدل الحافظ الزين العراقي بهذا الحديث فاعجب الحاضرين الحجة كذا في السراج (1) المنير شرح الجامع الصغير وأنت تعلم مافيه فإن كونه مفتر أو مخدرا من حيث طبعه غير مسلم وكونه مخدرا للبعض دون البعض غير متمم وقد صرح من ادعى أنه مفتران الفتور الواقع فيه يوجد في اوائل الشرب لمن لا يعتاده ادنى من الفتور الواقع بالحشيشية والبنج وغيرهما فعلى هذا الا يكون موجبا للحرمة الا من حيث الاضرار وهو يختلف باختلاف المستعملين واختلاف الفصول والديار مع أن الفتور الواقع منه كالفتور الواقع من الادوية التي فيها حدة وحرقة لمن لا يعتادها وهو غير موجب لحرمتها المسلك السادس أنه موجب لتشبه الكفار وأهل النار لما ورد من حذيفة مرفوعا أن من علامات الساعة خروج الدخان في آخر الزمان الذي يملأ مابين الارض ويبقى أربعين يوما وليلة ويدخل في كل كافر من انفه واذنيه ودبره وقرأ صلى الله عليه وسلم يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشي الناس هذا عذاب اليم وفي رواية إبن جرير والطبراني عن أبي مالك الاشعري وإبن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري نحو ذلك وورد أيضا في الأخبار أن أهل النار إذا دخلوا النار يدخل من انوفهم وافواههم الدخان ويخرج من منافذ الابدان ومن المعلوم إن من يشرب الدخان يخرج من حلقه وانفه الدخان فيكون متشبها باهل النار والكفار والتشبه بالكفار أن لم يكن حراما فهو مكروه قطعا فإن قلت التشبه بالكفار إنما يكون مكروها إذا كان التشبه بهم فعلهم الاختياري المخصوص بهم وخروج الدخان من منافذهم ودخوله في ابدانهم عذاب آلهي نازل عليهم من غير اختيارهم قلت التشبه بهم كما أنه مكروه في افعالهم الخاصة كذلك هو منهى عنه في أمور عذابهم ويؤيده أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى من لبس خاتم الحديد عن لبس الحديد وقال أنها حلية أهل النار أخرجه أبو داؤد والترمذي والنسائي وأحمد والبزار وأبو يعلى وإبن حبان وغيرهم المسلك السابع أن شرب الدخان يحدث رائحة كريهة فلا جرم يكون مكروها قياسا على أكل الثوم والبصل المنهى عن أكلهما كما ورد في أحاديث صحيحة متعددة في كتب معتمدة وقد ذكر العيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري أن ما وقع في الأحاديث من تخصيص النهي بالثوم والبصل من جهة أكلهما في ذلك الزمان والا ففي حكمهما كل شيء له رائحة كريهة من الماكولات وغيرها لأن هذا الحديث معلل بايذاء المؤمنين والملائكة انتهى ومثله في فتح الباري للحافظ (1) إبن حجر والمرقاة شرح المشكوة لعلي (2) القاري وشرح المؤطا له والطريقة المحمدية وغيرها أن كل شيء له رائحة كريهة حكمه حكم الثوم والبصل اخذا من التعليل بتاذي الانس والملائكة فإن قيل من اعتاد شربه لا يجد له رائحة كريهة ومن لم يعتد به يجد الرائحة ومعلوم أن الرائحة الكريهة المنهية مايكرهها جميع الناس أو غالبهم قلنا المدار على كراهة الرائحة وعدمها قبل الاعتياد وأما عدم استكراهها بعده فلا يعبأ به عند ارباب الاعتماد والا ترى أن أصحاب الحرف المنتنة لا يجدون رائحة كريهة أصلا ومن عداهم لايقدرون على الوقوف عندهم اصلا وقال النابلسي في الحديقة الندية موردا على هذا المسلك بعد ما ذكر أحاديث النهي عن البصل والثوم مع مالها وما عليها وبهذا يظهران أن شرب التتن ليسن بحرام كما يزعمه بعضهم بالقياس على أكل الثوم وأن كان أكل الثوم يقتضي منع الإنسان من دخول المساجد وحضور مجامع الناس فلا يلزم ذلك الحرمة وكذلك شرب التتن عند من لم يعتد استعماله إذا كان بحيث يتضرر برائحته يقتضي المنع من دخول المساجد من غير حرمة وأما حيث اعتاد على شربه غالب المصلين في المساجد والحاضرين في مجامع الناس بحيث لا يتضررون برائحته بل ربما يستلذونها ولا يستكرهونها فلا يكون داخلا تحت النهي فيمن أكل ماهو كالثوم والبصل مما له رائحة كريهة عن دخول إذ لا كراهة لرائحته ح عند من اعتاده فلا ينهي شارب التتن عن دخول المسجد وحضور الجماعات وفي شرح الشرعة المسمى بجامع الشروح ولا يأتي المسجد وبه رائحة الشجرتين الخبثيتين إلى المنتين وهما الثوم والبصل لقوله عليه السلام من أكلهما فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتاذى مما تتاذى منه الانس وليس المقصود والنهي عن الاتيان بل عن الأكل وقت الاتيان وقاس قوم على المساجد سائر مجامع الناس وعلى أكل الثوم من معه رائحة كريهة كالبخر وغيره كذا في شرح المشارق فإن كانت رائحة التتن كريهة عند قوم مجتمعين في المسجد أو غيره تكون كرائحة الثوم والبصل وإن لم تكن كريهة فلا وقد اجمع الناس اليوم على استعمال التتن في غالب المجالس بين العلماء والعوام من غير استكراره لرائحته وإنما يستكرهه القليل الذين لا يشربونه فلا يكون كالبصل والثوم لأن المعتبر في المقبس عليهما مايستكرهه غالب الناس وهذا لا يستكرهه غالب الناس ليوم فليس هو من قبيل ذلك ولا يقال الثوم والبصل إذا لم يستكرهه غالب الناس يلزم على هذا عدم * عن دخول المسجد رائحته لانا لقول ذلك ثابت بالأحاديث وأما ماقيس عليه فمشروط باستكراره الرائحة ومتى زال استكراهها فلا قياس له عليه كلامه ولا يخفي عليك مافيه فإن أكل الثوم والبصل إنما صار ممنوعا لعلة كراهة رائحة فيكون شرب الدخان كذلك لنتن رائحة فإن اشتراك العلة يوجب اشتراك الممانعة ويلزم أيضا أنه كما أنه أكل الثوم والبصل يمنع به الرجل من دخول المساجد والمجامع كذلك كل ماله رائحة كريهة ة لاشتراك الجامع ولا فرق بين ما إذا اعتاد الناس ولم يعتدوه كما أنه لا فرق في المقيس عليه بينه وبينه على أن علة منع أكل الثوم والبصل من دخول المسجد ليس مجرد تاذى الناس بل تاذيتم وتاذى الملائكة الحاضرين في المسجد كما افادته رواية مسلم من أكل الثوم والبصل والكراث فلا يقربن مسجدنا فإن الملائكة تتاذى منه كما يتاذى بنو آدم وعلى هذا فلا يفيد الفرق بين اعتياد الناس وعدم اعتيادهم لبقاء تنفر الملائكة وتاذيتم وقد يقال قياس شرب الدخان على أكل الثوم والبصل مع الفارق والقول باشتراكهما في نتن الرائحة غير رائق لأن الرائحة الكريهة التي هي علة للكراهة لوازم الثوم والبصل إذا كانا * غير مطبوخين بل من ذاتيانهما لا صورة فهما الا بطبخهما وأما شرب الدخان فليس كذلك إذ لا رائحة كريهة في نفس التتن ولا في نفس دخانه وكذا في نفس آلة شربه المعروفة بحقة وإنما يحصل التتن في الآلة وفم شارب الدخان منهما بعوارض لاحقة خارجة عن انفسها كعدم الاحتياط في تصفية الآلة وغسلها وقلة الاهتمام في غسل فم شارببها ولذلك ترى من هو نفيس الطبع منزها عن هذا الجرح لاتجد في فمه رائحة البتة ولا توجد في آلة شربه كراهة الريح بتة فنظيره ماقد يحصل الريح الكريه بسبب عدم المضمضة أكل الاطعمة وما يحصل في بعض الاطعمة الموضوعة في الاية الغير الصافية ومثل هذا الريح الكريه العارض لا يوجب الحكم بكراهة تلك الاشياء بل يومر بازالة الريح بعد استعمال هذه الأشياء نعم الشيء الذي يستلزمه بنفس ذاته ريحا كريها يقاس على الثوم والبصل ويحكم بكونه مكروها ولو سلم أن الرائحة الكريهة في ما نحن فيه كالرائحة والتنزيهية لا التحريم ولا الكراهة التحريمية فافهم واستقم المسلك الثامن أنه خبيث وكل خبيث حرام أما الصغرى فلان الخبيث هو ما تستخبثها الطبائع السليمة وشرب الدخان كذلك يستقبحها القرائح المستقيمة وأما الكبرى فلقوله تعالى ويحرم عليهم الخبائث وقد استدل الفقهاء بهذه الاية على حرمة كثير من الأشياء القبيحة فاستدل صاحب مواهب الرحمن وشرحه البرهان بها على حرمة الحشرات كالزنابير والقنفذ واليربوع وغير ذلك واستدل شراح الكنز بها على حرمة حيوانات البحر ماعدا السمك ونظائره كثيرة في كتب الفقه شهيرة وأنت تعلم مافيه فإن الخبيث على مايعلم من تتبع كتب غريب الحديث واللغة يطلق على المعاني المتشتتة منها المضر كما يقال لبعض الحشرات الخبيثة ومنها النجس كالخمر وغيره ومنها المكروه طعما وريحا كالثوم ونحوه ومنهما المكروه من حيث الرواء كما في حديث كسب الحجام خبيث ومنها مالا يوافق عادة واستعمالا ومنه يقول من لايعتاد شيئا ويكرهه وأن كان في نفسه طيبا هذا خبيث إلى غير ذلك من المعاني المفصلة في موضعها المشرعة في محلها فمجرد اطلاق الخبيث على الشيء لا يستلزم حرمته مالم يبين كيفية المسلك التاسع أنه مما يجتمع عليه الفساق كاجتماعهم على المحركات وما يكون كذلك فهو محكوم بكونه من المحركات أما الصغرى فيظهر صدقها بملاحظة مواضع شربه ومحال استعماله وأما الكبرى فلما يظهر من كلام صاحب الهداية حيث قال وهل يحد في المتخذ من الحبوب إذا سكر منه قالوا والاصح أنه يحد من غير تفصيل وهذا الان الفساق يجتمعون عليه في زماننا اجتماعهم على سائر الاشربة بل فوق ذلك انتهى ومثله كثير وفي كتب الفقه شهير ولا يذهب عليك مافيه فإن مجرد اجتماع الفساق على شيء مباح في اصله لا يوجب حرمة في ذاته نعم يحكم بالمنع عليهم ويزجر عليهم سدا للذريعة لئلا يفضي ذلك إلى المفسدة وهذا جوهر أو الفقهاء حيث حكموا بذلك كما صرح به الشراح هنالك على أن شرب الدخان ليس مما يجتمع عليه الفاسقون فقط بل معهم جماعة عالمون فالحكم بحرمته ليس في موضعه المسلك العاشر أنه عام البلية وشامل الفتنة وما يكون كذلك فهو محكوم عليه بالحرمة لما ذكر في شرح التمرتاشي وغيره ان شمس الايمة (1) الكروري سئل عن البنج وحرمة فقال مانقل عن أبي حنيفة وأصحابه شيء في * وحرمته لكن لما عمرت بليته وشملت الاماكن فتنة اختار ايمة ماوراء النهر باسرهم تحريمه وافتوا بتاديب باعة وزجرا * وفيه خطاء واضح واجراء فاضح فإنه على تقدير تمامه لا يستلزم حرمة مانحن فيه باصله بل إذا كان مفضيا إلى بلية وفتنة فيكون في درجة الاباحة إذا خلى عن المفسدة المسلك الحادي عشر أنه يفسد العقل ويصد عن ذكر الله وعن الصلاة أما الأول فلأنه إذا وصل لدخان إلى القلب وعلا إلى الدماغ فلا محالة يوذيهما ويشوشهما ومحل العقل الدماغ أو القلب فيفسد العقل بفسادهما وأما الثاني فلأن من اعتاده قل أن يذكر ويصلي كثير أما يشتغل به وكل ما كان كذلك فهو حرام بالمعقول أو المنقول وفيه فساد ظاهر واختلال باهر فإن فساد العقل والدماغ والقلب ليس من لوازمه وذاتياته إنما هو من عوارضه اللاحقة ومثل هذا لا يستلزم الحرمة العامة وموت بعض من تناوله فجاءة لا يثبت أنه مضر كلية بل هو يختلف باختلاف المستعملين والشاربين وكذا الصد عن ذكر الله ليس من لوازمه فإن كثيرا من يعتاده يصوم ويصلي فإن كان ذلك في بعضهم أو في أكثرهم كان من عوارضه المسلك الثاني عشر أن الدخان آلة العذاب وقد ذكره الله تعالى في كتابه في مواقع العقاب فقال تعالى يوم تأتي السماء بدخان مبين الاية وقال تعالى وظل من يحموم لا بارد ولا كريم وقال تعالى يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس وقال تعالى انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب والظل والنحاس واليحموم وهو الدخان وقال تعالى في حق قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا وكان ذلك الدخان وما يكون كذلك فاستعماله على وجه يكون هيأة كهيأة العذاب حرام الا ترى إلى ما أخراجه أبو داؤد وغيره عن بريدة جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه خاتم من حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار ثم جاء وعليه خاتم من صفر فقال مالي إلى أحد منك رائحة الاصنام فقال يارسول الله من اي شيء اتخذه قال اتخذه من ورق ومن ثم صرح بعض الفقهاء بإن استعمال الحديد أكثر اثما من استعمال الذهب والفضة لكونه آلة العذاب الفجرة فإذا كان حال الحديد هذا مع أن فيه نوع زينة فما بالك بالدخان المعد لعذاب الدنيا والآخرة وإنما قلنا أن استعمال آلة العذاب على وجه يكون هيأة كهيأة أهل العذاب حرام لئلا يروانه لو كان استعمال آلة العذاب حراما جاز الانتفاع بالحديد مطلقا مع أن فيه بأسا شديدا ومنافع للناس كما قال الله تعالى وانزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس ولما جاز الطبخ بالنار والبخور بالعود وغيره لأن فيه استعمال الدخان والنار وجه عدم الورد وأن المحرم إنما هو استعمال آلة العذاب على هيأة أهل العذاب وأهل النار يعذبون بالبأس الحديد بالسلاسل والاغلال والاحراق بالنار ودخول دخانه في المنافذ جزاء بما كسبوا من الافعال لا بان يعطي لهم السيف أو السكين أبو يطبخوا بالنار ويبخروا به دخان مبين فيكون لبس الحديد وادخال الدخان في المنافذ حراما الانتفاع بهما مطلقا وفيه أن غاية مايثبت منه بعد تمامه هو الكراهة لا الحرمة القطعية المسلك الثالث عشر أنه مما يحصل به الايذاء وما كان كذلك فهو حرام بلا امتراء أما الصغرى فلأن من لم يشربه إذا وجد منه الرائحة تاذى منه بحيث يحصل له منه صداع الرأس وتنفر منه بحيث يصرف عنه الرأس واشد من ذلك تاذى الملائكة برائحته القبيحة وأما الكبرى فلقوله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا وقال صلى الله عليه وسلم كل موذ في النار والنصوص في هذا متواردة متكاثرة وفيه منع الصغرى لما حققنا سابقا أنه ليس في نفسه مايحصل منه الايذاء فان كان ذلك لعارض وجب دفع ذلك العارض ولا يلزم منه حرمة اصله على أنه سلم ذلك انتقص بأكل الثوم ونحوه فان بعض الظاهرية دهبوا إلى تحريمه اخذا من احاديث منع حضور المسجد لآكلة وهو قول شاذ بلا نزاع هو حلال بالاجماع كما صرح به النووي في المنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج وغيره في غيره وإذا كان حال الثوم والبصل وغيرهما من الأمور المنهية نصا هذا فما بالك بالدخان الذي ليس بمنصوص المنع مع كونه اخف من ذا المسلك الرابع عشر انه مستلزم الاسراف وهو حرام بالنص وفيه بعد بعيد عن الانصاف فأنه ليس بمستلزم له بل كثيرا مايحصل بدونه المسلك الخامس عشر ان فيه تقبيح الصورة التي صورها الله عند شربه وقد ورد دفع السعال ووضع اليد على على الفم عند التثاؤب لذلك فكيف به وفيه خبط واضح وخلط لائح فإنه ليس فيه التقبيح الممنوع وأن حصل ذلك في بعض الأحوال فكونه موجبا للحرمة مقدوح المسلك السادس عشر إن فيه ادخال الدخان في البدن وهو متولد من النار والتتن وأكل النار حرام لحديث أن الله ما اطعمنا النار وفيه أن كون الشيء حراما لا يستلزم كون ما يتركب منه حراما المسلك السابع عشر فيه تشبه بشيطان بيده شعلة نار فان من يعتاد شرب الدخان تراه في أكثر الاوقات بيده شعلة نار والتشبه بالشيطان ممنوع بالنصوص الصريحة ولذلك نهى عن الأكل والشرب بالشمال والمشي في نعل واحدة والشرب قائما والجلوس في الظل والشمس والتحضر وغير ذلك من الافعال الشيطانية وفيه أنه يستلزم أن يمتنع وضع شعلة من النار على يده الحاجة مع أن التشبه بابليس إنما منع في افعال خاصة ثابتة بأحاديث وردت به لا في الافعال المشتركة بينه وبين غيره علا أن تشبه كل من يشرب الدخان ممنوع فبناء حكم حرمته أو كراهة عليه مقدوح المسلك الثامن عشر قد نهى عنه اولو الأمر اي السلاطين ونهيهم عن شيء موجب لحرمة على المسلمين وفيه ماذكره النابلسي وغيره بأن المراد من اولي الأمر العلماء على الاصح كما ذكره العيني وغيرهم على الرشوة والظلم حكما شرعيا وقد قالوا من قال السلطان ماننا عادل فهو كافر المسلك التاسع عشر قد اجمعوا على الحرمة والاجماع حجة من الحجج الشرعية وفيه أن الاجماع الذي هو أحدى الحجج الأربعة هو اجماع المجتهدين كما هو مصرح في كتب الاصوليين وقد صرحوا بان الاجتهاد المطلق منقطع من رأس الاربع مأته ةقيل من رأس الخمس مأته فاين وجود المجتهدين حين حدوث هذه البدعة في المسلمين وأما العلماء الذين افتوا بتحريمه فهم ليسوا من المجتهدين حتى يجب تقليدهم للمسلمين بل أكثرهم ليسوا من أصحاب الاجتهاد في المذاهب أيضا مع أنهم في أنفسهم أيضا مختلفون فانتفى الاجماع رأسا عجيبة قال لبعض المتهورين حرمته ثابت بالادلة الأربعة أما الكتاب فقوله تعالى والا تسرفوا وأما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم كل دخان حرام وأما الاجماع فلاتفاق علماء عصر حدوثه على تحريمه وأما القياس فعلى أكل الثوم ونحوه ولم يدر هذا المسكين تجاوز الله عنه وعن جميع المسلمين أن الاية لا تثبت شيئا مما ذكر كما مر والحديث الذي ذكره موضوع لا يوجد له سند لا موقوف ولا مرفوع والاجماع منتف بانتفاء المجتهدين مع اختلاف المفتين والقياس من شان المجتهدين فان قلت هذه الاستدلالات التي أوردها المانعون ليست بقياسات حتى يقال أنه منتف بانتفاء الاجتهاد بل ادخال جزئي في العمومات الكلية الثابتة من الايات والأحاديث وقياسات أصحاب الاجتهاد وهو ليس بمنقطع إلى يوم القيامة وأن انقطع الاجتهاد من ازمنة طويلة علا إن المنقطع إنما هو الاجتهاد والمطلق الكلي لا الاجتهاد الجزئي على الراي الاصح في التجزي قلت هب ولكن قد عرفت أن أكثر مسالكهم مخدوشة وبعضها أن كانت صحيحة لا تثبت الحرمة بل الكراهة هذا كله كان كلاما مع المانعين المحرمين أو الكارهين وأما المجوزون فعمدة ما استندوا به أمور ثلثة الأول أن شرب الدخان لم يدل دليل من الادلة الأربعة على حرمته وما كان كذلك فهو في حيز الاباحة الثاني أن الاصل في الاشياء الاباحة فيندرج فيه شرب الدخان ويبقى على اصل الاباحة الثالث أن الاصل في المنافع اباحة الاستعمال وفي المضار التحريم وشرب الدخان نافع ولو في الجملة فلا يدخل في اصل التحريم وبعد اللتيا واللتي نقول متجنبا عن الافراط والتفريط سالكا الوسط الوسيط أن ههنا اختلافين الأول في الحرمة والاباحة والثاني في الكراهة والخلو عن الكراهة والحق في الاختلاف الأول هو الاباحة ولا سبيل إلى اثبات الحرمة بدليل من الادلة الشرعية وفي الاختلاف الثاني الحق في جانب الذاهبين إلى الكراهة لوجود التشبه بأهل النار والاشرار واستعمال مايعذب به ارباب الشقاق من الكفار والفجار ولا يراثه الريح الكريه غالبا وأن لم يكن كليا ثم هل هو مكروه تحريما وتغريرا اختلف فيه فمن قائل بالكراهة التحريمية ومن قائل بالكراهة النزيهية وانا إلى الآن متوقف في الجزم بذلك وذلك وذلك لأن علة الكراهة امور احد التشبه بالاشرار وثانيهما استعمال مايعذب به أهل النار وثالثها حصول الرائحة الكريهة في افواه الجماعة المعتادة أما الأول فإن نظر إلى أن الفقهاء كثيرا ما حكموا بكراهة الاشياء تحريما بالتشبه حكم بكونه كذلك وأن نظر إلى انهم حكموا في بعض مافيه التشبه بالكراهة التنزيهية حكم بذلك وأما الثاني فهو أيضا من حيث الاعتبار ببعض نظائره مفيد للكراهة التحريمية ومن حيث اعتبار الفرق بينها وبينه مفيد للتنزيهية وأما الثالث فهو أيضا مفيد للتنزيهية عند ارباب البصيرة وأن ظنه جماعة موجبا للتحريمية نعم إن كان اجتماع وجوه عديدة للكراهة التنزيهية موجبا للتحريمية لكفى ذلك في ثبوت الحرام لكنه محتاج إلى سند تام * في هذا المقام فإنه من مزال الاقدام وخلاصة المرام في المقام أنه لا شبهة في اباحته وعدم تحريمه ولا ريب في كراهة فإن كانت كراهة تحريمية كان الارتكاب من الكبائر لأن المكروه تحريما قريب من الحرام على ما صرح به جمع من الاعلام وأن عده بعضهم من الصغائر وأن كانت تنزيهية كان ارتكابه صغيرة لكن يكون بالاصرار عليه واعتياده كبيرة فظهر أن شرب الدخان موجب لارتكاب الكبيرة على راي أكثر العلماء ذوي الشأن وهو الذي يدل عليه البرهان ومن ذهب إلى الاباحة مع الخلو عن الكراهة فقوله لا يخلو عن شذوذ وخسران لطيفة مما يناسب المقام ماذكره محمد بن فضل الله الدمشقي في خلاصة الاثر في ترجمة السيد محمد بن محمد بن برهان الشهير بالعلامة الحميدي الاصل القسطنطيني نقيب الاشراف بمالك الروم المتوفي سنة 1043 قال حكى والدي قال أخبرني المولى الشهاب الخفاجي وانا بمصر في سنة ستين وألف أنه كان في يوم من الايام في مجلسه الرفيع العالي المقام مع جماعة من الفضلاء فاحتجب الشهاب عن المجلس لاجل الدخان وكان المنع قد حصل من حضرة السلطان ولما عاد إلى المجلس انشد هذين البيتين وهما نظم وقتهما من غير من إذا شرب الدخان فلا تلمنا + وخذ بالعفو ياروض الاماني + تريد مهذبا من غير ذنب _ وهل عود يفوح بلا دخان + فاجاب صاحب الترجمة في الحال وعلى القول الأول تجب لان النفس تميل إليه وتنقضي شهوة البطن منه كذا في الجوهر(1) النير شرح القدوري وفي الثاتارخانية الصائم إذا أكل مايتداوى به أو ما يأكل عادة أما مقصودا بنفسه أو تبعا بغيره يلزمه الكفارة باكله مالا يتداوى به ولا يوكل عادة لا مقصودا ولا تبعا لغيره لا يلزمه الكفارة بأكله وما يصلح للدواء والغذاء يجب بأكله الكفارة قصد الدواء والغذاء ولم يقصد انتهى إذا علمت هذا فنقول أن دخان التنباك المروج في زماننا بعضهم يشربونه نفعا وبعضهم يشربونه قضاء لشهوة النفس ويميل طبعهم إليه فيجب الكفارة بشربه وقد نبه عليه الشرنبلالي فقال في مراقي الفلاح بعد ذكر مانقلته عن الجوهرة قلت وعلى هذا البدعة التي ظهرت الآن وهو شرب الدخان في لزوم الكفارة نسأل الله العفو والعافية انتهى وقال هو ناظما في شرحه للوهبانية ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لاشك يفطر ويلزمه التكفير لو ظن نافعا كذا دافع شهوات بطن فقرروا انتهى قلت ولو فرض أنه لا يكون نافعا ولا دافعا للشهوة فيجب الكفارة بالاصرار على شربه لانهم قد صرحوا بأن ما يجب بفعله القضائ فقط في الصوم لو فعله الصائم مرارا واصر عليه يحكم بوجوب الكفارة ففي مجمع الانهر لو اعتاد أكل الطين الذي يغسل به الرأس والحصاة والزجاج وجبت الكفارة انتهى وفي منية المصلى (1) لو ابتلع الحصاة مثلا مرار الكفر زجرا وعليه الفتوى انتهى وفي الدر المختار أعلم أن كل ما انتفى فيه الكفارة محله ما إذا لم يقع مرة بعد أخرى بقصد المعصية فإن فعله وجبت زجرا له وبذلك افتى ايمة الاعصار وعليه الفتوي قنية وهذا احسن انتهى فاذن ثبت أنه تجب الكفارة بشرب الدخان لو ظنه نافعا أو رافعا للشهوة أو اصر عليه واعتاده وذلك ما اردناه خاتمة ولنذكر ههنا نبذا من حكم شرب الدخان أعلم أن شرب دخان التنباك لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الصحابة ولا في زمن من بعدهم وإنما بعد الألف من الهجرة ولذلك ترى كتب السلف ساكتة عن حكمه وقد اختلف الخلف في حله وحرمته فمنهم كالفاضل الشرنبلالي والشيخ إبراهيم اللقاني المتوفي سنة احدى وأربعين بعد الألف في رسالته نصيحة الاخوان باجتناب الدخان وغيرهما من افتى بتحريمه ومنهم من افتى بتحليله وإليه مال العلامة الحموي والحق أنه أن شرب بحيث اسكره أو اضره فحرام والا فلا وجه لتحريمه لا يخلو عن كراهة والاستدلال على تحريمه بقوله تعالى ولا تسرفوا بعيد كل البعد وكذا القول بانهم اجمعوا على تحريمه المعتبر من الاجماع إنما هو اجماع المجتهدين وقد انقضى زمان المجتهدين قبل حدوث هذه البدعة بكثير وما اشتهر من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل دخان حرام فمما لا يصغي إليه ولقد انصف الفقيه علي بن محمد بن عبد الرحمن الاجهوري المالكي المتوفي في سنة 1066 ست وستين بعد الألف في رسالته غاية البيان لحل شرب مالا يغيب العقل من الدخان فلتطالع ورايت في تنقيح الفتاوي الحامدية(1)للعلامة ابن عابدين مانصه مسالة انتهى ايمة اعلام بتحريم شرب الدخان المشهور فهل يجب علينا تقليدهم وافتاء الناس بحرمته ام لا فلنبين ذلك بعدما حققه ايمة اصول الدين قال شارح منهاج الوصول إلى علم الاصول للامام إبي عبد الله بن أبي القاسم بن عمر البيضاوي ويجوز الافتاء للمجتهدين بلا خلاف وكذا المقلد المجتهد واختلف في جواز تقليد الميت المجتهد فذهب الاكثرون إلى أن لم يجزو المختار عند الإمام والقاضي البيضاوي الجواز واستدل عليه الإمام في المحصول بانعقاد الاجماع على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى إذ ليس في زمانه مجتهد انتهى وكلام الإمام صريح في أنه يكن في زمانه مجتهد فكيف زماننا الآن فان شروط الاجتهاد لاتكاد توجد لهؤلاء الايمة الذين افتوا بتحريم التنباك ان كان فتواهم عن اجتهاد حتى يجب علينا تقليدهم فاجتهادهم ليس بثابت فان كان عن تقليد غيرهم فاما عن مجتهد آخر حتى سمعوا من فيه مشافهة فهو أيضا ليس بثابت وأما عن مجتهد ثبت افتاؤه في الكتب فهو أيضا كذلك إذ لم يرو في كتاب ولم ينقلوا عن دفتر في في افتائهم مايدل على حرمته فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب علينا تقليدهم والحق في افتاء التحليل والتحريم في هذا الزمان التمسك بالاصلين الذين ذكرهما البيضاوي في الأصول ووصفهما بانهما نافعان في الشرع الأول أن الاصل في المنافع الاباحة والماخذ الشرع ايات الأولى قوله تعالى خلق لكم مافي الأرض جميعا واللام للنفع فتدل على إن الانتفاع بالمنتفع به ماذون به شرعا وهو المطلوب الثانية قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والزينة تدل على الانتفاع الثالثة قوله تعالى احل لكم الطيبات والمراد بالطيبات المستطابات طبعا وذلك يقتضي حل المنافع باسرها والثاني أن الاصل في المضار التحريم والمنع لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وأيضا ضبط أهل الفقه حرمة التناول أما بالاسكار كالنبح وأما بالاضرار بالبدن كالتراب والترياق أو بالاستقذار كالمخاط والبزاق وهذا كله في ما كان طاهر أو بالجملة أن ثبت في هذا الدخان اضرار صرف عن المنافع فيجوز الافتاء بتحريمه وأن لم يثبت اضراره فالاصل الحل مع أن الافتاء سجله فيه دفع الجرح عن المسلمين فأن أكثرهم مبتلون بتناوله فتحليله ايسر من تحريمه وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئاين الا اختار ايسرهما وأما كونه بدعة فلا ضرر فإنه بدعة في التناول لا في الدين فاثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير نعم اضر ببعض الطبائع فهو عليه حرام أو نفع ببعض وقصد التداوي فهو مرغوب هذا ماسخ في المخاطر اظهارا للصواب من غير تعنت ولا عناد في الجواب كذا اجاب الشيخ محي الدين أحمد بن محي الدين بن حيدر الكروي الجزري رحمه الله تعالى انتهى كلام إبن عابدين فرن ذكر الفقهاء يمنع من دخول المسجد آكل الثوم والبصل لورود النهي عنه وكذا أكل موذو رائحة كريهة وعليه لا يبعد أن يقال بمنع من يعتاد كثرة شرب الدخان لوجود الرائحة الكريهة في فمه والملائكة تتاذى منهما ومن العجائب ما نقل عن بعض العلماء أنه شرب الدخان في المسجد على المنبر والله أعلم بما اراد بهذا الفعل وفي الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية للعلامة عبد الغني النابلسي شرب التتن ليس بحرام كما يزعمه بعضهم بالقياس على أكل الثوم بجامع الخبث وهو بعد تسليم الخبث فيه والقياس تبطل حرمته ببطلان حرمة أكل الثوم وأن كان أكل الثوم يقتضي منع الإنسان من دخول المساجد وكذلك شرب الدخان المنتن عند من لم يعتد استعماله إذا كان بحيث يتضرر برائحته يقتضي المنع من دخول المساجد من غير حرمة وأما حيث اعتاد على شربه غالب المصلين في المساجد بحيث لا يتضررون برائحته فلا ينهي ح انتهى كلام قلت هذا التفصيل إنما يستقيم لو كان علة منع الدخول في المساجد تاذى الناس وأما لو كانت تاذى الملائكة الحاضرين في المسجد كما يستفاد من بعض الأحاديث فلا مجال لهذا التفصيل بل الحق منع شارب الدخان مطلقا زجرا له فافهم ترهيب اغنيا مجاورة هذه الرائحة الكريهة موجبة لحرمان زيارة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم البتة وقد سمعت من اثق بخبره يحكى أن رجلا كان يكثر شرب التنباك فرآى يوما في المنام رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم وحوله اصحابه به فاراد في المنام أن يقرب منه ويتشرف بقربه فمنعه الاصحاب وقالوا هذا شارب الدخان فلما استيقظ الرجل تاب من صنعه ومثل هذه الحكاية على تقدير صدقهما لا يستغرب وقوعها فلتحفظ والله أعلم قال مؤلفه هذا آخر ماتيسر لي في هذا المقام ولله الفضل والانعام نهار يوم الجمعة سابع شهر رمضان من شهور سنة 1284 اربع وثمانين بعد الألف والمأتين من هجرة رسول الثقلين صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ومن الله ارجو حسن الخاتمة الباب الرابع في فوائد متفرقة في الحلة والحرمة فائدة قد ثبت بالادلة الواضحة والبراهين الساطعة أن شرب الدخان لايخلو عن اثم اي اثم فإنه إن كان حراما فهو كبيرة اتفاقا ولو مرة واحدة يفسق به مرتكبه وترد شهادته وإن كان مكروها تحريما فهو أيضا كبيرة عن اثم اي اثم فإنه أن كان حراما فهو كبيرة على المذهب الراجح لكنها دون كبيرة ارتكاب الحرام الواضح وأن كان مكروها تنزيها فهو وأن كان صغيرة كما أنه كذلك على تقدير الكراهة التحريمية عند جماعة لكنه بالاصرار والاعتياد ويكون كبيرة وبالجملة فمداومته والاصرار عليه لايخلو عن ارتكاب كبيرة اعاذنا الله منها ومن امثالها وأما القول بالاباحة المطلقة الخالية عن مطلق الكراهة فقل من ذهب إليها وقوله محكوم عليه بالشذوذ من جملة الأقوال الغير المعتمد عليها فائدة ذكر صاحب النصيحة كثيرا من المنامات الدالة على أنه من المستقبحات وقد تكلم به المولى بعد حصول الاحياء فمن ذلك ماوقع في بلدة بروج سنة أربعين بعد الألف على سبيل الارتجال إذا شرب الدخان فلا تلمني على لومي لا بناء الزمان اريد مهذبا من غير ذنب كريح المسك فاح بلا دخان انتهى الباب الثالث في حكم شرب الدخان في حالة الصيام حسب ماصرح به الاعلام وقد الفت فيه من قبل في السنة الرابعة والثمانين بعد الألف والمأتين من الهجرة رسالة نفيسة سميتها زجر ارباب الريان عن شرب الدخان مرتبة على مقصدين وخاتمة المقصد الأول في وجوب القضاء بشرب الدخان والثاني في وجوب الكفارة به والخاتمة في بيان قدر من حكم شرب الدخان فاحببت أن اجعلهما جزء من هذه الرسالة وادراجها في اثناء هذه العجالة لكونهما كافية بالمراد وافية بالسداد وهي هذه بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي اوضح لنا ما ينفعنا وما يضرنا نهاية الايضاح+ وهذا ما إلى طريق به نجاة الارواح نشهد أنه لا اله الا هو لا شريك له خالق الصور والاشباح والصلاة والسلام على من بذكره تتروح الارواح وبتوسله تفتح ابواب الرحمة من المولى الفتاح وعلى آله وصحبه الذين هم هداه الخلق ارباب الكرم والفلاح أما بعد فيقول المعتصم بالحبل القوي + أبو الحسنات محمد المدعو بعبد الحي اللكنوي تجاوز الله عن ذنبه الجلي والخفي إبن من هو علامة الدهر فهامة العصر فخر ارباب التحقيق مرجع أصحاب التدقيق شيخي واستاذي مولانا الحاج الحافظ المولوي محمد عبد الحليم ابد (1) الله فيضه العميم أن هذه رسالة عجيبة لم يسبقني إلى مثلها احد سميتها زجر ارباب الريان عن شرب الدخان كان الباعث على تأليفها اني سمعت من الناس ان بعض ابناء الزمان يجوز شرب الدخان به المروج في هذا الزمان سمالة الصوم في شهر رمضان ويقول الا يفطر الصوم شرب الدخان + لتصريح الفقهاء بعفو دخول الدخان + فقلت ما اغفله أو لم يفرق بين الدخول والادخال ما اجهله او لم يسمع ما قاله علماء المقال فاردت ان اكشف الغطا عن هذا المقصد الاقصى رجاء ان يخلصني الله تعالى من عذاب الدخان + وينجيني من النيران + ورتبته على مقصدين وخاتمة واعيا لحسن الخاتمة المقصد الأول في وجب القضاء بشرب الدخان أعلم أن مفسد الصوم هو ادخال شيء من الخارج عمدا (1) سواء كان ذلك الشيء مما يمكن الاحتراز عنه اولا وأما الدخول فلا يفسد منه الا دخول ما يمكن الاحتراز عنه فان دخل مالا يمكن الاحتراز عنه لا يفسد به صومه اصلا وعليه يتفرع مسائل منهما أنه إذا قاء الصائم لا يفسد صومه فان عاد إلى جوفه فهو على وجهين أن كان ملء الفم واعاده فسد في قولهم جميعا لأن ملء الفم بمنزلة الخارج فاعادته بمنزلة الأكل ابتدأ وأن عاد بنفسه فسد في قول أبي يوسف لأنه عاد في جوفه ماله حكم الخارج ولا يفسد صومه في قول محمد رح وهو الصحيح لأنه كما لم يمكن الاحتراز عن خروجه كذلك لا يمكن الاحتراز عن عوده ودخوله فجعل عفوا كذا ذكره قاضيخان (2)في فتاواه ومنها أنه لو دخل ومعه أو عرقه أو دمه في فمه فسد صومه لأنه يمكن الاحتراز عنه ذكره في الخانية وفصله في (3) البزازية حيث قال دخل عرق الصائم فمه أو دمعه أن كان قليلا كالقطرة والقطرتين لاتفسد وأن كثر حتى وجد طعمه في حلقه أو اجتمع شيء كثير في حلقه فابتلعه فسد لامكان التحرز انتهى وفي الفتاوي (1) الظهيرية إذا نزل الدموع من عينيه إلى فمه فابتلعهما يجب القضاء بلا كفارة وفي متفرقات الفقيه (2) أبي جعفر أن تلذذ بابتلاع الدم يجب القضاء مع الكفارة ومنها أنه لو دخل في فمه ذباب أو غبار أو دخان أو طعم الادوية لا يفسد ذكره في مجمع البحرين (3) وعلله ابن(4) ملك بعدم امكان الاحتراز عنه وفي البحر الرائق غبار الطاحونة كالدخان ومنها أنه لو اكتحل فوجد اثر الكحل في فمه وحلقه فسد صومه عند مالك وعندنا لا يفسد وكذا إذا وجد أثر الكحل في بزاقه لا يفسد صومه عند عامة المشايخ ذكره في التاترخانية (5) وفي النهاية (1) لو اكتحل لم يفطر وأن وجد طعمه في حلقه وكان إبن أبي ليلى يقول إذا وجد طعمه في حلقه فطره لوصول الكحل إلى باطنه ولنا أن ما وجده من طعم الكحل أثر الكحل لا عينه كمن دق شيئا من الادوية طعمهفي حلقه فهو قياس الغبار والدخان ولئن وصل الكحل عينه فهو من المسام لامن المسالك إذ ليس بين العين إلى الحلق منفذ فهو تطير الصائم يغتسل في الماء البارد فيجد برودة الماء في كبده وذلك لا يضره كذا في المبسوط انتهى ملخصا ومنها مارايته في شرح الهداية للعيني عن السليمانية أن من تبخر بالدواء فوجد طعمه في حلقه يقضي الصوم لوجود فعله وادخاله الدخان ومنها أنه لو دخل في فمه المطر والثلج اختلفوا فيه فقيل المطر يفسد والثلج لا وقيل بالعكس والاصح أنه دخل في فمه مطر أو ثلج افطر ذكره في ملتقى (2) الابحر وقال في غاية البيان هو قول العامة وصححه في البزازية وفي مجمع الانهر هو الصحيح لحصول المفطر معنى ولا مكان الاحتراز عنه إذا آواه سقف أو خيمة كما في(3) العناية انتهى وفي البحر الرائق لو وصل إلى حلقه دموع أو دم رعافه أو مطر أو ثلج فسد صومه ليستر طبق الفم وفتحه احيانا مع الاحتراز عن الدخول ثم قال والتعليل بما ذكرنا اولى مما ذكر في (4) الهداية والتبيين (1) التعليل بامكان أن يأويه خيمة أو سقف فأنه يفضي إلى أن المسافر الذي لا يأويه سقف ولا خيمة ليس حكمه كغيره وليس كذلك ومنها أنه لو وجد في حلقه ريح العطر لايفسد لعدم امكان الاحتراز وهو مثل الدخان وطعم الادوية ذكره في التاترخانية ومنها أنه لو خاض في النهر فدخل الماء في اذنه لا يفسد لأنه لايمكن الاحتراز عنه ولو ادخله ففيه خلاف فنقل الزاهدي(2) في المجتبى عن الصدر الشهيد عدم الفساد واختاره في الدر المختار وجزم به في (3) تنوير الابصار وصححه في المحيط وفي الولوالجية (4) أنه المختار واحتاره في الهداية لانعدام صلاح البدن والوصول إلى الجوف من المنفذ المعهود بخلاف الدهن حيث يفسد بادخاله في اذنه اتفاقا لوجود صلاح الالبدن والحق أنه يفسد بادخال الماء دون الدخول صححه قاضيخان ومثله في البزازية واستظهره في البرهان وقال ابن (5) الهمام الحق الاصح في الماء التفصيل الذي ذكره قاضيخان ومنها أنه لو تمضمض فوصل الماء في حلقه وهو ذاكر للصوم افطر لأن التقصير جاء من قبله إذا علمت هذا كله عرفت أن الفقهاء قد فرقوا في مواضع عديدة بين الدخول والادخال فحكموا بالفساد عند الادخال دون الدخول وبه يثبت المرام لأنهم قد عللوا عدم فساد الصوم بدخول الدخان بعدم امكان الاحتراز عنه فإذا شرب الدخان فقد ادخله عمدا ذاكرا للصوم فيفسد لا محالة ويجب القضاء حتما وقد نبه عليه بعض الفقهاء أيضا فقال الشربنلالي(1) في شرحه مراقي الفلاح عند نور الايضاح أو دخل في حلقه دخان بلا صنعه وفي ماذكرنا اشارة إلى أن من ادخله بصنعه في حلقه باي صورة كان فسد صومه سواء كان دخان عنبر او * غيرهما حتى إن من تبخر ببخار فآواه إلى نفسه وشم دخانه ذاكرا للصوم أفطر لامكان التحرز عن ادخال المفطر جوفه ودماغه وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس فليتنبه ولا يتوهم أنه كشم الورد ومائه والمسك لوضوح الفرق بين هواء التطييب بريح المسك وشبهه وبين جوهر دخان وصل إلى جوفه بفعله وسنذكر الكفارة بشربه انتهى وقال شيخ زاده (2) في مجمع الانهر شرح ملتقى الابحر عند قول الماتن وأن دخل حلقه غيا أو ذباب أو دخان لا يفطر والقياس أن يفطر لوصول المفطر إلى جوفه وأن كان لا يتغذى به وجه الاستحسان أنه لايقدر على الامتناع عنها فإذا اطبق الفم لا يستطاع الاحتراز عن الوصول إلى الانف فصار كبلل يبقى في فيه بعد المضمضة وعلى هذا لو ادخل حلقه فسد صومه حتى أن من تبخر ببخور فاشتم دخانه حلقه ذاكرا لصومه افطر لأنهم فرقوا بين الدخول والادخال لأن الادخال عمله والتحرز عنه ممكن ويؤيده قول صاحب النهاية إذا دخل الذباب جوفه لايفسد صومه لأنه لم يوجد ماهو ضد الصوم وهو ادخال الشيء من الخارج إلى الباطل وهذا مما يغفل عنه كثير من الناس فلينبه له انتهى وقال الحصكفي (1)في الدر المختار مفاده أنه لو ادخل حلقه الدخان افطر اي دخان كان ولوعود * لو ذاكر الامكان الاحتراز عنه فلينبه له كما بسطه الشرنبلالي انتهى وفي رد المحتار به يعلم حكم شرب الدخان انتهى فقد بان لك دراية ورواية فساد الصوم بشرب دخان التنباك المعروف في هذا الزمان ولم يبق للمنكر مع ذلك الا الضلال والطغيان المقصد الثاني في وجوب الكفارة بشرب الدخان في حالة الصوم أعلم أن الكفارة تجب بالتغذي واختلفوا في معناه فقيل هو أن يميل الطبع إليه وتنقضي شهوة البطن به وقيل هو ما يعود نفعه إلى اصلاح البدن وفائدته تظهر في ما إذا مضغ لقمته ثم أخرجها ثم ابتلعها فعلى القول الثاني تجب الكفارة وعلى الأول لا تجب وهو الاصح وعلى هذا الورق الحبشي والحشيش والقطاط فعلى القول الثاني لاتجب الكفارة لأنه لانفع فيه للبدن وربما يضره وينقص عقله وعلى القول الأول تجب لأن النفس تميل إليه وتنقضي شهوة البطن منه كذا في الجوهر (2) النير شرح القدوري وفي التاتاخانية الصائم إذا أكل ما يتداوى به أو ما يوكل عادة أما مقصودا بنفسه أو تبعا بغيره يلزمه الكفارة باكله ومالا يتداوى به ولا يوكل عادة لا مقصودا ولا تبعا لغيره لا يلزمه الكفارة باكله وما يصلح للدواء والغذاء يجب باكله الكفارة قصد الدواء والغذاء ولم يقصد انتهى إذا علمت هذا فنقوا أن دخان التنباك المروج في زماننا بعضهم يشربونه نفعا وبعضهم يشربونه قضاء لشهوة النفس ويميل طبعهم إليه فيجب الكفارة بشربه وقد نبه عليه الشرنبلالي فقال في مراقي الفلاح بعد ذكر مانقلته عن الجوهرة قلت وعلى هذا البدعة التي ظهرت الآن وهو شرب الدخان في لزوم الكفارة نسأل الله العفو والعافية انتهى وقال هو ناظما في شرحه الموهبانية ويمنع من بيع الدخان وشربه وشاربه في الصوم لاشك يفطر ويلزمه التكفير لو ظن نافعا كذا رافع شهوات بطن فقرروا انتهى قلت ولو فرض أنه لايكون نافعا ولا دافعا للشهوة فيجب لكفارة بالاصرار على شربه لأنهم قد صرحوا بأن مايجب بفعله القضاء فقط في الصوم لو فعله الصائم مرارا اصر عليه يحكم بوجوب الكفارة ففي مجمع الانهر لو اعتاد أكل الطين الذي يغسل الرأس والحصاة والزجاج وجبت الكفارة انتهى وفي منية المصلي (1) لو ابتلع الحصاة مثلا مرار الكفر زجرا وعليه الفتوى انتهى وفي الدر المختار أعلم أن كل ما انتفى فيه الكفارة محله ما إذا لم يقع مرة بعد أخرى بقصد المعصية فإن فعله وجبت زجرا له وبذلك انتهى ايمة الاعصار وعليه الفتوي قنية وهذا احسن انتهى فاذن ثبت أنه تجب الكفارة بشرب الدخان لو ظنه نافعا أو دافعا للشهوة أو اصر عليه واعتاده وذلك ما اردناه خاتمة ولنذكر ههنا نبذا من حكم شرب الدخان أعلم أن شرب دخان التنباك لم يكن في زمن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا في زمن الصحابة ولا في زمن من بعدهم وإنما حدث بعد الألف من الهجرة ولذلك ترى كتب السلف ساكته عن حكمه وقد اختلف الخلف في حله وحرمة فمنهم كالفاضل الفرنبلالي والشيخ إبراهيم اللقاني المتوفي سنة 1041 احدى وأربعين بعد الألف في رسالته نصيحة الاخوان باجتناب الدخان وغيرهما من افتى بتحريمة ومنهم من افتى بتحليله وإليه مال العلامة الحموي والحق أنه شرب بحيث اسكره أو اضره فحرام والا فلا وجه لتحريمه نعم لايخلو عن كراهة والاستدلال على تحريمه بقوله تعالى ولا تسرفوا بعيد كل البعد وكذا القول بانهم اجمعوا على تحريمه لأن المعتبر من الاجماع إنما هو الاجماع المجتهدين وقد انقضني زمان المجتهدين قبل حدوث هذه البدعة بكثير وما اشتهر من أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال كل دخان حرام فبما لا يصغي إليه ولقد انصف الفقيه علي بن محمد بن عبد الرحمن الاجهوري المالكي المتوفي سنة 1066 ست وستين بعد الألف في رسالته غاية البيان لحل شرب مالا يغيب العقل من الدخان فلتطالع ورايت في تنقيح الفتاوي الحامدية (1) المعلامة إبن عابدين نانصه مسألة افتى ايمة اعلام بتحريم شرب الدخان المشهور فهل يجب علينا تقليدهم وافتاء الناس بحرمة ام لا فلنبين بعدما حققه ايمة اصول الدين قال شارح منهاج الوصول إلى علم الاصول للامام أبي عبد الله بن أبي القاسم بن عمر البيضاوي ويجوز الافتاء للمجتهدين بلا خلاف وكذا المقلد المجتهد واختلف في جواز تقليد الميت المجتهد فذهب الاكثرون إلى أنه لم يجزو المختار عند الإمام والقاضي البيضاوي الجواز واستدل عليه الإمام في المحصول بانعقاد الاجماع على جواز العمل بهذا النوع من الفتوى إذ ليس في زمانه مجتهد انتهى وكلام الإمام صريح في أنه لم يكن في زمانه مجتهد فكيف زماننا الآن فان شروط الاجتهاد لاتكاد توجد لهؤلاء الايمة الذين افتوا بتحريم التنباك أن كان فتواهم عن اجتهاد حتى يجب علينا تقليدهم فاجتهادهم ليس بثابت فان كان عن تقليد غيرهم فاما عن مجتهد عن مجتهد آخر حتى سمعوا من فيه مشافهة فهو أيضا ليس بثابت وأما عن مجتهد ثبت افتاؤه في الكتب فهو أيضا كذلك إذ لم يرو في كتاب ولم ينقلوا عن دفتر في افتائهم مايدل على حرمته فكيف ساغ لهم الفتوى وكيف يجب علينا تقليدهم والحق في افتاء التحليل والتحريم في هذا الزمان التمسك بالاصلين الذين ذكرهما البيضاوي في الاصول ووصفهما نافعان في الشرع الأول أن الاصل في المنافع الاباحة والماخذ الشرع ايات الأولى قوله تعالى خلق لكم مافي الأرض جميعا واللام للنفع فتدل على إن الانتفاع بالمنتفع به ماذون به شرعا وهو المطلوب الثانية قوله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والزينة تدل على الانتفاع الثالثة قوله تعالى احل لكم الطيبات والمراد بالطيبات المستطابات طبعا وذلك يقتضي حل المنافع باسرها والثاني أن الاصل في المضار التحريم والمنع لقوله عليه الصلاة والسلام لا ضرر ولا ضرار في الإسلام وأيضا ضبط أهل الفقه حرمة التناول أما بالاسكار كالنبح وأما بالأضرار بالبدن كالتراب والترياق أو بالاستقذار كالمخاط والبزاق وهذا كله في ما كان طاهر أو بالجملة أن ثبت في هذا الدخان اضرار صرف عن المنافع فيجوز الافتاء بتحريمه وأن لم يثبت اضراره فالاصل الحل مع أن الافتاء سجله فيه دفع الجرح عن المسلمين فأن أكثرهم مبتلون بتناوله فتحليله ايسر من تحريمه وما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئاين الا اختار ايسرهما وأما كونه بدعة فلا ضرر فإنه بدعة في التناول لا في الدين فاثبات حرمته أمر عسير لا يكاد يوجد له نصير نعم اضر ببعض الطبائع فهو عليه حرام أو نفع ببعض وقصد التداوي فهو مرغوب هذا ماسخ في المخاطر اظهارا للصواب من غير تعنت ولا عناد في الجواب كذا اجاب الشيخ محي الدين أحمد بن محي الدين بن حيدر الكروي الجزري رحمه الله تعالى انتهى كلام إبن عابدين فرن ذكر الفقهاء يمنع من دخول المسجد آكل الثوم والبصل لورود النهي عنه وكذا أكل موذو رائحة كريهة وعليه لا يبعد أن يقال بمنع من يعتاد كثرة شرب الدخان لوجود الرائحة الكريهة في فمه والملائكة تتاذى منهما ومن العجائب ما نقل عن بعض العلماء أنه شرب الدخان في المسجد على المنبر والله أعلم بما اراد بهذا الفعل وفي الحديقة الندية شرح الطريقة المحمدية للعلامة عبد الغني النابلسي شرب التتن ليس بحرام كما يزعمه بعضهم بالقياس على أكل الثوم بجامع الخبث وهو بعد تسليم الخبث فيه والقياس تبطل حرمته ببطلان حرمة أكل الثوم وأن كان أكل الثوم يقتضي منع الإنسان من دخول المساجد وكذلك شرب الدخان المنتن عند من لم يعتد استعماله إذا كان بحيث يتضرر برائحته يقتضي المنع من دخول المساجد من غير حرمة وأما حيث اعتاد على شربه غالب المصلين في المساجد بحيث لا يتضررون برائحته فلا ينهي ح انتهى كلام قلت هذا التفصيل إنما يستقيم لو كان علة منع الدخول في المساجد تاذى الناس وأما لو كانت تاذى الملائكة الحاضرين في المسجد كما يستفاد من بعض الأحاديث فلا مجال لهذا التفصيل بل الحق منع شارب الدخان مطلقا زجرا له فافهم ترهيب اغنيا مجاورة هذه الرائحة الكريهة موجبة لحرمان زيارة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم البتة وقد سمعت من اثق بخبره يحكى أن رجلا كان يكثر شرب التنباك فرآى يوما في المنام رسول الله صلى الله عليه وعلى وآله وسلم وحوله اصحابه به فاراد في المنام أن يقرب منه ويتشرف بقربه فمنعه الاصحاب وقالوا هذا شارب الدخان فلما استيقظ الرجل تاب من صنعه ومثل هذه الحكاية على تقدير صدقهما لا يستغرب وقوعها فلتحفظ والله أعلم قال مؤلفه هذا آخر ماتيسر لي في هذا المقام ولله الفضل والانعام نهار يوم الجمعة سابع شهر رمضان من شهور سنة 1284 اربع وثمانين بعد الألف والمأتين من هجرة رسول الثقلين صلى الله عليه وعلى وآله وسلم ومن الله ارجو حسن الخاتمة الباب الرابع في فوائد متفرقة في الحلة والحرمة فائدة قد ثبت بالادلة الواضحة والبراهين الساطعة أن شرب الدخان لايخلو عن اثم اي اثم فإنه إن كان حراما فهو كبيرة اتفاقا ولو مرة واحدة يفسق به مرتكبه وترد شهادته وإن كان مكروها تحريما فهو أيضا كبيرة عن اثم اي اثم فإنه أن كان حراما فهو كبيرة على المذهب الراجح لكنها دون كبيرة أرتكاب الحرام الواضح وأن كان مكروها تنزيها فهو وأن كان صغيرةة كما أنه كذلك على تقدير الكراهة التحريمية عند جماعة لكنه بالاصرار والاعتياد ويكون كبيرة وبالجملة فمداومته والاصرار عليه لايخلو عن ارتكاب كبيرة اعاذنا الله منها ومن امثالها وأما القول بالاباحة المطلقة الخالية عن مطلق الكراهة فقل من ذهب إليها وقوله محكوم عليه بالشذوذ من جملة الأقوال الغير المعتمد عليها فائدة ذكر صاحب النصيحة كثيرا من المنامات الدالة على أنه من المستقبحات وقد تكلم به المولى بعد حصول الاحياء فمن ذلك ماوقع في بلدة بروج سنة أربعين بعد الألف الخلقي كالمخاط والشعور الثابتة فيه مثلا ولذا سن الاستنشاق والاستنشار فلو ادخل شيئا خارجا في الألف ونحوه مما لا نظافة فيه * شرعي كالتنباك ونحوه فهو مضاد لغرض لشريعة والغالب على ظن هذا العبد الضعيف أن هذا الفعل اشد من شرب الدخان إذ الريح اخف من العين وأما قول بعض أهل العلم من تته وغيرها بان هذا ترك الأولى فلا ادري له وجها مع أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم كل بدعة ضلالة ومن احدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد وغيرهما يشمل هذا الفعل الشنيع ولو قيل أن عين التتن طاهر قلنا أن التبن والرب(1) المعروفة في بلادنا طاهر أن لكن الأنف ليس سبيلالهما ونحوهما بحسب ماخلقه الله نعم من له مرض سابق لم ينشأ من هذا الفعل القبيح فله أن يتداوى بقول طبيب حاذق أو لغلبة الظن ونحوهما لكن يخفيه عن الناس ويستحي عنهم كامل الحائض في رمضان انتهى ملخصا قال صاحب التبيان بعد نقله مؤيدا له أقول كما أن غرض الشريعة المطهرة تنظيف الانف ولو عن الطاهر الخلقي الاصلي ولدا سن الاستنشاق والاستنشار كذلك غرضها تنظيف الجسد والفم والانف عن الرائحة الكريهة ولذا سن الغسل في بعض الامكنة وندب في بعضها وسن السواك ويندب لاصفرار سن وتغير رائحة فمن ادخل شيئا خارجا في الفم أو الانف مما لانظافة فيه بلا غرض شرعي كالدخان ونحوه فهو مضاد للشريعة انتهى وقد مر في الباب الأول عن عبد الخالق الزبيدي أنه افتى بكراهة الاستعاط بالتنباك تنزيها ولا يخفى على من له ممارسته في الفروع والاصول بل على من له ادنى مسكة في المعقول والمنقول أن كل ذلك غير معقول فإن الكراهة تحريما كان أو تنزيها حكم شرعي من الأحكام الخمسة لا يثبت الا بدليل صريح أو ماخوذ من الادلة الأربعة وهو ههنا غير موجود بل في حكم المفقود ولنعم ماقيل من جهل شيئا عاداه ومن كره شيئا جافاه أو ما علموا أن عين التتن طاهر بالاتفاق ولا رائحة له في نفسه كريهة تكون موجبة لحرمة استعماله على الاطلاق أو ما فهموا أن الكراهة في شرب دخان التتن إنما جاءت من حصول التشبه بالاشرار واستعمال مايغرب به أهل النار وهو ليس بموجود في الاستعاط على الوفاق مع أن التتن في نفسه ليس بمضر مطلقات ولا خبيث شرعا ولا هو مكروه طبعا وليس في مطلق استعماله ولو بالاستعاط بليته أو فساد عقل أو صد عن ذكر الله أو مصادقة نقل أو تشبه بالشيطان واعوانه أو استعمال ما يعذب به اخوانه إلى غير ذلك من الوجوه التي ذكروها في حرمة شرب دخانه أو كراهته فإن كلها ههنا منتفية قطعا فمن اين يكون مكروها تنزيها أو تحريما وأما كلام عبد الرحيم السندي المتضمن للدليل اللممي والانى ففيه خدشات واضحات نذكرها قولا بقول قوله أما الأول فلما في الدر المختار الخ فيه أنه لم يذكر في الدر المختار كراهة استعمال التتن مطلقا بل استعمال دخانه شرها كما مر نقله في مأمر قوله وأما الثاني فلقوله تعالى الخ الاستدلال بهذه الاية على تحريم شرب الدخان وسعوط التنباك عجيب لا يخفي فساده على لبيب فإن الخبيث يستعمل لمعان متعددة هي في الكتب اللغة مفصلة وقد ذكرنا سابقا قدرا منها وكل ذلك لايوجب الحرمة بل بعضها كيف وكم من اشياء تستكرهه جماعة وتستحسنه جماعة بل كثير من الاشياء قد اختلف في خبثها وطيبها العقول السليمة فهل يصح الاستدلال بهذه الاية على تحريمها كلا والله هذا لا تجوزه العقول المستقيمة ثم يلزم على ما ذكره حرمة الثوم والبصل وغيرهما من الاغذية والادوية التي لها رائحة غير طيبة يستقبحها طبائع سليمة وهو خلاف الاجماع بلا نزاع والذي ينبغي أن يعول عليه هو أن المراد بالخبائث في هذه الاية المضار كما أن المراد بالطيبات في قوله تعالى يحل لهم الطيبات المنافع كما اشار إليه الإمام فخر الدين(1)الرازي في تفسيره وغيره ممن يعتمد عليه فتكون هاتان الايتان والتين على إن الأصل في المنافع الحلة الا بدليل منفصل وأن الأصل في المضار الحرمة الا بدليل منفصل فيرجع الكلام إلى كون التتن مضرا أو نافعا ومن المعلوم أنه ليس مضرا محضا حتى يحرم استعماله مطلقا بل في بعض أنواع استعماله كالاستعاط به واكله ودلكه على اسنانه منافع كثيرة شهدت به ارباب تجارب صحيحة فاذن لا مخلص الا بان يقال من اضره حرم عليه ومن نفعه حل له قوله وفي الهداية وشروحها الخ هذا المعنى الذي اورده لم يفهم المقصود منه فإنه ظن أن الاستكراه فيه اعم من أن يكون نتن رائحة أو لمضرة أو لغير ذلك من وجوه نفرة وليس كذلك فإن الخبث الذي هو علة التحريم ليس عبارة عن الاستكراه على التعميم بل هو الاستكراه على التعميم بل هو الاستكراه لكونه مضرا للطبيعة وموذيا للقريحة قوله لايحيه الارجل فسد طبعه الخ كذلك الثوم والبصل ونحوهما لايحبها الا لمن فسد طبعه وغلب أكله فيلزم أن يكون خبيثا فيلزم أن يكون حراما واللازم باطل باجماع من يعتد به بالاجماع قوله ولا شك أن الإنسان مفطور على الاحتياج الخ لا شبهة في إن الإنسان مفطور على الاحتياج إلى ماينفع وميلان طبعه إلى مايصلح والاستغناء عن أمور تفسد عقله أو تضره والتتن في استعماله اصناف منفعة فلا يكون استعماله تغيير فطرة بل في عدم استعماله يكون تغيير فطرة قوله ولان هذا الفعل مخالف لغرض الشريعة البيضاء الخ ليس هذا الفعل مخالفا للشريعة إذ لم يرو منع من الاستعاط باشياء طاهرة نافعة في الشريعة نعم عدم غسل الانف وترك استشار مانزل إليه يكون مخالفا لغرض الشريعة وهو أمر آخر وليس الكلام في جوازه بل في أمر آخر قوله مما لا نظافة فيه الخ ماذا اراد من النظافة أن اراد الطهارة فليس بصحيح لأن التتن طاهر باتفاق العلماء وأن اراد حسن رائحته وركون الطبع إلى استعماله فليس بنجيح المزوم حرمة استعمال ماله رائحة كريهة وهو باطل عند اجلة الفضلاء قوله فهو مضاء للشريعة الخ يلزم عليه أن لايجوز شرب الادوية البشعة وأكل الاغذية الكريهة لما ورد في الشرع من تطهير الفم عن الاشياء الخبيثة فإن جوز استعمالها لنفعها جاز استعمال التنباك أيضا باصنافه لنفعها قوله والغالب على ظن الخ هذا الظن سوء ولعمري كيف يكون اشد من شرب الدخان فان فيه تشبها بالكفار واستعمال مايعذب به الاشرار واعتياده مورث الرائحة الكريهة ولا كذلك في الاستعاط وأكله فإنه ليس فيه مفسدة من المفاسد المذكورة فليس هو مثله أيضا فضلا عن أن يكون اشد بل هو دونه قوله فلا ادري له وجها عدم درايته لا يستلزم عدم صوابه والظاهر أن ذلك المجيب لما رآى أن عين التتن ليس فيه نجاسة ولا كراهة ولا في الاستعاط به مشابهة وبلية اجاب بالجواز لكن احب الاحتراز لما ينشأ من اعتياده وكثرة استعاطه تلويث الانف بقطرات النولة ولا يلتفت * إلى تنظيفه وله في الجملة وهذا احسن الوجوه عند التال الصادق لا يروه الا من تعرى عن الفكر الفائق قوله يشمل هذا الفعل الشنيع جدا لما عرفت سابقا أن عموم الحديث بالنسبة إلى البدع الشرعية والبدع العادية خارجة عنه قطعا فمن حكم بابتداع شيء لمجرد وحدوثه من دون نظر إلى كونه عادة أو عبادة ومن دون تامل في أن له اصلا في الشرع أو هو قابل للطرح فهو بعيد بمراحل عن فهم الحديث ووروده قوله لكن يخفيه الخ لاحاجة إلى الاخفاء لكون استعماله مباحا بلا امتراء وقول صاحب التبيان كذلك غرضها تنظيف الجسد والفم والانف عن الرائحة الكريهة الخ جوابه أنه لا يثبت منه الا لزوم تنظيف الانف لمستعطه لئلا يبقى ريح كريه في انفه لا أن يمنع من استعماله مما له بكله وبالجملة فلا دليل يدل على حرمة الاستعاط بالتتن أو كراهة تحريما أو تنزيها فهو باق على اباحته الاصلية قطعا مسألة بل يجوز أكل التنباك اختلفوا فيه فمن كره الاستعاط به تحريما كره أكله كذلك أيضا ومن جعله تنزيها جعله تنزيها والحق أنه لا وجه لهذا ولا لذلك فلا يبقى الا الاباحة في ماهنالك كيف وفي اكله خصوصا مع الورق الماكول في ديارنا منافع كثيرة يعلمها مستعملوها بلبس سليمة نعم من يكثر أكله ولا يغسل فمه ولا يستاك اسنانه يوجد في فمه رائحة كريهة وهي من عوارض لاحقة فيلزم دفعها والاهتمام برفعها الا أن يكره الاكل بها فائدة ومن ههنا يعلم جواز أكل ورق التنبول المتعارف في بلاد الهند مع قدر من النورة والتتن وغيرهما لاباحة أكل التتن بلا كراهة واباحة استعمال النورة أيضا إذا كانت قليلة كما قال في نصاب الاحتساب في الباب العاشر أكل الطين مكروه وذكر الحلوائي أن كان يضر يكره وأن كان قينا وله قليلا أو يفعله احيانا فلا بأس به قال العبد اصلحه الله ويقاس على هذا أنه يباح أكل النورة مع الورق الماكول في ديار الهند لأنه قليل نافع فان الغرض المطلوب من الورق المذكور لا يحصل بدونها انتهى ومثله في خزانة الروايات نقلا عن النصاب واقليم الإسلام مسألة قال صاحب البرهان في تحريم الدخان ثم أعلم أن زرع التنباك ينبغي أن يكون مكروها كبيع الخمر من شاربه والأمر ومن فاجر * من أهل البغي والفساد انتهى وفيه مبالغة واضحة لا تخفي على من نظر الوجوه السابقة مسألة قال شيخ الإسلام (1) الشهير ببيري زاده في رسالته رفع الالتباك في حكم تعاطي شجرة التنباك المولفة سنة ستة وستين بعد الألف وهل ينكر على من يتعاطىها ام لا نعم لمنكريتها بما سبق وزجرا للعوام لكن قال علماؤنا إنما يجب الأمر بالمعروف إذا كان مقطوعا به مختلفا فيه والأمر في محل الاختلاف لايجوز فعلى هذا لايجوز الانكار الا إذا اتفق على المنع ولم يقع في اعلمنا وأما بيعها وشراؤها فيجوز لامكان الانتفاع بها في غير الشرب بدليل تقييد الأصحاب عدم الجواز في مثلها بما لا ينتفع به وكون استعمالها محظور الا يوجب عدم جواز بيعها وأن قيل بعدم جواز بيع نظيرها لكونه محظور * الا لللهو وهو محظور وأما زراعتها فلم تظفر في كلام الأصحاب انتهى مسألة ماء التنباك الذي يقال له ماء القدرة وهو ما يجعل في آلة شرب دخانه المعروفة في ديارنا بحقه قيل نجس لا وجه له فإن الحاقه بالماء المنتن بطول المكث المتفق على طهارته اولى من الكل لبقاء اسم الماء فيهما وقد صرح علماؤنا بإن المشقة * التيسير وجعلها في الاشباه قاعدة وذكر لها فروعا مما تعم به البلوي وحكم في بعضها بالطهارة وفي بعضها بالعفو لعموم البلوي فينبغي أن يكون ماء التنباك على تقدير تسليم استحالته ونجاسته أما طاهر أو معفوا عنه لعموم البلوى وذكر في المبتغى وغيره الارواث كلها نجسة الا رواية عن محمد انها طاهرة وفيها توسعة لارباب الدواب فقل ما يسلمون عن التلطخ بالارواث والاخثاء وقاس المشايخ على قوله محمد طين بخارى مع أن التراب مخلوط بالغدرات رفعا للبلوى وعموم البلوى في ماء التنباك اتم منه في الروث وغيره ومشقة الاحتراز عنه اعظم من مشقة الاحتراز في غيره كذا قال بعضهم ورده بعضهم بان الحاقة بالماء المنتن فاسد لأنه إذا تكرر استعماله زال عنه طبع الماء واطلاق اسمه وبإن كون الماء المنتن بالمكث متفقا على طهارته خطأ لنقل بعض الشراح بقوله قيل أنه ليس بطاهر وظاهر حديث خلق الماء طهور الا ينجسه شيء الا اغير لونه أو طعمه أو ريحه يقتضي تنجسه بالتغير قاله شارح مختصر القدوري وعزاه بعضهم إلى داؤد الظاهري وبان جعله مما تعم به البلوى منار على عدم علم قائله بتعريف عموم البلوى فليعلم أن الأمر الذي به البلوى هو ما يحتاج إليه الخاص والعام ذكره شمس الايمة وذكر في الكشف أنه ماتمس به الحاجة في الاحوال الاكثرية وذكر بعضهم أنه مالا يمكن الاحتراز عنه وبعبارة اخرى ماعسر الاجتناب عنه إذا عرفت هذا فلا وجه لجعل تعاطي تلك الشجرة المنتنة فوق الفرش الغالية مع امكان الاحتراز عنها وعدم لحوق الحرج في تركها مما تعم به البلوى ولو فرض صحة ذلك للزم اباحة فعل المنكرات التي عمت به البلوى كالغيبة وأكل الربا واستماع الملاهي وغير ذلك من الأمور المنهية وبان ظن أن المشقة في الاحتراز عن الماء المذكور اتم من مشقة الاحتراز عن الروث وغيره مردود على قائله لا، تكليف ارباب الدواب وغيرهم بالاحتراز عن الارواث مشقة عظيمة وفي الاحتراز عن ماء التنباك هي منتقية لأن تعاطيه أمر اختياري لا ضروري كذا في رفع الالتباك في حكم تعاطي شجرة التنباك والتبيان في الزجر عن شرب الدخان ولا يذهب عليك أن الرويحميع شعبه مردود والقول المردود غير مردود وأما قوله الحاقه بالماء المنتن فاسد ففاسد إذ لاشبهة أن باستعماله مرات عدة لا يخرج عن الطبيعة الماية وإنما يخرج عنها إذا استعمل بمرات كثيرة وهذا غير خاص بما نحن فيه بل حكم كل منتن كذلك لاريب فيه وقوله خطأ ليس بقادح لأن عدم طهارة الماء المنتن أمر مهجور لم يعتد به الجمهور لا ولم يوافقه لا دليل عقلي ولا نقلي ومثل هذا القول في الاجماع غير قادح وقد جرت عادة الفقهاء على الاطلاق الاجماع على قول الاكثر الاظهر من دون اعتبار الشاذ الندر بلا نزاع وقوله يقتضي تنجسه بالتغير الخ جوابه أن الظاهر متروك باتفاقي من يعتد به من دون عبرة وقد صرح شراح الهداية أن معنى الا ما غير الا شيء نجس غير طعمه أو لونه أو ريحه وأما رو العيني عليهم بأنه تخصيص من غير مخصص فمردود عليه لوجود المخصص وذلك أن من البين أن وصف الشيء لايزول الابورود ضده لاسيما الوصف الاصلي ووصف الطهورية للماء اصلي فلا يزول الابورود مايضاده فلا بد أن يقيد المغير بالنجس ليصح نجاسته وقوله وإذا عرفت هذا فلا وجه الخ له وجه صحيح فإن مجرد امكان الاحتراز عنه ليس منكر لكنه لما شاع استعماله فيهم وعم ابتلاؤهم عسر الاحتراز عنه واشكل الاجتناب منه فادخاله في ما تعم به البلوى راي نجيح وقوله للزم اباحة الخ جوابه أن عموم البلوى إنما يؤثر في باب الطهارة والنجاسة لا في باب الحرمة والاباحة صرح به الجماعة وقوله لأن تعاطيه أمر اختياري جوابه أنه وأن كان اختياريا لكن بشيوع استعماله صار عدم التحرز عن مائه اضطراريا الخاتمة في حكم القهوة وهو نظير استعمال التنباك في حدوثه بعد المدة وفي شيوعه في الأطراف والاكناف وفي اختلاف العلماء في حله وحرمته والحق فيه أيضا هو الحل كشرب الدخان الا أن حله خالي عن الكراهة أيضا بخلاف حل شرب الدخان قال صدر الدين علي (1) بن نظام الدين أحمد بن معصوم الشيرازي ثم المكي في كتابه سلوة الغريب واسوة الاريب الذي ذكر فيه وقائع سفره من مكة إلى حيدر اباد الدكن نقاها الله عن البدع والفتن عند ذكر وصوله بالمخاوزرت بالمخا ضريح السيد أبي الحسن علي بن عمر الشاذلي وعليه قبة عظيمة معتنى بها غاية الاعتناء وهو من اولاد السيد أبي الحسن علي بن عبد الله بن عبد الجبار اعني الشاذلي الكبير المدفون بالحمراء قال في القاموس شادلة قرية بالمغرب أو هي بالذال المعجمة منها السيد أبو الحسن استاذ الطائفة الشاذلية من صوفية الاسكندرية انتهى مافي القاموس وفي تاريخ اليافعي أن أبا الحسن الشاذلي المذكور يعني الكبير مبدؤ ظهوره بشاذلة على القرب من تونس قال الشيخ تاج الدين بن عطاء لم يدخل في طريق القوم حتى كايعد للمناظرة وكان متضلعا بالعلوم الظاهرة جامعا لفنونها من تفسير وحديث ونحو وأصول وادب وكانت له السياحات الكثيرة ثم جاء بعد ذلك العطاء الكبير والفضل الغزير واعترف لعلو منزلته من اكابر العلماء والأولياء وقيل له من شيخك قال كنت انتسب إلى الشيخ عبد السلام بن مشيش بالشين المعجمة مكررة وبينهما مثناة من تحت وفتح الميم من اوله ثم قال وأنا لا انتسب إلى احد قلت والشيخ عبد السلام المذكور هو احد اجدادي من قبل الام وهو من اكابر صوفية المغرب وتوفي الشيخ أبو الحسن الشاذلي المذكور سنة ست وخمسين وست مأته وأما هذا أبو الحسن المدفون بالمخا فلم اقف له على ترجمة والاجماع على أنه الذي اظهر القهوة المتعارفة في هذا الزمان التي طبقت شهرتها العالم والقهوة في * من اسماء الخمر ثم اطلقت الآن على مايطبخ من البن أو قشره قيل وسبب ابتدائه اليا انه كانه له لقحة ليسرحها كل يوم المرعي فكانت ترعى ثمرة هذه الشجرة * لبنها طعما وخاصية فتبعها فرآها ترعى هذه الثمرة فجنى منها شيئا وقلاه واستعمله فاحدث في نفسه نشاطا فواظب على استعماله ثم طبخه فرآه اجدى من استعماله مقليا فلم يزل الأمر على ذلك حتى بلغ هذه الشهرة وقرأت بخط بعض فقهاء اليمن أنها حدثت في القرن الثامن والتاسع قال بعضهم أنها تطيب النكهة وتصفى البدن وتعين على العبادة وأخبرني بعض الأصحاب أنه وقف على رسالة لبعض فضلاء اليمن على الكلام على تحليلها وخواصها ومنافعها قلت وهي على مقتضى ماذهب إليه جماعة من الإمامية ومعتزلة بغداد حرام لأنهم ذهبوا إلى تحريم الاشياء التي ليست اضطرارية قبل ورود الشرع وجنح إلى هذا الشيخ أبو علي بن أبي هريرة من فقهاء الشافعية وذهب معتزلة بصرة وباقي الإمامية إلى الاباحة وتوقف الاشعري واختلف في معنى توقفه والحق الاباحة والمسألة اصولية يطلب تحقيقها من فطانها وبالجملة فلم يوقف احد في استعمال هذه القهوة لا معتزلي ولا اشعري ولا غيرهما والاشاعرة ارغب فيها من غيرهم وقد تلقتها الامة بالقبول والاطباء مختلفون فيها فمنهم من مدحها وعد منافعها ومنهم من ذمها حتى اني رايت بعض اطباء العجم ينهي عن استعمالها وينفر عنها غاية التنفير وقد ذكر الشيخ داؤد في التذكرة خواصها فقال البن ثمر شجر باليمن يطول نحو ثلثة اذرع على ساق فم غلظ الابهام ويزهر زهرا ابيض يخلف حبا كالبندق وربما نفرطح كالباقلاء وإذا قشر انقسم نصفين واجوده الاصفر واردأوه الاسود هو حار في الأولى يابس في الثانية وقد شاع برده ويبسه وليس كذلك لأنه مر وكل مر حار ويمكن أن يكون القشر حار أو نفس البن اما معتدل أو بارد في الأولى والذي يعضد برودته عفو صننه وبالجملة فقد جرب لتجفيف الرطوبات والسعال البلغمي والترلات وفتح السدد واوردا البول وقد شاع الآن اسمه بالقوة إذا حمص وطبخ بالغا وهو يسكن غليان الدم وينفع من الجدري والحصبة ولكنه يجلب الصداع ويهزل جدا ويورث السهر ويوبد البواسير ويقطع شهوة الباه وربما افضى إلى الماليخوليا فمن اراد شربه للنشاط ورفع الكسل فليكثر معه من أكل الحلو ووهن الفستق والسمن وفوم يشربونه باللبن وهو خطأ يخشى منه البرص انتهى مافي التذكرة وقد اكثر الشعراء من النظم في القوة فمن ذلك للفاكي اشرب القوة صرفا تجد الصفو مزاجا وأذكر الله عليها تشهد الأنس سراجا وقلت أنا وهو من أول شعري ياقهوة قشرية حكت النضار بلونها جليت على مصونة بزفافها وبصونها وقال آخر هات اسقني قهوة قشرية فضحت بكر المدام وشنف في الفناجينا لو أن الفا احاطوا نحو ساحتها قصد النجاة رايت الألف ناجينا وانشد الشيخ البهائي في الكشكول لبعضهم يقولون لي قهوة البن هل تباح وتسلم آفاتها فقلت نعم هي مامونة وما الصعب الا مصافاتها وفي تذكرة العلامة جمال الدين بن صدر الدين إبن عصام الدين قال حدثني صديقي امام المسجد الحرام النبوي الشيخ إبراهيم بن الشيخ يحيى بن الشيخ أحمد بن الشيخ جلال الدين الخجندي قال قرأت على باب قهوة بالشام هذين البيتين على لسان القهوة هذا انا المعشوقة السمرا واجلى في الفناجين وعود الهند عطرني وذكري شاع في الصين وذكر السيد الاديب محمد كبريت المدني في رحلته يحكي أن بعض الصالحين قال المسيح باشا وقد أمر بابطال القهوة بأمر السلطان مر أو أن القهوة لاتبطل أصلا قال ولم قال لأن حسابها موافق لاسم الله القوي يعني أن كلا منهما له من العدو ومأته وستة عشر * الاستمداد فأمرها وشانها قوي فكان الأمر كذلك انتهى وقال أيضا لفظ جبالا لا اعرف له اصلا الا أنه يستعمل فيها بمعنى الهبة فكانه يقول خذها هبة لك مني قال واستخرج بعضهم لطيفة من ذلك وهي أن لفظ جبا عدوه ست فكان القائل يقول جلبت لك الصفا من الست الجهات وجبائه هبة مني لك فاقبله قلت لم اسمع في عمري باسمح من هذه اللطيفة ولا يخفى غموض هذا الاستنباط والذي بلغني في هذا المعنى أن الشيخ الشاذلي كان له غلام يهئ له القهوة في كل يوم وكان اسم الغلام جبا فاذا أتى بالقهوة إلى الشيخ قرع باب الخلوة فيقول الشيخ من هذا فيقول جبا فبقى ذلك سنة إذا جيء بالقهوة قيل جبا وهذا الطف ما سمعت به في هذا المعنى والله أعلم والمفتي أبي السعود اقول لاصحابي عن القهوة انتهوا ولا تجلسوا في مجلس * ولا ذاك عن بغض ولا عن كراهة ولكن غدت مشروب كل سفيه انتهى مافي سطوة الغريب واسوة الاريب وفي تحفة الاخوان في منع شرب الدخان أما حكم القهوة التي هي من قشر البن أو من نفسه فكان ابتداء ظهورها في اوائل المائة العاشرة وقبيلها بمدة واختلف العلماء المتاخرون فيها فالبعض قائل بتحليلها وبعض آخر بتحريمها والحق أنه ليس الاسكار ولا فساد العقل في القهوة بنفسها مع مافيه من الفوائد البدنية فيباح تناولها الا أن يكون مقارنا بالمحرمات الخارجية كالادارة على هيأة الفسقة أو تناولها في الاواني المحرمة وغير ذلك كما في شرح الجوهرة الملقاني وفي عمدة الصفوة في حل القهوة أنه قد افتى بحل القهوة من العلماء الحنفية الشيخ شهاب الدين الشلي وشمس الدين المصري وغيرهما وأن الشيخ العلامة عليا القاري حكم بحليته القوة في شرح المشكوة قبيل كتاب الفتن فقال لايصح استدلال من هو قائل بتحريم القهوة انتهى وفي النور السافر في اخبار القرن العاشر في ترجمته شهاب الدين أحمد بن الطيب الطبنداوي البكراوي الشافعي المتوفي في عشر الخمسين بعد تسع مأته قال في بعض رسائله التي الفها في حل القهوة قد سمعت شيخ الإسلام المجمع على تجديده للقرن التاسع زكريا الانصاري أنه كتب إليه المالكية بتحريم شرب القهوة وساعده من لا بصيرة له على ذلك ومنع الناس من شربها فانتشر الخبر إلى مصر والقاهرة فكتب المولعون بها سوا لا إليه فكان جوابه أن قال احضروا إلى جماعة من المتعاطين بها فسألهم عن عملها فذكروا أنه لا عمل سوى التقوى فاراد الاختبار فاحضر قشر البن ثم أمرهم بشربها ثم فاتحهم بالكلام فراجعهم ساعة فلم ير منهم تغيرا ولا طرها فاحشا بل وجد منهم انبساطا قليلا ثم زاد فلم يؤثر فصنف في حلها مصنفا قلت لله دره لم يقدم على التحريم وما نقل إليه بل اختبرها واستدل وقد افتيت قديما بحلها استدللت بذلك بدليل اجمع عليه الاصحاب وهو أن الشيء إنما يحرم تناوله وأكله وشربه أما لاضراره كالسم أو لاسكاره كالخمر أو لنجاسته كالبول أو لتحذيره كالبنج والحشيشة أو لاستقذاره كالمخاط والبزاق المنفصل من الآدمي فأنه يحرم بلعه بعد أخراجه من الفم والأنف وليس في القهوة شيء من ذلك وقد كنت كتبت هذا الجواب قديما وأنا باق عليه مقرر له فإن قيل بعض الناس يضره شرب القهوة أو الاكثار منها فالجواب أن نقول أنها محرمة في حقه لأن حجة الإسلام محمد بن محمد الغزالي قال في كتب متعددة أن الشيء المجمع على أكله كالعسل قد يحرم في حق من غلبت عليه الحرارة وشهد علماء الطب بأنه يضره فكذلك القهوة باب أولى نقول بتحريمها حيث اضرت لكن في حقه فقط انتهى وفي شرح الجوهرة للملقاني حاصل الكلام أنه قد قد اختلف العلماء الاعلام في حرمة الدخان وكراهته وأقل درجاته الكراهة ومع وجود عدة من العوارض لا ينتهي إلى درجة الاباحة اصلا ولا يقاس على القهوة كما توهم البعض لأن شبهة أهل العذاب لاتخلو عن كراهة بخلاف القهوة فإنه ليس فيها هذا التشبه وأيضا فيها منافع بلا شك بخلاف الدخان انتهى وفي المقام بسط * قد صنف فيه كل صنف من المصنف وجيز وبسيط ووسيط ولنكتف بهذا القدر فان غير الكلام باقل دول وما طال أو قصر فقد امل واخل وكان الفراغ من تحرير هذه الرسالة في غاية العجلة وأنا عازم لسفر الحجاز ومشغول بتدبير اسبابه في كل عشية وغدوة يوم السبت الخامس عشر من شهر رمضان من شهور السنة الثانية والتسعين بعد الألف والمأتين من الهجرة على صاحبها ألف صلوات وتحية وأنا مقيم عند ذلك بحيدر آباد حين عن الشر والفساد وآخر دعوانا إن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله وصحبه اجمعين .
صفحة ٨٩