قلب أبو علي ﵀ مذهب العرب؛ وإنما يقولون: " لا والذي أخرج قوبًا من قابية " أي فرخا من بيضة. فالقوب: الفرخ والقابية: البيضة؛ وإنما لبس على أبي علي ﵀ قولهم: " تخلصت قابية من قوب " وهو مثل من أمثالهم، أي تخلصت بيضة من فرخ. وأصل هذا من قولهم: تقوَّب الشيء إذا تقلع وانفطر، وقوَّبته تقويبًا. ومنه اشتقاق القوباء لتقلع الجلد عنها.
* * * وفي " ص ١٠٣ س ٧ " قال أبو علي ﵀: قال الله ﵎: (وَإذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا) أي كثَّرنا. وقال أبو عبيدة ﵀: يقال: خير المال سكة مأبورة، ومهرة مأمورة؛ فالمأمورة: الكثيرة الولد من آمرها الله، أي كثّرها. وكان ينبغي أن يقال: مؤمرة؛ ولكنه أُتبع مأبورة. والسِّكَّة: السَّطر من النخل، وقال الأصمعي ﵀: السِّكَّة: الحديدة التي تُفلح بها الأرضون. والمأبورة: المصلحة، يقال: أبرت النخل آبره أبرًا إذا لقَّحته وأصلحته. قال: وقد قرئ: (أَمَّرْنا مُتْرَفيها) على مثال فعَّلْنا.
هذا كلام من يعتقد أن القراءة المشهورة آمرنا بالمدّ، وأنّ أمرنا بالقصر شاذَّة. ولا اختلاف بين الأئمة السبعة - رضوان الله عليهم - في قراءتها أمرنا بالقصر على مثال فعلنا. وهذه هي القراءة المقدمة والأصل. ويقال في غيرها من الشواذّ: وقد قرئ كذا. ومعنى قراءة الجماعة: أمرناهم بالطاعة ففسقوا، كما تقول: أمرتك فعصيتني؛ وقد عُلم أن الله سبحانه لا يأمر إلا بالعدل والإحسان، كما قال تعالى في مُحكم كتابه. وقيل: معنى أَمرنا وآمرنا واحد، أي كثرنا؛ وقد أورد ذلك أبو علي إثر هذا عن ابن كيسان - رحمهما الله - وهو مروي عن جلة اللغويين، والشاهد لصحته قول النبي ﷺ الذي نسبه أبو علي إلى أبو عبيدة - رحمهما الله - ولا ينبغي لعالم أن يجهل مثل هذا؛ وذلك قوله: " خير المال سكة مأبورة ومُهرة مأمورة " وحمل حديث النبي عليه أفضل السلام على هذه اللغة الفصيحة أولى من حمله على أنه أراد أن يتبعه ما قبله، لأنه لم يكن من المتكلفين ﷺ. وقراءة الجماعة هي المروية عن الصحابة والتابعين - رضي الله
1 / 42