التنوير شرح الجامع الصغير

الأمير الصنعاني ت. 1182 هجري
99

التنوير شرح الجامع الصغير

محقق

د. محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم

الناشر

مكتبة دار السلام

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٣٢ هـ - ٢٠١١ م

مكان النشر

الرياض

تصانيف

التألم لقتله، وذم من قتله ولم يحمل الرأس إليه، وإنما حمل إلى ابن زياد. والمأخذ الثاني: أنه قد ثبت في صحيح البخاري (برقم (٢٩٢٤) عن ابن عمر، أن رسول الله ﷺ قال: "أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتي يَغْزُونَ الْبَحْرَ قَدْ أَوْجَبُوا ... مغفور له". وأول جيش غزى القسطنطينية كان أميره يزيد. والتحقيق أن هذين القولين يسوغ فيهما الاجتهاد، وكذلك محبة من يعمل حسنات وسيئات، بل لا يتنافى عندنا -أي عند شيخ الإِسلام- أن يجتمع في الرجل الحمد والذم، والثواب والعقاب، كذلك لا يتنافى أن يصلى عليه ويدعى له وأن يلعن ويشتم أيضًا باعتبار وجهين. فإن أهل السنة متفقون على أن فساق أهل الملة وإن دخلوا النار، أو استحقوا دخولها فإنهم لا بد أن يدخلوا الجنة، فيجتمع فيهم الثواب والعقاب، ولكن الخوارج والمعتزلة تنكر ذلك، وترى أن من استحق الثواب لا يستحق العقاب ومن استحق العقاب لا يستحق الثواب (١). وأما جواز الدعاء للرجل وعليه ... فإن موتى المسلمين يصلى عليهم، برهم وفاجرهم، وإن لعن الفاجر مع ذلك بعينه أو بنوعه، لكن الحال الأول أوسط وأعدل، وبذلك أجاب ابن تيمية ﵀ مقدم المغول بولاي، لما قدموا دمشق في الفتنة الكبيرة وجرت بينهما وبين غيره مخاطبات، فسأل ابن تيمية: ما تقولون في يزيد؟ فقلت: لا نسبه ولا نحبه، فإنه لم يكن رجلًا صالحا فنحبه ونحن لا نسب أحدا من المسلمين بعينه فقال أفلا تلعنونه؟ أما كان ظالمًا؟ أما قتل الحسين؟ فقلت له: نحن إذا ذكر الظالمون -كالحجاج بن يوسف وأمثاله- نقول كما قال الله في القرآن: ﴿أَلَا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨)﴾ [هود: ١٨]، ولا نحب أن نلعن أحدًا بعينه، وقد لعنه قوم من العلماء، وهذا مذهب يسوغ فيه الاجتهاد،

(١) مجموع الفتاوى (٤/ ٢٩٧).

1 / 104