<div dir="rtl" id="book-container">
إن علم التاريخ يزيد في العقل والإيمان ويزيد في العلم والعمل ويورث الشهامة والشجاعة إذ تنير قضايا ثائرة الحماس في الغيورين، ويحرك ما سكن في الخاملين ويحمل ذوى الهمم العالية على المطالبة بمجد الأولين والحاضرين، ويثبت الأقدام عند الدفاع ويعير ما كان للأسلاف مما شاع وذاع، ويستجد المجدد ذا الشرف في الأمم، ويوقظ النائمين وينبه الغافلين، ذلك بأنهم إذا ذكروا بشرهم وكرمهم تنافوا فيه، وإذا عبر أحدهم بمذمة نعروا عليه، وقد اعتبره المتأخرون حياة الأمم أو موتها مثل اللغة يقولون لا حياة لأمة ماتت لغتها وكذلك لا حياة لأمة مات تاريخها ومن منافع علم التاريخ من لوازم علم الحديث ومعياره لمعرفة رجاله الأثبات والثقات لكيلا يدخل الحديث الزور والتوليج ومعرفة الناسخ والمنسوخ وهذا ركن مهم في الأصول وتأسيس الأحكام الشرعية وكذلك معرفة الأنساب للحديث (تعلموا من أنسابكم ما تصلوا به أرحامكم) وكذلك معرفة الوقايع والأيام وإن جهل النسب خسارة كبرى، وجهل الوقائع مذمة عظمى، وبالأخص نسب الشرفاء وسببهم الذي لا ينقطع فكيف والحالة هذه لا يعتني بالتاريخ؟ وهو إذا تعالت الفنون كان أعلى من المريخ، .. وقد عرف فضل التاريخ الإفرنج ودرسوا ما فيه، واستخرجوا كنوزه ومعانيه، ودونوا محامده ومساويه، وبينوا أصوله وقواعده، وحققوا فروعه ومذاهبه، وقسموه إلى أقسام، منه خاص وعام، ومعروف ومجهول، ومنبوذ ومعقول، فمنه طبعي ومنه جغرافي إلى غير ذلك مما تدبروا وتبصروا منه فأفادهم إرشادا وأدبا، وصار عندهم فرضا لا ندابا، ونجد أعلم علمائنا إذا تناظر مع أي علم من علماء أوروبا في شؤون التاريخ
صفحة ٨٧