يقال كيف يجوز أن يقول (ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر) وذلك يدل على الماضي ثم ينفي بعد ذلك بقوله (وما هم بمؤمنين) فجوابنا انه أراد تعالى المنافقين الذين يظهرون الايمان ويبطنون الكفر وقص تعالى خبرهم لعظم مضرتهم في ثلاث عشرة آية كما أنه ذكر صفة المؤمنين في أربع آيات وصفة الكفار في آيتين فقد كانت مضرتهم أعظم في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم فكشف تعالى بذلك حالهم لئلا يغتر بهم ولكي يتحرز من مخالطتهم ودل ذلك على ان اظهار الايمان ليس بايمان وان المعتمد على ما في القلب من المعرفة وعلى هذا الوجه قال صلى الله عليه وسلم الايمان قول باللسان ومعرفة بالقلب وعمل بالجوارح.
[مسألة]
يقال كيف قال تعالى (يخادعون الله والذين آمنوا) ومعلوم ان الخداع منهم وان جاز على المؤمنين الذين لا يعرفون باطنهم فلا جائز على الله تعالى فكيف جاز أن يقول ذلك. وجوابنا ان فعلهم لما كان فعل المخادع قال تعالى ذلك وان لم يكن خداعا لله في الحقيقة ولذلك قال تعالى بعده (وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) لأن الذي فعلوه عاد بأعظم الضرر عليهم من حيث ينالهم ذلك بغتة وهم لا يشعرون.
[مسألة]
ان قيل ما معنى قوله تعالى (في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا) والمراد في قلوبهم كفر ونفاق فزادهم الله ذلك أو ما يدل على ان الكفر من خلق الله ومن قبله. فجوابنا أنه تعالى ذكر المرض ولم يذكر الكفر فحمله على ان المراد به الكفر غلط والمراد بذلك أن في قلوبهم غما أو حسدا على ما يخص الله تعالى به الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه فقد كانوا يغتاظون ويعظم غمهم ثم قال تعالى (فزادهم الله مرضا) أي غما بما يفعله بالرسول ويجدده له من المنزلة حالا بعد حال فقول من قال بحمله على الكفر غلط عظيم ولذلك قال (ولهم عذاب أليم) فان كان الله تعالى خلق ذلك فيهم كما خلق لونهم وطولهم فأي ذنب لهم حتى يعذبهم وكيف يضيف اليهم فيقول (بما كانوا يكذبون) وعلى هذا وصفهم تعالى بأنهم مفسدون في الارض وانهم السفهاء بعد ذلك وانهم (وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم).
[مسألة]
صفحة ١٥