القوم دفعوا النص وخالفوا موجبه وهم مع ذلك على أحوال السلامة المعهودة منهم التي تقتضي من الظنون بهم أحسنها وأجملها على أنا لا نسلم أنه صلى الله عليه لم يقع منه إنكار على وجه من الوجوه فإن الرواية متظافرة بأنه (ع) لم يزل يتظلم ويتألم ويشكو أنه مظلوم ومقهور في مقام بعد مقام وخطاب بعد خطاب وقد ذكرنا تفصيل هذه الجملة في كتابنا الشافي في الإمامة وأوردنا طرفا مما روي في هذا الباب وبينا أن كلامه (ع) في هذا المعنى ترتب في الأحوال بحسب ترتبها في الشدة واللين وكان المسموع من كلامه (ع) في أيام أبي بكر سيما في صدرها وعند ابتداء البيعة له ما لم يكن مسموعا في أيام عمر ثم صرح (ع) وبين وقوى تعريضه في أيام عثمان ثم انتهت الحال في أيام تسليم الأمر إليه إلى أنه (ع) ما كان يخطب خطبة ولا يقف موقفا إلا ويتظلم فيه بالألفاظ المختلفة والوجوه المتباينة حتى أشرك في معرفة ما في نفسه الولي والعدو والقريب والبعيد وفي بعض ما كان (ع) يبديه ويعيده إعذار وإفراغ للوسع وقيام بما يجب على مثله ممن قل تمكنه وضعف ناصره فأما محاربة أهل البصرة ثم أهل صفين فلا يجري مجرى التظاهر بالإنكار على المتقدمين عليه (ع) لأنه وجد على هؤلاء أعوانا وأنصارا يكثر عددهم ويرجى النصر والظفر بمثلهم لأن الشبهة في فعلهم وبغيهم كانت زائلة عن جميع الأماثل وذوي البصائر ولم يشتبه أمرهم إلا على أغنام وطغام لا اعتبار بهم ولا فكر في نصرة مثلهم فتعين الغرض في قتالهم ومجاهدتهم للأسباب التي ذكرناها وليس هذا ولا شيء منه موجودا فيمن تقدم بل الأمر فيه بالعكس مما ذكرناه لأن الجمهور والعدد الجم الكثير كانوا على موالاتهم وتعظيمهم وتفضيلهم وتصويبهم في أقوالهم وأفعالهم فبعض للشبهة وبعض للانحراف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) والمحبة لخروج الأمر
صفحة ١٣٧