اللغة على ما عليه حق الكلام، ولا وجود إلا بفعله صار طلبًا للفعل على وجه لا بد من وجوده، وهذا معنى الإيجاب والفرض، ولهذا فرق لغة بين الآمر والمأمور في رتبة الولاية، فكان الآمر واليًا والمأمور موليًا عليه حتى يسمى السلطان الذي له ولاية الإلزام أميرًا.
ولن موجب الأمر الائتمار لغة. يقال: أمرته فأتمر، ونهيته فانتهى، كما تقول: كسرته فانكسر وهدمته فانهدم، وعلمته فتعلم.
وإذا كان حكمًا له لم يتصور إلا واجبًا به كأحكام سائر العلل لا يتصور حكم العلة إلا واجبًا بالعلة وقد تراخى عناه بمانع أو اتصل بها.
وكان ينبغي أن يحصل الائتمار مقرونًا بالأمر حكمًا له واجبًا به إلا أنه تراخى لأن حصوله من مختار فيتراخى إلى حين اختياره، وانعدم الفعل إلى حين اختياره، وبقي الوجوب حكمًا له لأنه مما يثبت بالآمر الذي إليه الولاية حتى لما أنبأنا الله تعالى عما لا اختيار له في الإجابة أنبأ عن الائتمار مقرونًا به فقال: ﴿كن فيكون﴾ فلولا أن الأمر لإيجاد المأمور به، لما استقامت الكناية عن الإيجاد بالأمر.
وكذلك قال الله تعالى: ﴿ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره﴾ فجعل القيامة بحيث لا يجوز غيره موجب الأمر فيما لا اختيار له.
فإن قيل: أليس العبد فيما يتطوع عاملًا لله تعالى بأمره، ولم يدل على الوجوب؟
قلنا: إنه عامل لله تعالى لا بأمره بل بإذنه بأن يجعل لله تعالى ما جعله الله تعالى له من عمل تلك المدة.
والمفترض عامل لله تعالى بالأمر من حيث يوفيه ماله عليه بالأمر، كالأجير يعمل للمستأجر من حيث يوفيه ما له عليه من عمل في تلك المدة.
والمعين يعمل له من حيث يجعل له عمله بلا وجوب له عليه.
والبائع يسلم المبيع موفيًا ما عليه.
والواهب يسلم الموهوب جاعلًا للموهوب له ماله لا موفيًا ما عليه.
ولهذا سمى الله تعالى نفل الصدقة قرضًا، لأن المقرض لا يسلم ما عليه ولكن يجعل ما له للمستقرض.
ولهذا سمي خلاف الأمر فسقًا قال الله تعالى: ﴿إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه﴾، وسمي عصيانًا قال تعالى: ﴿لا يعصون الله ما أمرهم﴾ قال دريد بن الصمة:
أمرتهم أمري بمنعرج اللوا .... فلم يتبينوا الرشد إلا ضحى الغد
1 / 38