وذكر عيسى بن أبان: أن الأمر بالفعل إذا كان له نهاية معلومة يجوز أن يقال فيه بالعموم حتى يقوم الدليل على الخصوص اعتبارًا بالنص العام فيما عدا الفعل، إلا أن الرواية تخالف هذا، فإن الأمر بالطلاق لامرأته أمر بفعل معلوم كله ولم ينصرف إليه إلا بينة، والجواب عن حجته ما ذكرنا أن هذا بمنزلة أسماء الأجناس، والفرق بين اسم الجنس وغيره من العام ما نذكره بعد هذا في موضعه.
وأما إذا كان الأمر بفعل لا نهاية له معلومة، كالأمر بالصلاة والصوم، فإن المأمور به، مما لا يتناهى في نفسه، وإنما نهايته بعجز الفاعل بموته، فهذا من جنس ما لا يمكن القول فيه بعمومه، وكل لأنه ليس في وسع العبد فعل كل الصيام التي هي قربة لله تعالى، ولا فعل كل الصلاة، وإذا لم يكن بوسعه ذلك لم يخاطب بتعمبم هذا الفعل بل يصير مخاطبًا بالبعض، فيصير الأمر بهذا الفعل من قبيل ما لا يمكن القول بعمومه من النصوص فيما عدا الأفعال نحو قول الله تعالى: ﴿وما يستوي الأعمى والبصير﴾ وقوله: ﴿لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة﴾ ولما انصرف إلى البعض لم يلزمنا منه إلا ما يتيقن به إلا بدليل زائد.
وأما حديث الأقرع بن حابس فالجواب عنه: أن الأقرع إنما أشكل عليه أمر تكرره، لاعتباره الحج بالصلاة والصيام، فإنه كان عرف الصلاة متكررة وقتها، وكذلك الصوم ثم وجد الحج متعلقًا بالوقت أيضًا، فأشكل عليه أمر تكرره بتكرر وقته فسأل عنه.
ولو أجيب بنعم لصار الوقت علته وتكرر بتكرره كالصلاة، فلما أجيب بالمرة في العمر تبين له أن الوقت شرط محض لجواز الأداء كالطهارة للصلاة وأن سبب الوجوب مما لا يتكرر وهو البيت على ما نبين في باب أسباب هذه العبادات.
ولأن كينونة البيت بيت الله تعالى يجوز أن يكون علة لوجوب الحج في العمر مرة، ويجوز أن يكون علة لوجوبه كل سنة أو كل شهر ككينونة النصاب في ملك الرجل يكون علة للزكاة كل سنة، فإن البقاء في زمن آخر غير الأول فإذا كان البقاء علة جاز تكرار الوجوب بتكرار البقاء، وجاز ان لا يتكرر ترفيهًا علينا ودفعًا للحرج.
1 / 43