تاريخ مكة المشرفة والمسجد الحرام والمدينة الشريفة والقبر الشريف
محقق
علاء إبراهيم، أيمن نصر
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الثانية
سنة النشر
١٤٢٤هـ - ٢٠٠٤م
مكان النشر
بيروت / لبنان
الْغُرَاب؛ ليَأْتِيه بِخَبَر الأَرْض فَذهب وَلم يرجع فَوَقع فِي الْجِيَف وَأَبْطَأ عَنهُ، فَبعث بالحمامة فَأَتَت بورق الزَّيْتُون ولطخت رجلهَا بالطين، فَعرف نوح أَن المَاء قد نضب فهبط إِلَى أَسْفَل الجودي فابتنى قَرْيَة، فَأَصْبحُوا ذَات يَوْم قد تبلبلت ألسنتهم على ثَمَانِينَ لُغَة، أَحدهَا الْعَرَبِيّ وَكَانَ لَا يفقه بَعضهم كَلَام بعض، وَكَانَ نوح ﵇ يعبر عَنْهُم. وَعَن مُجَاهِد: أَنه كَانَ مَوضِع الْبَيْت قد خَفِي ودرس من الْغَرق بَين نوح وَإِبْرَاهِيم ﵉ قَالَ: فَكَانَ مَوْضِعه أكمة حَمْرَاء مَدَرَة لَا يعلوها السُّيُول، وَكَانَ يَأْتِيهِ الْمَظْلُوم من أقطار الأَرْض وَيَدْعُو عِنْده المكروب فقلّ من دَعَا هُنَالك إِلَّا اسْتُجِيبَ لَهُ، وَكَانَ النَّاس يحجون إِلَى مَوضِع الْبَيْت حَتَّى بوأ الله مَكَانَهُ لإِبْرَاهِيم. وَعَن عُثْمَان بن سَاج قَالَ: بلغنَا أَن إِبْرَاهِيم عرج بِهِ إِلَى السَّمَاء فَنظر إِلَى الأَرْض مشارقها وَمَغَارِبهَا فَاخْتَارَ مَوضِع الْكَعْبَة، فَقَالَت لَهُ الْمَلَائِكَة: يَا خَلِيل الله اخْتَرْت حرم الله فِي الأَرْض، فبناه من حِجَارَة وَسَبْعَة أجبل، وَقيل: خَمْسَة، وَكَانَت الْمَلَائِكَة تَأتي بِالْحِجَارَةِ إِلَى إِبْرَاهِيم من تِلْكَ الْجبَال.
فصل مَا جَاءَ فِي إسكان إِبْرَاهِيم ابْنه إِسْمَاعِيل وَأمه فِي بَدْء أمره عِنْد الْبَيْت
عَن مُجَاهِد: أَن الله تَعَالَى لما بوأ لإِبْرَاهِيم مَكَان الْبَيْت خرج إِلَيْهِ من الشَّام وَخرج مَعَه بِابْنِهِ إِسْمَاعِيل وَأمه هَاجر، وَإِسْمَاعِيل طِفْل مرضع وحملوا على الْبراق وَمَعَهُ جِبْرِيل يدله على مَوضِع الْبَيْت ومعالم الْحرم، وَجعل إِبْرَاهِيم ﵇ لَا يمر بقرية من الْقرى إِلَّا قَالَ إِبْرَاهِيم: أَبِهَذَا أمرت؟ فَيَقُول لَهُ جِبْرِيل: امْضِ حَتَّى قدم مَكَّة، وَهِي إِذْ ذَاك عضاه من سلم وَسمر، وَبهَا العماليق خَارِجا عَن مَكَّة فِيمَا حولهَا، وَالْبَيْت يَوْمئِذٍ ربوة حَمْرَاء مَدَرَة، فَقَالَ إِبْرَاهِيم لجبريل: أها هُنَا أمرت أَن أضعهما؟ قَالَ: نعم. فَعمد بهما إِلَى مَوضِع الْحجر فأنزلهما فِيهِ، وَأمر هَاجر أم إِسْمَاعِيل تتَّخذ فِيهَا عَرِيشًا، ثمَّ قَالَ: " رَبنَا إِنِّي
1 / 33