من المعاصي لا يقع من الأنبياء (ع) من حيث يلزمهم استحقاق الذم والعقاب لكنه يجوز أن نتكلم في هذه المسألة على سبيل التقدير ونفرض أن الأمر في الصغائر والكبائر على ما تقوله المعتزلة ومتى فرضنا ذلك لم نجوز أيضا عليهم الصغائر لما سنذكره ونبينه إن شاء الله تعالى. واعلم أن جميع ما ننزه الأنبياء (ع) عنه ونمنع من وقوعه منهم يستند إلى دلالة العلم المعجز إما بنفسه أو بواسطة وتفسير هذه الجملة أن العلم المعجز إذا كان واقعا موقع التصديق لمدعي النبوة والرسالة وجاريا مجرى قوله تعالى له صدقت في أنك رسولي ومؤد عني فلا بد من أن يكون هذا المعجز مانعا من كذبه على الله سبحانه في ما يؤديه عنه لأنه تعالى لا يجوز أن يصدق الكذاب لأن تصديق الكذاب قبيح كما أن الكذب قبيح فأما الكذب في غير ما يؤديه عن الله وسائر الكبائر فإنما دل المعجز على نفيها من حيث كان دالا على وجوب اتباع الرسول وتصديقه فيما يؤديه وقبوله منه لأن الغرض في بعثة الأنبياء (ع) وتصديقهم بالإعلام المعجز هو أن يمتثل ما يأتون به فما قدح في الامتثال والقبول وأثر فيهما يجب أن يمنع المعجز منه فلهذا قلنا إنه يدل على نفي الكذب والكبائر عنهم في غير ما يؤدونه بواسطة وفي الأول يدل بنفسه فإن قيل لم يبق إلا أن تدلوا على أن تجويز الكبائر يقدح فيما هو الغرض بالبعثة من القبول والامتثال قلنا لا شبهة في أن من نجوز عليه كبائر المعاصي ولا نأمن منه الإقدام على الذنوب لا تكون أنفسنا ساكنة إلى قبول قوله أو استماع وعظه كسكونها إلى من لا نجوز عليه شيئا من ذلك وهذا هو معنى قولنا إن وقوع الكبائر ينفر عن القبول والمرجع فيما ينفر وما لا ينفر إلى العادات واعتبار ما تقتضيه وليس ذلك مما يستخرج بالأدلة والمقاييس ومن رجع إلى العادة علم ما ذكرناه وأنه من أقوى ما ينفر عن قبول القول فإن حظ الكبائر في هذا الباب لم يزد على حظ السخف والمجون والخلاعة ولم ينقص منه فإن قيل أفليس
صفحة ٤