إذ ليس هناك من يطردها لبُعد الحادي عنها، فكأنها قد أهدت إلى الغربان العراضة، وهي الهدية على ما ذكره أبو علي ﵀ قد زاد في تخصيصها بعض اللغويين فقال: العراضة: هدية القادم خاصة. والحذيا: هدية المبشر خاصة؛ وأنشد أبو العباس ﵀ في هذا المعنى:
قَد قُلتُ قولا للغراب إذ حَجَلْ ... عليك بالقُودِ المسَانِيفِ الأُوَلْ
تَغّذ ما شئتَ على غير عَجَلْ ... التمر في البئر وفي ظَهر الجَملْ
قال أبو العباس: سألت ابن الأعرابي - رحمهما الله - أي شيء يقول؟ قال: يقول: يا غراب، إن أفنيت ما عليها من التمر، فإن الماء إذا استقى من البئر على ظهر الجمل خرج الرُّطب وجاء التمر.
* * * في " ص ١٢٤ س ١٤ " وأنشد أبو علي ﵀:
رَفَعْنا الخُمُوش عن وُجُوه نسائِنا ... إلى نِسْوةٍ منهم فأبْدَيْنَ مِجْلَدَا
وقال: قال أحمد بن يحيى ﵀: هذا رجل قتل من قومه قتلى فكان نساؤه يخمشن وجوههن عليهم، فأصابوا بعد ذلك منهم قتلى، فصار نساء الآخرين يخمشن وجوههن عليهم. يقول: لما قتلنا منهم قتلى بعد القتلى الذين قتلوا منا حوَّلنا الخموش عن وجوه نسائنا إلى وجوه نسائهم. قال: وهذا مثل قول عمرو بن معد يكرب:
عَجَّتْ نساءُ بني زُبَيُدٍ عَجَّةً ... كَعجِيجِ نِسْوَتِنا غَداةَ الأرْنَب
قال: العجة: الصوت. والأرنب: موضع. انتهى ما ذكره أبو علي ﵀.
البيت الذي أنشد لعمرو بن معد يكرب مغيَّر لا يصحّ، لأن عمرًا زبيدي من بني زبيد بن الصعب بن سعد بن مذحج، فكيف يقول: عجَّت نساء بني زبيد عجَّة كعجيج نسوتنا. ونساء بني زبيد هنَّ نساؤه؛ وإنما هو: عجَّت نساءُ بني زياد. وبنو زياد: بطنٌ من بلحارث ابن كعب.
وكان من خبر هذا الشعر أن جرما ونهدًا كانتا في بني الحارث مجاورتين، فقتلت جرم رجلا من أشراف بني الحارث يقال له: معاذ بن يزيد، فارتحلوا فتحوالوا في بني زبيد رهط عمرو، فخرجت
1 / 48