وفي سنة اثنتي عشرة بعث الصديق العلاء بن الحضرمي إلى البحرين، وكانوا قد ارتدوا، فالتقوا بجواثي، فنصر المسلمون، وبعث عكرمة بن أبي جهل، إلى عمان، وكانوا قد ارتدوا، وبعث المهاجر بن أبي أمية إلى أهل النجير، وكانوا قد ارتدوا وبعث زياد بن لبيد الأنصاري إلى طائفة من المرتدة، وفيها مات أبو العاص بن الربيع زوج زينب بنت النبي ﷺ والصعب بن جثامة الليثي، وأبو مرثد الغنوي، وفيها بعد فراغ قتال أهل الردة بعث الصديق ﵁ خالد بن الوليد إلى أرض البصرة، فغزا الأيلة، فافتتحها وافتتح مدائن كسرى التي بالعراق صلحًا وحربًا، وفيها أقام الحج أبو بكر الصديق، ثم رجع فبعث عمرو بن العاص والجنود إلى الشام، فكانت وقعت أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة، ونصر المسلمون وبشر بها أبو بكر وهو بآخر رمق، واستشهد بها عكرمة بن أبي جهل، وهشام بن العاص في طائفة وفيها كانت وقعت مرج الصفر١، وهزم المشركون، واستشهد بها الفضل بن العباس في طائفة.
ذكر جمع القرآن
أخرج البخاري عن زيد بن ثابت قال: أرسل إلى بكر مقتل أهل اليمامة وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني لأخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن إلا أن يجمعوه، وإني لأرى أن يجمع القرآن، قال أبو بكر: فقلت لعمر: كيف أفعل شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، فرأيت الذي رأى عمر، قال زيد: وعمر عنده جالس لا يتكلم فقال أبو بكر: إنك شاب عاقل، ولا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله ﷺ فتتبع القرآن فاجمعه، فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقلت كيف تفعلان شيئًا لم يفعله رسول الله ﷺ؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة بن ثابت، لم أجدهما مع غيره: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُم﴾ إلى آخرها [التوبة: ١٢٩،١٢٨] .
فكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر رضي الله عنهما٢.
وأخرج أبو يعلى عن علي، قال: أعظم الناس أجرًا في المصاحف أبو بكر، إن أبا بكر كان أول من جمع القرآن بين اللوحين.
_________
١ مرج الصُّفَّر: كانت موقعة في السنة الثالثة عشرة من الهجرة، وهي بين الواقوصة ودمشق، وقال: إن خالد بن سعيد بن العاص استشهد فيها وقيل: إن الذي استشهد فيها ابن له.
٢ أخرجه البخاري "٤٦٧٩/٨".
1 / 62