فإن قلت إن جميع ما ذكرته هو حجة عليك لا لك ؛ لأنه إذا كان كل هؤلاء عرف طاعة الله و الكفر و الإيمان ، و الطير عرفت الشيطان و غير ذلك ، أفلا يعرف الإنسان ، و هو أعقل[132/ب] و أجمل للعبادة كما ذكرت حتى يعلم البعث و الحساب و الثواب و العقاب ؟ فنقول : لم يتعبد الله خلقا من خلقه بشيء من عبادته إلا بما علمه إياه منها ، و أقدره عليها ، و كذلك الإنسان لا يتعبده بشيء بتحقيق علم لم يتضح له دليل يوصله إلى تحقيقه ، و أما إذا عرفه و حققه في نفسه بإلهام من الله له في قلبه لزمه على كل حال ، و إنما كلامنا لم يستطع أن يحقق علم ذلك في نفسه[70/أ] ، و لا سمع به ، و قد خطر بباله و لم ينكر ، و لكنه وقف على شكه ، و لم يعلم أن لله عبادة منها [124/ج] أنه يلزمه السؤال أن يعتقد ذلك ، و قد علم الله صدق رغبته و علمه في طاعته ، فالله أكرم من أن يعذبه عذابا أبدا خالدا [......] (¬1)
فإن قلت : أراك أن تحقيق العلوم لا تقوم به الحجة إلا بالسماع ؛ لأن الأمر فيه في وجوبه عليه انتهى إلى السماع و بالسماع ، فأقول لا أقول أنه لا تقوم بمعرفته الحجة إلا بالسماع ، و لكني أقول بما أراه حقا و لا أحيد عنه أن هذا مما تقوم به الحجة من العقل بعد السماع به ، ولا يعذر فيه بعد ذلك من كل من عبر له ذلك ، و متى خطر بباله ذلك و شك و اعتقد أن هدي إليه و إلا فعلى نيته في الجملة أنه لا يعصى تنجيه من الهلاك إلى أن تقوم عليه الحجة ، أما بإلهام من الله له في تحقيق ذلك ، و إما بمعبر يعبر له فتقوم عليه الحجة من عقله بعد ذلك ، و لا ينفس له في الشك حتى يسأل، و أما قبل أن تقوم عليه الحجة ، و لم[133/ب] يهتد إلى سؤال فعلى ما ذكرنا ، إذ ليس له طاقة غير ذلك ، و لا يكلف الله نفسا إلا وسعها .
¬__________
(¬1) سقط في جميع المخطوطات بمقدار كلمتين .
صفحة ١٦٤