وسألوا عن قوله (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم) فقالوا كيف يصح وقد يقع ذلك تعمدا. وجوابنا أن المراد أنه تعالى لا يؤاخذكم به على حد المؤاخذة بالايمان اذا كان ذلك يقع منه لا عن قصد الى عقد اليمين وان كان قاصدا الى نفس الكلام وهذا كما تعلم ان الأكل في شهر رمضان سهوا لا يؤاخذ به من حيث قصد نفسه الأول وان كان ذلك الأكل مما يقبح.
[مسألة]
وسألوا عن قوله تعالى (ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم) فقالوا كيف يصح ذلك وقد ثبت في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه تعالى لا يؤاخذ أمته بما تحدث به نفسها ما لم تعمل به. وجوابنا ان كسب القلب اذا كان من باب الاعتقاد أو من باب الارادة والكراهة يؤاخذ المرء به وانما أراد تعالى بهذا الكلام مؤاخذة الحالف على ما يقصد اليه من الايمان والمراد أيضا المؤاخذة في باب ما يلومه فيه الكفارة وليس لحديث النفس في ذلك مدخل ولا يؤاخذ المرء بحديث النفس اذا كان على وجه من التمني فانه يتمنى أن يرزقه الله تعالى مال زيد أو امرأة زيد اذا مات على الوجه المباح فالمرء الذي يعمل في ذلك عملا غير محرم لا يكون عليه في ذلك اثم.
[مسألة]
وسألوا فيما قيل (إن الصفا والمروة من شعائر الله) فقالوا جعلهما من شعائر الله وذلك يقتضي التعبد ثم قال (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) وذلك يدل على الاباحة فكيف يصح ذلك. وجوابنا ان في المتقدمين من قال أن المراد بذلك فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما كانه تعالى بين ان ذلك وان كان من الشعائر فليس بواجب وفي الناس من قال قد كان المشركون يمنعون من ذلك أشد منع فورد عن الله تعالى ازالة هذا المنع بقوله (فلا جناح عليه أن يطوف بهما) ولا يمتنع ان ذلك ينصرف الى ازالة المنع من التعبد ويقولون قد صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال اسعوا فان الله كتب عليكم السعي وقوله (ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم) عقيب ذلك كالدلالة على ان ذلك تعبد لكنه يقوي الوجه الأول في انه ليس بواجب.
وبعد فان رفع الجناح يقتضي ان ذلك ليس بقبيح ثم الكلام كيف حاله هل هو واجب أو ليس بواجب يقف على الدليل فليس في الآية تناقض كما زعموا.
صفحة ٤٥