وربما قيل في قوله تعالى (أني أخلق لكم من الطين) لا يجوز ان يكون عيسى خالقا. وجوابنا انه من حيث اللغة كل من قدر فعله ضربا من التقدير يوصف بذلك وان كان من حيث الشرع لا يطلق فيه بل يقيد كمالا يقال ان فلانا رب دون أن يقيد بذكر داره وعبده (فان قيل) أفكان يحيى الموتى كما أضافه الله تعالى إليه (قيل) له ليس كذلك لانه تعالى أضاف اليه خلق الطير من الطين ولم يضف اليه الاحياء بل قال وأحيي الموتى باذن الله فأضافه الى الله لما كان هو المحيي عند ادعائه النبوة وانما أضيف اليه من حيث كان هو السبب في ذلك. وجعل من معجزاته أيضا انه ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم لان مثل ذلك لا يعرفه الغائب الا من جهة الله تعالى فلذلك قال (إن في ذلك لآية لكم).
[مسألة]
وربما قيل في قوله (إني متوفيك ورافعك إلي) كيف يصح مع أن الله لم يتوفه بل رفعه الله. وجوابنا ان العطف بالواو لا يوجب الترتيب فرفعه الله ثم توفاه وذلك جائز أيضا أن يكون توفاه من حيث لم يشعر به ثم رفعه فأعاد حياته وربما سألوا في ذلك عن قوله (ومطهرك من الذين كفروا) وما الفائدة في ذلك. وجوابنا أن المراد يطهرك من أعمال الكفار ومن أحكامهم ومن الاضلال بهم على وجه يؤثر في حال النبوة. وربما سئل أيضا عن قوله (وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا) فقيل ما معنى ذلك ومعلوم أن من اتبعه لا شك أنه فوق الكفار. وجوابنا ان المراد أنه جعلهم فوقهم في كثير من مصالح الدنيا لان ذلك هو يصح الاشتراك فيه دون ما يتصل بأمر الآخرة مما لا يصح الاشتراك فيه بين المسلم والكافر ولذلك قال (ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون ).
[مسألة]
وربما قيل في قوله تعالى (فأما الذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدنيا والآخرة) فيقال انهم في الدنيا يتمتعون لا يلحقهم شيء من العذاب فكيف يصح. وجوابنا أن ذلك في الكفار المخصوصين في أيام عيسى عليه السلام فلا يمنع أن يلحقهم بعض عذاب الدنيا ولو لم يكن الا الذم واللعن والحدود لكان ذلك كافيا في عذاب الدنيا، والكفار في أيامنا قد يلحقهم العذاب من القتل والقتال ومن أخذ الجزية الى ما شاكله واختلفوا فقال بعضهم في أمراضهم أنها تجوز أن تكون عذابا وان كان في العلماء من يمنع ذلك.
صفحة ٦٧