روائع البحوث في تاريخ مدينة حوث
www.izbacf.org
أعد هذا الكتاب إلكترونيا
قطب الدين بن محمد الشروني الجعفري
للتواصل
[email protected] تقديم
صفحة ١
للسيد العلامة الكبير الحجة الحسن بن أحمد أبو علي
الحمد لله منزل الآيات والعبر، الذي قص علينا في كتابه الكريم أحوال الأمم الماضية من سلف منهم ومن غبر، وندبنا إلى الإيقاظ والاقتداء بمن أناب منهم وتذكر، فقال ذو العزة والجلال: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} والصلاة والسلام على أكرم مبعوث من البشر، من أنقذ الله به الأمة من الخطر، وبدد به ظلم ليل الشرك حتى ظهر فجر الإسلام وانتشر، وعلى آله المقتفين له في الأثر، والسالكين سبيله في الذود عن الدين في الآصال والبكر.
وبعد.. فقد أطلعني الولد العلامة الألمعي نبراس الآل الكرام
قاسم بن الحسن بن القاسم السراجي أعلا الله في الدارين مقامه، وبلغه منتهى سؤله ومرامه، على مؤلفه الجليل الذي أسماه (روائع البحوث في تاريخ مدينة حوث) فتصفحت بعض أوراقه، وجولت نظري في حدائقه الممتعة، فرأيته روائع كاسمه، ونجوما زاهية لحسن سبكه ورسمه، فقلت متمثلا:
حكم سحابتها خلال بنانه
هطالة وقليبها من قلبه
كالروض مؤتلقا بحمرة نوره
وبياض زهرته وخضرة عشبه
فحي هلا أخي إلى مائدة من الحكمة المتنوعة، وطبق من الحلوى الممتعة، التي طالما اشتقنا إلى رؤيتها، وتطلعت نفوسنا إلى التناول من حكمتها، فها هي في متناول يديك سهلة المنال، عظيمة المنوال، بعد أن كانت حكايات تدور على الألسنة وتذهب بها الرياح، وروايات في الرقاع يخشى عليها الاجتياح، فخذ منها ما لذ وطاب، وعد نظرك عمن عذل وعاب.
فأسمعهم قولا ألذ من المنى
وأحلى من المن المنزل والسلوى فهاهي قد فتحت الأبواب، ورفعت الحجاب وكشفت عن النقاب.
صفحة ٢
مائدة من حكمة التاريخ، وروضة غناء أثمرت بعد التلاقيح، وكيف لا تكون كذلك وعلى الصفة التي هنالك ومنشئها ومبدعها ومفتح براعمها الولد العلامة الألمعي، والنبراس اللوذعي القاسم بن الحسن السراجي أسعده الله وبارك في أيامه؟! ولا غرو فهي شنشنة أعرفها من أخزم، فوالده شرف الإسلام، وحافظ علوم العترة الكرام الحسن بن القاسم السراجي رحمه الله رحمة الأبرار، شيخي فقد لازمته ملازمة الظل للعود، ودرست على يديه أكثر من كتاب، وسايرته في كثير من الأحوال ليل نهار، فكان لا يشق له غبار، مع أنظار سديدة، واجتهادات رشيدة، ومناقشة دقيقه، فجزاه الله عني خير الجزاء، فهو فرع الدوحة العلوية، وبركة أسرار الدعوة المحمدية {ذرية بعضها من بعض}[آل عمران:34].
فهذا الكتاب الكريم، والتأليف العالي الفخيم، بحر واسع، فقد اشتمل على أكثر من ثلاثمائة وخمسين ترجمة، ناهيك عن التراجم المستطردة التي قد يبلغ بها نحو خمسمائة ترجمة من العلماء الأعلام من أهل البيت الكرام، وشيعتهم العظام، وغيرهم من الفضلاء والعباد والزهاد والمصلحين ممن قد أهملهم الوقت، وأنساهم الدهر، فما زال علماء هذه البلدة حرسها الله مغمورين، وفي جنبات الدهر مستورين، من سابق العصور والأزمان إلى يومنا هذا، وما كانوا يستاهلون ذلك، فكم فيهم من عالم عامل وورع كامل، وسابق فاضل.
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم
صفحة ٣
مثل النجوم التي يسري بها الساري وهكذا فقد غمروا ودفن ذكرهم مع دفن جثثهم، وسأذكر لك بعضا من الأمثلة على ذلك، فقد نظرت في كتاب (مطلع البدور ومجمع البحور) لمؤرخ الزيدية العلامة الفطاحل أحمد بن صالح بن أبي الرجال في ترجمة العلامة الحجة المجتهد أمير الدين بن عبد الله بن نهشل، فوجدته لم يزد على اسمه وذكر وفاته، والعلامة المذكور جدير بأن يؤلف في ترجمته الكتب الحافلة، فهو عالم كبير ومجتهد خطير، شيخ الشيوخ،وأستاذ أهل الرسوخ، ملحق الأواخر بالأوائل أمير المسندين وحلقة الوصل بين الراوين، وكذلك في كتب التاريخ المتأخرة يترجم لعالم من علمائنا الأكابر بسطرين أو ثلاثة أسطر أو نحوها كما فعل القاضي الأكوع في ترجمة العلامة الكبير الكوكب الدري محمد بن علي البدري رحمه الله رحمة الأبرار الذي لو عرفه الأكوع لملأ بذكره الدفاتر.
وهذه كأمثلة فقط، وكما قيل: ضوء البارق يدل على النو المطير، فقد تصدى لها الولد قاسم بارك الله في أيامه بجهود جهيدة، وجمعها من الرقاع المتناثرة هنا وهناك، فأخرج هذه التراجم إلى حيز الوجود، فاستطاعت بفضله أن ترى النور وأظهر فجرها بعد أن كاد الظلام أن يستحكم عليها بقية العصور، وأوشكت الأتربة أن تغطي عليها وتدفنها في خزائن الدور.
صفحة ٤
ولقد سلك الولد قاسم أبقاه الله مسلك الإنصاف، مجانبا للباطل والاعتساف، في سياق رده على بعض المؤرخين الذين فقدوا أمانة التاريخ، وغطى على قلوبهم كامن النصب والأحقاد، وظلموا الكافة من العباد، كالمؤرخ القاضي الأكوع هداه الله إلى الصواب، فقد ملأ كتابه (هجر العلم ومعاقله) بالسب والشتم، فتراه يغمز تارة ويلمز تارة أخرى في كثير من العلماء والعباد والمصلحين، وينسب إليهم الأباطيل، ولكن الولد قاسم حماه الله قد ألقمه الحجر وسدد عليه المضايق، فرماه بثالثة الأثافي ونسف آثاره في الفيافي، مع لين في الجانب وحكمة في الأسلوب، وقوة في السبك، فما بقي إلا أن نتمثل بقول القائل:
يا ناطح الجبل العالي ليكلمه
صفحة ٥
أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل نعم.. وسلك الولد قاسم أبقاه الله مسلك الإنصاف أيضا في إثباته لبعض الحقائق والروايات والحكايات، كما فعل في الرواية التي رويت عن أمير المؤمنين أنه مر بشجرة في محل جامع الشجرة (الجامع الكبير بحوث) تلك الرواية المشهورة بالسماع بين الآباء والأبناء من أبناء حوث حرسها الله وبين العلماء من غيرها، وكما رويت له فقد ذهبت في أحد الأيام إلى زيارة المولى العلامة الحجة علي بن محمد العجري رحمه الله إلى بيته في ضحيان وهو مقعد على فراشه، وكانت أول معرفتي به شخصيا، ثم جرت المذاكرة والمراجعة فاستفدت منه كثيرا، وأوصاني قابضا على يدي بأن لا أخرج من حوث قائلا: (لا تخرج من حوث، فإني أحفظ لكم كرامة يا أهل حوث، وهي أن أمير المؤمنين عليا عليه السلام مر بحوث وجلس تحت شجرة وقال: سيبنى هنا مسجد لا يزال العالم والمتعلم فيه إلى يوم القيامة).
والمولى العلامة علي العجري رحمه الله من الحفاظ الأعلام، فيمكن أنه رواها من كتب التاريخ رواية صحيحة، فإن الولد قاسم السراجي وكما ذكرت لك أخي المطلع قد سلك في إثباتها مسلك الإنصاف غير مبالغ في صحتها، والعجب ممن يزعم كذب هذه الرواية، فإنما مراده التنقيص من حق علماء هذه البلدة والاستخفاف بهم كما بلغنا من بعضهم، ودون ذلك خرط القتاد.
إذا غضب الفحل يوم الهياج
فلا تعذلوه إذا ما هدر
وغيره:
أيضر إشعال الدخان لطمس نو
ر الشمس بل تعشى عيون الشاعل
ولربما سود الكلاب على البدور
تهر إن منيت بداء عاضل
وإذا الحمار السوء عربد ناهقا
صفحة ٦
أيحط من قدر الجواد الصاهل وأخيرا في هذه العجالة أدعو شباب المسلمين جميعا، وشباب حوث خصوصا، إلى طلب العلم الشريف النافع، ليكونوا خير خلف لخير سلف، وأن يتمسكوا بأهداب العترة النبوية، فهم قرناء الكتاب، وأمنا رب الأرباب، وسفينة النجاة التي من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق وهوى، كما ثبت بالأخبار المتواترة عن الحبيب المصطفى، ليلحقوا بكوكبة العلماء الذين ترجموا في طيات هذا السفر المبارك، كما قال سبحانه: {والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء}.
فقل لبني الزهراء إن محمدا
بنى لكم بيت البقاء وشيدا
فلا تهدموا بنيان والدكم وقد
تحسى أبوكم دونه جرع الردى
فمزيدا مزيدا أيها الولد العلم العلامة في مواصلة المشوار، نور الله بصائرك وزاد في الرجال من أمثالك، وبلغك منتهى سؤلك ومرامك، وعلمك العلم النافع وفقهك في الدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
حسن بن أحمد أبو علي
عفا الله عنه
وكتب بأمره ولده الحقير المستجير
أحمد بن الحسن بن أحمد أبو علي
عفا الله عنهم أجمعين آمين اللهم آمين.
.
صفحة ٧
تقريظ
للأستاذ الشاعر/ عبد الخالق عبد الرحمن الشرعي
الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض والشمس والقمر، وأرسل رسوله إلى عامة البشر، وأنزل معه الكتاب تبيانا لكل شيء وتفصيلا ليتذكر من تذكر، وحكى لنا فيه قصص السابقين عبرة لمن اعتبر، وصلى الله وسلم على أفضل العرب والعجم، وسيد ولد آدم، وعلى عترته الميامين أئمة العلم والدين، وحفاظ شريعة سيد المرسلين، صلاة وسلاما تدومان إلى يوم الحشر واليقين.
أما بعد..
صفحة ٨
فإن رسولنا الأمين صلى الله عليه وعلى عترته الأكرمين يقول: ((أهل بيتي كالنجوم كلما أفل نجم طلع نجم)) نعم صدق رسولنا الكريم فنجومهم في كل زمان ساطعة، وأنوارهم المحمدية العلوية في كل مكان لامعة، منذ أن مات رسولنا الكريم، وهم يتجرعون غصص النوازل والنوائب في كل زمان ومكان، وهم يشردون ويعذبون ما ذاك إلا أنهم ينكرون المنكر ويأمرون بالمعروف لا يخافون في الله لومة لائم، فإذا تصفحنا تاريخ حياتهم رأينا نسيج تعذيبهم وآلامهم، هم وشيعتهم الأكرمون، الذين شربوا مع آل البيت كؤوس المنون، صابرين على ذلك لا يزيدهم إلا حبا ومودة، فهذه حوث بلد العلماء والأئمة، والصالحين من الأمة، سنرى تاريخها جليا في صفحات هذا الكتاب الذي أخرج تراجم علماء مغمورة تحت التراب، لترى النور الذي يجب أن تراه، كما رأته تراجم علماء الأمة الهداة، لولا ما داخل المؤرخين من الجفاء لعلماء هذه البلدة المحروسة، على الرغم من كثرة العلماء المبرزين في كل الفنون، الذين سكنوها أو درسوا فيها، أو قرأوا على أيدي مشائخها، لا ندري ما هو سبب هذا الجفاء، إنه سر غامض قد يتبين لنا ذلك في جفائهم لعلماء بعض الأزمان، ولكن الله يقيض من حملة دينه من يظهر نوره، ويبدد ظلم الدياجير فيرفع ظهوره، ومن هؤلاء سيدي وشيخي وسندي العلامة التقي، والسيد الولي القاسم بن الحسن بن القاسم السراجي حفظه الله ورعاه، ومن كل شر حماه ووقاه، فلقد قام بشيء لم يكن في الحسبان، وأظهر سبقا وفوزا قدمه لدينه ومشائخه وبلدته طول الزمان، لم يكن في الخاطر هذا العمل العظيم، حتى إذا ما رأيناه تم واكتمل طرنا بذلك فرحا، شوقا إلى ما رأيناه مكتوبا بالأقلام أن يخرج مطبوعا ليقرأه كل الأنام، لما فيه من الفوائد والأخبار الكثيرة والجمع الحسن، الذي لم يوجد له مثيل في تاريخ مدينة حوث المحروسة، فجزى الله شيخنا عنا وعن الإسلام والمسلمين وأهل بيت النبي الكريم عامة وعن مدينة حوث وعلمائها خاصة خير الجزاء، وبهذه المشاعر يتقدم خاطري وفكري بكلمات شعرية تعبر عن هذا المنجز العظيم، مع عدم السبق في هذا الميدان، ولكن تعبيرا لما تحمل من فرح هذا الجنان، والتي قلت فيها:
يا سالكا طرق الهداية أبصر
وانظر بعين تأمل وتبصر
إن كنت ترجو أن تكون على الهدى
فاسمع بأذنك صاغيا وتفكر
وانظر إلى تاريخ أسلاف مضوا
لتنال لقياهم بيوم المحشر
فهم نجوم في الظلام ثواقب
وهم الضياء لكل من لم يبصر
هذي تراجمهم أتتك تحفها
تلك الزهور من الهمام الأفخر
من سيد بلغ العلى في همة
منذ نعومة ظفره لم يفتر
من عالم حاز المفاخر كلها
وحوى صفات المجد ذاك العبقري
فأتى وأخرج ما طوته دفاتر
ليعيد من مجد الأصول الأشهر
ما كان قد درس الزمان ظهوره
فأضاء من نور البلاد المسفر نور العلوم يشع من بين الثرى
صفحة ٩
مثل الكواكب بين ليل المسمر
فاقرأ هداك الله سيرتهم وما
تركوه من مسك العلوم وعنبر
هذا إمام العلم حقا والتقى
فيها أقام بنوره المستظهر
يحيى بن حمزة من له بالفضل قد
شهدت دفاتر كل عدل خير
فخرت به حوث على أترابها
وبغيره في علمه لم تفخر
قد عده بعض الهداة بأنه
بعد الوصي بعلمه المتبحر
فعليه صلى الله بعد محمد
والآل نور هداية المتحير
وعلى بنيه أئمة العلم الذي
حازوه بالفضل العميم الأكثر
من أرض حوث كان منبعهم لذا
ك الدين والعلم القويم النير
حوث التي رويت لنا أخبارها
عن سيد السادات أفضل مخبر
أعني به المنصور في الشافي روى
عن سيد الثقلين ساقي الكوثر
خبرا يحقق أنه ولى بها
رجلا فراجع كتبه وتدبر
وروى لنا العجري عن أسلافه
أن الوصي دعا لها فلتبشر
كم عالم فيها تخرج وارتوى
منها زلالا من معين الأبحر
فهم نجوم لست أحصي فضلهم
[من رام عد الشهب لم يتيسر]
فانظر إلى شيخ الأئمة من روى
جل الأسانيد التي لم تنكر
من آل نهشل الأمير لديننا
شيخ الإمام القاسم المتبحر
وإلى الإمام الفاتك الليث الذي
قتل النواصب غب فعل المنكر
المحسن الأواه من هو كامل
في العلم والتقوى فنعم الحيدري
وكذا عن الهادي المجاهد من غدا
علما يصدر في جبين الأسطر
واسأل عن المهدي وعن أبنائه
تخبرك عنهم نيرات المنبر
مهدي دين الله من أخذ العلى
من نبعه الصافي بجهد مثمر
قد جدد الدين القويم وجرع الأ
عداء كأسا من شراب أحمر
وكذا عن المنصور من ضم الثرى
مثواه في حوث بذاك المشعر
أصبحت يا حوث الحبيبة موطنا
لأئمة نهجوا طريقة حيدر يا حوث كم زرعت يداك جلالة
صفحة ١٠
فجنته طيبا بعد غصن مزهر
ما زالت الأثمار بين غصونها
وكأنها من قبل ذا لم تثمر
أيامها دوما ربيع مزهر
وظلامها يبدو كصبح مسفر
دامت بها تلك العلوم بفضل من
أرسى قواعد نهجنا المتنور
أعني به شرف الأنام وشيخنا ال
حسن الإمام ونور ظلمة ديجر
ذاك السراجي الموفق نهجه
في العلم والدين الأغر الأطهر
وكذا إمام علوم آل محمد
من في العلوم كغيم سحب ممطر
إن قلت بحر فالبحور بعمقها
فيها القعار وظلمة لم تسفر
أو قلت بدر فالبدور يعوزها
بعد المحاق النقص كل الأشهر
لكن إمام من مفاخر عصره
حسن بن أحمد ياله من مفخر
من بعدهم شيخ أضاء سراجه
ظلم الليالي في الزمان المقفر
هو عالم في كل فن فارتقب
تلك المعالم صدر هذا الدفتر
فاقرأ روائع بحث تاريخ حوى
أعلام بلدتنا السعيدة وانظر
فجزاه ربي الخير كل عشية
عن كل فرد في البرية خير
أدعوا شباب اليوم أن يتوجهوا
لدراسة العلم الضياء المقمر
ثم الصلاة على النبي محمد
والآل عد خرير ماء الأنهر
.
صفحة ١١
ترجمة المؤلف
هو السيد العلامة المحقق، والخطيب المصقع المفلق، نور الظلام الداجي قاسم بن حسن بن قاسم بن أحمد بن قاسم بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن صلاح بن محمد بن صلاح بن علي بن الحسين بن علي بن عبد الله بن محمد بن أمير المؤمنين أبي إدريس يحيى بن حمزة عليه السلام، السراجي لقبا والحسيني نسبا، والحوثي بلدا.
.
صفحة ١٢
مولده ونشأته
ولد في مدينة حوث ليلة الأربعاء بعد صلاة العشاء السابع من شهر صفر الظفر سنة 1397ه، ونشأ في ظل أسرة علمية اشتهرت بالعلم والإيمان، فأبوه هو أحد أعلام الملة المحمدية، وفرع الدوحة العلوية، إمام علوم أهل البيت الكرام، وحامل لوائهم المجتهد الجهبذ الحسن بن القاسم بن أحمد السراجي رحمه الله رحمة الأبرار، وأعاد علينا من بركاته.
نشأ وترعرع حفظه الله منذ نعومة أظفاره في كنف والده وتحت ظله، يشرب العلوم ويستقيها، وشب على ذلك ناهلا من علوم أهل البيت وسالكا طريقتهم في سيرته وأخلاقه، حتى نال الدرجة العليا علما وحلما وأخلاقا، هذا وقد تصدر للتدريس وهو حدث السن، وتتلمذ على يديه وتخرج الكثير من الطلاب.
نال إجازات علمية كثيرة، أعلاها وأرقاها إجازة المولى الإمام مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله، والسيد العلامة الحجة حمود بن عباس المؤيد رعاه الله، وكذا أجازه المولى العلامة الحجة الحسن بن أحمد أبو علي حفظه الله في تأليف عدد من الكتب وإخراجها إلى الساحة العلمية، وغيرها من الإجازات.
.
صفحة ١٣
مشائخه
قرأ على يد كثير من مشائخ العلم الكبار، الذين سطرهم الزمان في جبينه، وكتبهم التاريخ في إنسان عينه، منهم والده شيخ الإسلام العلامة الهمام مولانا الحسن بن القاسم السراجي رحمه الله تعالى، وكذا إمام علوم أهل البيت الكرام مولانا العلامة الجهبذ الصمصام الحسن بن أحمد أبو علي حفظه الله تعالى وشفاه، وأكثر أخذه في الأصولين والعربية والفقه والفرائض عن هذين الإمامين.
هذا وقد أخذ عن السيد العلامة الولي علي بن محمد أبو علي رحمه الله تعالى، وعن السيد العلامة علي بن يحيى الشرعي رحمه الله تعالى، وعن السيد العلامة علي بن محمد ساري، وعن السيد العلامة محمد بن يحيى الشرعي، وغيرهم، وقد كان يذكر مشائخه في هذا الكتاب عند تراجمهم.
.
صفحة ١٤
أخلاقه وسيرته
لقد سار سيرة آبائه الكرام، وسلك طريقة أهل البيت على وفق انتظام، فهو من أفضل شباب مدينة حوث، بل إذا قلت إنه أفضل شبابها لم أبعد لما يملكه من الأخلاق العالية والسمات الطيبة، والفضائل العلوية، فهو يحمل إخلاصا كبيرا في عمله وتدريسه، ويأتيه الضيف وطالب العلم الشريف ليل نهار للاستفادة والدراسة، فقد جعل بيته مدرسة علمية يتوافد إليه الطلبة من كل مكان، وهب أوقاته للتدريس فهو يدرس في أوقات كثيرة من اليوم والليلة، إذ يدرس قبل وبعد العصر وبين المغرب والعشاء، هذه المعاشر المنتظمة، وهناك دروس غير منتظمة، إضافة إلى المحاضرات والندوات في المساجد وغيرها من الإرشادات والنصائح الدينية، يدرس على يديه الكبار والصغار في شتى العلوم والفنون من فقه وأصول وعربية وفرائض، وغيرها.
إضافة إلى ذلك فإنه يوزع المدرسين من طلابه في مساجد كثيرة من مدينة حوث للتدريس في كثير من الفنون، ويرسلهم أحيانا للخطابة وتوعية الناس في القرى المجاورة، وغير ذلك من الأعمال الخيرية، والإصلاحات الدينية والدنيوية، فهو يقوم بالإصلاح بين الناس والنظر في قضاياهم وأمورهم ويفصل فيها، متعاونا في ذلك مع مولانا وشيخنا حجة العصر العلامة الحسن بن أحمد أبو علي حفظه الله تعالى.
صفحة ١٥
هذا في سائر أيام السنة، أما في العطلة الصيفية فإنه يقيم مركزا علميا ضخما في جامع الشجرة بحوث يضم عددا كبيرا من الطلاب من مدينة حوث والقرى المجاورة لها والبعيدة عنها، ويبلغ عددهم إلى نحو ثلاثمائة طالب تقريبا، وكذا يقيم على يديه مركزا نسائيا كبيرا، كل هذه الدراسات التي تقام سواء في المراكز الصيفية أو في المساجد أو في البيوت تسمى ب(مدرسة الإمام المؤيد برب العزة يحيى بن حمزة عليه السلام) يكون هو مديرها وقائدها، يعمل ويجاهد في سبيل إحياء دين الله.
.
صفحة ١٦
مؤلفاته
أخرج الكثير من الرسائل والمؤلفات، طبع بعضها وبعضها الآخر لم يطبع، ومنها:
1- شعاع الفرقدين في دفع الأحاديث المعارضة لخبر الثقلين. ط.
2- التبيين والتفصيل في مسألة التفضيل. ط.
3- روائع البحوث في تاريخ مدينة حوث، (وهو الذي بين يديك).
4- مؤلف في إسلام أبي طالب أسماه (ضياء الأهلة وبيان الأدلة في حال أبي طالب عند أهل الملة)، وهو كتاب كبير فقد قسمه إلى ثلاثة فصول، جعل الفصل الأول لاستدلال من يقول بعدم إسلام أبي طالب، والفصل الثاني جعله للأدلة على إسلام أبي طالب من الكتاب والسنة، ورد فيه على أدلة من يقول بعدم إسلامه، وجعل الفصل الثالث مناقشة طويلة مع ابن كثير في مسائل كثيرة متعلقة بأبي طالب وأمير المؤمنين علي عليه السلام وأهل بيته وغير ذلك. (خ).
5- الإصابة، يقع في كتاب ضخم ضمنه الاستدلال من الكتاب والسنة والإجماع حول معاوية (خ).
6- مختصر علم الحديث (تحت الطبع).
7- إرشاد المقتدي إلى المنهج السوي، وقد شارك معه في تأليفه الأستاذ العلامة عبد الحميد بن الحسن أبو علي، والأستاذ العلامة أحمد بن الحسن أبو علي (تحت الطبع).
8- وله العديد من الرسائل والأبحاث والتحقيقات لا تزال قيد التخريج.
هذه نبذة قصيرة ومختصرة عن حياته وأعماله ومشائخه وقراءته، وإلا فالمجال لا تشرحه العبارة، ولا تستطيع أن تعبر عنه الفكرة، ومن أراد المزيد الطيب عن سيرته فليرجع إلى رسالة ألفها أحد زملائي، وهو الأخ الأستاذ الجمالي علي بن محسن بن حسين الديدي حفظه الله، أسماها (نور الظلام الداجي في سيرة العلامة السراجي).
صفحة ١٧
وأخيرا وليس بأخير نسأل الله تعالى أن يحفظه وأن يعافيه وأن يجعله بركة للإسلام والمسلمين، وأن ينفعنا بعلومه آمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
بقلم تلميذه المفتقر إلى رحمة ربه
عبد الخالق بن عبد الرحمن بن عبد الله الشرعي
غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين
عمران- حوث. الثلاثاء 28 ذي القعدة 1424ه/ 20/1/2004م.
.
صفحة ١٨
[المقدمة]
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، القائل فيما أنزل من الهدى والبينات: { لقد كان في قصصهم عبرة}[يوسف:111] أحمده على ما أولاني من نعمه، وأشكره على أن هداني بما أنزل من كتبه، وبما جعل في الأرض من حججه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا شبيه، شهادة تنفعني في الأخرى، وتقيني مصارع السوء في الحياة الأولى، التي جعلت محلا للابتلاء، وعبرة بما مضى ألا ترى كم أفنى الله بها من الأمم الأولى، وجعلهم قصصا في الذكر تتلى، فتسلسل التاريخ إلى يومنا هذا وإلى يوم الدين ليسجل لمن بعده ما مضى، بينات وعبرا وحكما.
والصلاة والسلام على نبي الهدى المغير لتاريخ الضلال إلى النور والهدى، وجعل بما دعا وهدى كلمة الله هي العلياء، وعلى آله مصابيح الدجى وسفن النجا.
وارض اللهم عن صحابة النبي الذين اتبعوا طرق الهداية وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم القيامة.
وبعد...
إن الله سبحانه قد جعل ما حكى لنا في كتابه من الأمم السالفة هداية وهدانا وأرشدنا إلى تدوين تاريخ من مضى ومن هو معاصر، ليقتدي اللاحق بالسابق، فالأمانة قد تحملها المؤرخون ليقولوا الحق وينطقوا بالصدق للأجيال المعاصرة واللاحقة، ولن يستطيع مؤرخ أن يقول الحق إلا بترك التعصب ونبذ الهوى، أما إذا اتبع المؤرخ هواه وقع في خطوات الشيطان، ورسم لنفسه ورغبته القواعد، وشحن مؤلفه بها يدعو إلى الهوى، ويصير كما قال القائل:
فعين الرضا عن كل عيب كليلة
صفحة ١٩
كما أن عين السخط تبدي المساويا ولا يخفى على ناظر أن تفرق الناس هو بسبب اتباع الهوى، والميل إلى اتباع المذهبية، وترك العمل بالكتاب والسنة، والأسباب التي تتعدى على الكتاب والمؤرخين كثيرة، وما ذكرت هنا هو أهمها، وقد قمت بجمع هذه التراجم والتواريخ لأهل مدينتي ومسقط رأسي (مدينة حوث) وذلك لمواجهتها الإهمال لدى المؤرخين والكتاب، ولأن الذين أرخوا عنها قد غلطوا في الأنساب، وقللوا من حق علمائها، ونسبوا إليهم ما ليس فيهم، وللأسف أن المؤرخين عند كتابتهم للتاريخ عن أي مدينة أو عن عالم لا يرجعون إلى أهلها أو أهله، وإلى الرجال المؤرخين في المدينة، فلذلك لا يكتبون ويدونون الحقيقة، ولا سيما عن مدينة حوث التي صارت مدرسة من المدارس العلمية الشهيرة، وهجرة علمية زاخرة عظيمة، تخرج منها العلماء والقضاة الحكام، والأدباء، والشعراء والمثقفون الباحثون، ويثبت ذلك ما سنذكره، فالمؤرخون إذا لا يتتبعون خبر هذه المدينة خصوصا، ولا يبحثون عن تدوين علمائها في كل جيل من الأجيال، فكانت هذه الأشياء من الأسباب التي دفعتني إلى الكتابة عن تاريخ مدينة حوث، والذي شجعني على العمل في تدوين تراجم علمائها وفضلائها وبيوتها هو الطلب من بعض الآباء والإخوان المهتمين بتاريخ وثقافة وتراث هذه المدينة العلمية، فقمت على ساق، وشمرت في جمع وترتيب هذا البحث على اتساق، مع قلة الحصيلة والاطلاع، ولكن أسأل المولى التوفيق والإعانة، والتحقيق بهذا العمل، وبلوغ أسمى مكانة.
صفحة ٢٠