المشايخ وقالوا: ربما كان بستان هذه المخدرة المتمولة يحل هذه المعضلة، ونهضوا، وذهبوا إلى باب قصرها، فسمعوا صرير مغزلها، فقالوا لبعضهم: إننا لن نغنم منها شيئا، إلا أنهم عرضوا الأمر عليها، فقالت تلك العجوز رحمها الله؛ أخبروني كم سيكلف بناء المسجد، لكي أكتب ذلك في شهادة الوقف، وكم سيقطع من أشجار هذا البستان لتشييد سقوف المسجد، وعن مقدار أجور الأجراء والفعلة لأدفعها.
فقال القوم: شكر الله سعيك، إن ديانتك هي التي جعلتك سخية، وجودك قد أخذ المعنى من جود معن، ولكن ما الذي دعاك إلى الغزل مع هذه الهمة والديانة التي جعلتك تقرئين الفاتحة على الشباب وتخلعين ثوب حب الدنيا وتختارين الآخرة لك عنوانا؟
فقالت: بلغني حديث عن المصطفى صلوات الله عليه [50]- وكنا قد روينا هذا الحديث في بداية هذا الكتاب عن المهلب بن أبي صفرة «1» -، وأنا أرى التبرك بهذا الحديث واجبا، والأمر الآخر، إن غاية صلاح المرأة في جلوسها، وليس هناك من عمل يعين على الجلوس إلا الغزل.
وقد بنوا هذا المسجد في التاريخ الذي كان فيه المعتمد على الله خليفة، وحاكم خراسان الأمير أحمد بن عبد الله الخجستاني. وقد رأيت المنبر الذي كتب عليه اسم أحمد الخجستاني وتاريخ سنة مئتين وست وستين، وإلى عصرنا هذا كان هناك منبر أسود مصنوع من خشب الآبنوس، وعضادتاه من خشب الجوز المصبوغ باللون الأسود، وقد أخذ- بعد ذلك- العميد عبد الرحمن بن إسماعيل بن حسين الدهان ذاك المنبر، ووضع بدلا منه المنبر الموجود الآن، وذلك في شهور سنة خمس وخمس مئة.
وقد جدد الأمير أبو الفضل الزيادي عمارة هذا المسجد بصورة لائقة، في شهور
صفحة ١٥١