101

تقويم الأدلة في أصول الفقه

محقق

خليل محيي الدين الميس، مفتي زحلة والبقاع ومدير أزهر لبنان

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

تصانيف

والنص المعلوم ورد مخصصًا أو المجهول لما احتمل البيان بتفسيره أو بتعليله كان بمنزلة إرادة المتكلم الذي اعتبرها الشافعي رحمه الله تعالى. إلا أن النص ظاهر فاعتبر بالإجماع، والإرادة باطنة فلم نعتبرها بخلاف الاستثناء لأنه تكلم بالباقي بعد الاستثناء ويصير قدر المستثنى كأن لم يتكلم به. وإذا كان هكذا لغة على ما يأتيك بيانه في بابه وجب العمل بالباقي قطعًا لعدم دليل يعارضه بنصه أو بعلته لأن ما صار عدمًا حكمًا لا يعلل. وبخلاف الناسخ لأن الأول لما تقرر حكمه لم يجز رفعه في زماننا هذا إلا بدليل مثله، حتى لم يجز رفع الكتاب بالخبر الواحد ولا بالقياس، فإذا جاء الناسخ خاصًا فباحتمال أن يكون معلولًا لا يمكن تغيير حكم العام الذي بقي لامتناع جواز النسخ ما ثبت بالنص بعلة مجتهد فيها فأما إذا كان مخصصًا، وهو بيان أن قدر المخصوص لم يرد بالكلام لم يثبت موجب العام قطعًا، وفي معارضته حال ثبوته دليل يمنع الدخول تحته قطعًا أو احتمالًا، بل إذا ثبتت المعارضة قطعًا لم يدخل تحته قطعًا فإذا كان احتمالًا لم يمنع الدخول بل دخل على احتمال أنه خارج إذا تبين ما احتمل كما في الاستثناء، على ما مر فيمن حلف لا يكلم الناس إلا زيدًا وعمروًا أنه لا يحنث إذا كلمهما جميعًا لأن الاستثناء لبيان التكلم بالباقي بعده، فإذا وقع الشك في الاستثناء وقع في الثابت بعده فلم يثبت بالشك، فكذلك ما نحن فيه لما احتمل النص الخاص أن يكون معلولًا بعلة يعمل بها تعدى حكم الاحتمال إلى ما بقي. وبالاحتمال لا يمتنع العمل الأول ولكن اليقين يزول عنه به. وبعد التعارض يبقى ما كان ثابتًا على ما كان، لمعنى أنه كان ثابتًا فلا يزول إلا بدليل، وما كان طريق بقائه عدم الدليل لم يكن فيه يقين بوجه لأنه لا يثبت إلا بدليل وكان هذا دون الثابت بخبر الواحد والقياس، ولهذا جوزنا ترك العموم الذي ثبت خصوصه بالقياس ولم نجوز ترك موجب الخبر الواحد بالقياس. وتبين بما قلنا؛ أن هذا العموم الذي خص منه شيء ليس كقوله: ﴿وما يستوي الأعمى والبصير﴾ لأن الصيغة منه لم تنعقد موجبة للعموم لفقد المحل، فأشبه الذي فسد صيغته باستثناء بعض مجهول حتى صارت العبرة بما بقي من الصيغة. ألا ترى أنهم قالوا في الرجل إذا اشترى عبدين بألف فإذا أحدهما حر؛ كان البيع فاسدًا في الباقي، كما لو كانا عبدين فقال: إلا هذا بحصته من الألف لأن الحر ليس بمحل للبيع فسقطت صيغة النص بقدره، كما لو سقط بالاستثناء، فتكون على هذا آية البيع عامة لأنه ظاهر وقوله: ﴿وحرم الربا﴾ كلام آخر معطوف عليه وليس باستثناء، فإجمال الربا لا يوجب إجمالًا في آية البيع ولكن لا يكون موجبًا علمًا على سبيل القطع والله أعلم.

1 / 109