بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين. قال الشيخ الفقيه الإمام القاضى العالم الفاضل أبو عبد الله محمد بن علي بن خضر بن هارون الغساني :
الحمد لله متمم النعم والإحسان ومعلم الحكم للإنسان المطلق، من عقال الجهل والمنطق بالمقال الصعب والسهل، الذى نور بكتابه القلوب وأنزله بأوجز لفظ وأعجز أسلوب، فجمع فيه علم من مضى من الأمم وعبر، وأبدع في الوصف عن كل قصة واقعة فيه وخبر، فعلومه شتى، وكل مطلوب من المعارف به يتيسر ويتأتى، فتفاوتت فيه الأذهان، وتسابقت في النظر فى معانيه مسابقة الرهان، فمن سابق بفهمه وراشق كبد الرمية بسهمه، وآخر رمى فأشوى وخبط في النظر عشواء، وكل ذلك بتوفيقه تعالى وتقديره، وتسهيله وتيسيره .
والصلاة على محمد رسوله المخصوص بالطهارة المنصوص على إرساله إلى الناس كافة بالبشارة والنذارة، المعروفة أمته بالتغرير والتحجيل ، (1) الموجودة صفاته وأسماؤه مكتوبة في التوراة والإنجيل ، المسمى بالرءؤف الرحيم، الآخذ يحجز الأمة وهي تتهافت في الجحيم، الذي أوجب الله تعالى الاقتداء به والائتمام ، وضرب عليه السلام مثله ومثل الأنبياء قبله بالبنيان الناقص فكان هو لبنة التمام، وعلى آله صلاة متصلة بالبقاء والدوام، مترددة عليه وعلى أصحابه البررة الكرام ، ما سجع الحمام وانتجع (2) الروض الغمام ، وسلم تسليما .
أما بعد :
فإن أول ما وجب الدؤب عليه، وصرف عنان النظر إليه : كتاب الله تعالى الذى هو العصمة الواقية والنعمة الباقية والحجة البالخة، والدلالة الدامغة، الذى حتوى على علم الأولين والآخرين، وحفظ من إبطال الملحدين وإفساد الساحرين .
فهو العروة التى لا تفصم، والحبل الذي من تمسك به يمنع ويعصم، وإن
صفحة ١٧
من أشرف علومه وأطرف مفهومه علم ما أبهم فيه ، من أسماء الذين نزلت في اوصافهم الآيات، وكانوا سببا لما فيه من الأخبار والحكايات وقد أبدع في التصنيف في هذا الغرض وبادر إلى أداء هذا المفترض : شيخ شيوخنا وأستاذ أستاذينا ومعلم معلمينا، العالم الأجل والإمام الأكمل أبو زيد عبد الرحمن بن بى الحسن السهيلي رضوان الله عليه، فإنه جمع فيه كتابه المسمى بكتاب التعريف والإعلام بما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام .
فهو وإن كان ضئيلا حجمه، فقد أشرق في الإبداع نجمه، وإني لم أزل منذ وأيت مبناه وفهمت مقصده الشريف، ومنجاه أرتشف من حياضه وأقتطف من ازهار رياضه، وكلما طالعت غيره من كتب التفاسير والأخبار، أو لاحظت سواه من تصانيف العلماء والأحبار، فيقع إلي اسم قد أبهم في الكتاب العزيز لفظه، واشتهر عند علماء الإسلام نقله وحفظه ، وأجد الشيخ رضى الله عنه قد أغفله ولم يحل مقفله، ألحقه من كتابه في الطرر، وأضيف جوهره إلى تلك الدرر؛ حرصا على أن تعظم الفائدة لمن استفاد، وتبقى الفائدة بعد النفاد، حتى اجتمع لي منها بحمد الله تعالى جملة وافرة، ولاحت عن وجه المقصد سافرة فاستخرت الله تعالى واستعنته على أن أجمعها فى كتاب يكون لكتاب الشيخ رضى الله عنه تكملة، وتضحى به الفائدة مشتملة، وأبرأ في ذلك من تعاطى المعارضة أو تعسف المناقضة .
وكيف وكل ما استفدته من شيوخي رضي الله عنهم الذين أعتمد عليهم وأسند ما أورده إليهم، إنما هو قطرة من بحره الزاخر، ومعدود فيما له من الفضائل والمفاخر ، فجميع ما آتيه من ذلك وأبديه، إنما هو في الحقيقة مصروف إليه وموقوف عليه ، إلا أن يكون خطأ أو وهمأ، أو لم أحسن فيه نظرا ولا فهما، فدرك ذلك على ، وعيبه راجع إلي ، لما أنا عليه من التقصير والباع القصير.
والله تعالى ينفع بما قصدته من ذلك ويخلصه لوجهه ويرزقنا فهم آياته، وتدبر معاني كتابه بمنه وكرمه .
وأسوق ذلك بحول الله تعالى على سور القرآن، ولا أذكر من الآيات إلا ما لم يجر لها في كتاب الشيخ ذكر، إلا أن يكون فيما ذكره تنبيه يحتاج إليه، بأنبه بقدر الاستطاعة عليه، والله المخلص والمعين، وعليه أتوكل وبه أستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، عليه توكلت وهو رب العرش العظيم .
صفحة ١٨
نيورة او القيراخ
قد تكلم الشيخ رضي الله عنه على المبهمة أسماؤهم في هذه السورة، ورأيت أن أذكر من فوائدها ما يقرب من غرضنا، وهو الكلام على أسماء معنى من معانيها، وفائدة من فوائدها، فمنها: أم القرآن، وهي تسمى بذلك لاشتمالها على المعاني التى في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهى، ومن الوعد والوعيد والدعاء، ولهذا قال أبو بكر ابن العربي : (1) إنها عشرون كلمة تضمنت جميع علوم القرآن. وقد قيل إنها سميت بذلك لأنها مبدأ القرآن وأصله، وأم كل شىء: أصله . قال العجاج (2) ما عندهم من الكتاب أم .
ومنها: سورة الحمد، والفاتحة، وسورة الصلاة، والمثانى، ومعانيها ظاهرة. أما سورة الحمد، فلأنها مفتتحة بحمد الله تعالى.
وأما الفاتحة: فلأنها يفتح بها القرآن أو الصلاة، وأما سورة الصلاة فلأنها لا تجزئ الصلاة أو لا تكمل إلا بها .
وأما المثانى: فلأنها تثنى في كل ركعة ، . ومن أسمائها : سورة الشفاء والشافية؛ وذلك والله أعلم لما وقع فى صحيح (3) مسلم ، وغيره من قصة اللديغ الذي رقاه أحد الصحابة رضى الله عنهم بأم القرآن فبرأ، وهذا إتمام الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما كان يدريك أنها رقية .
وقد حدثنى غير واحد من شيوخي رضي الله عنهم ، منهم الأستاذ الأجل أبو على الرندي(4) وغيره، عن أبي القاسم(5) بن بشكوال عن أبي
صفحة ١٩
م حمد بن عتاب عن أبي عمر النمري عن أبى عمر احمد بن عبد الله عن الحسن بن إسماعيل عن عبد الملك بن بحر الجلاب عن محمد بن إسماعيل الصائغ قال : حدثنا سعيد بن منصور، قال : حدثنا سلام الطويل عن زيد العمي عن ابن سيرين عن أبى سعيد الخدري أن رسول الله
لى الله عليه وسلم قال : « فاتحة الكتاب شفاء من السم ».
ومن أسمائها: سورة الكنز، لما روى أنها أنزلت هى وأواخر سورة البقرة من كنز تحت العرش .
ومن أسمائها الواقية، لأنها تقى من العذاب كما، روي عن رسول الله
الله عليه وسلم قال : « إن العذاب لينزل بالقوم فيقرأ صبي من صبيانهم: الحمد لله رب العالمين، فيرفع عنهم أربعين سنة والله أعلم .
فصل
وينبغى أن نذكر هنا لقربه من غرضنا قوله تعالى : {الرحمن الرحيم} وذلك لاختلاف الناس في «الرحمن» : هل هو اسم علم ؟ أو صفة، جارية ؟
فقد ذهب بعض الناس إلى أنه اسم علم منقول من صفة، كالحارث والعباس ، واستدل قائل هذا القول بأنه ورد غير تابع لما قبله في مواضع كثيرة ورد الشيخ أبو على رحمه الله ذلك، بأن الصفة قد ترد مقامه مقام الموصوف فيستغنى عن ذكره، واستدل أنه صفة بجريانه على اسم الله تعالى .
قال : ولا يصح أن يكون على البدل، لأن الأول أبين وأشهر، والبدل بالعكس، فلم يبق إلا أن يكون صفة، وهو مذهب الشيخ أبى زيد رحمه الله، فإذا ثبت أنه صفة فهو للمبالغة ، {والرحيم } أيضا صفة مبالغة . فذهب أكثر الشيوخ إلى أن «الرحمن» أبلغ من «الرحيم» وبهذا قال شيوخنا وأكثر من تقدمهم، ونص عليه الزمخشري في تفسيره .
واحتج الأستاذ أبو زيد رضى الله عنه لذلك، أنه ورد على لفظ التثنية والتثنية تضعيف، فكأن البناء تضاعفت فيه الصفة ، وذكر أبو بكر الأنباري في
صفحة ٢٠
كتاب الزاهر قال : الرحمن: الرقيق، والرحيم، أرق من الرحمن، فهذا خلاف لما تقدم، وحكى عن قطرب(1) انه قال : المعنى فيهما واحد وجمع بينهما للتوكيد، وقال ثعلب(2) : الرحمن عبراني، وأصله يا رخمان، وأنشد الجرير :
الن تدركوا المجد أو تثروا عبادكم
بالخز أو تجعلوا التنوم(3) ضمرانا (4)
هل تتركن إلى القسين هجرتكم
ومسحكم صلبهم رخمان قربانا(5)
قال : فلما نقل إلى العربية اتبع الرحيم ، لأنه لفظ عربي ، ليكون بيانا له .
قال المؤلف رحمه الله : والذي يقوى عندي من هذه الوجوه كلها والله أعلم أن الرحيم أبلغ من الرحمن في الوصف؛ لوجوه منها :
أن الرحمن جاء متقدما على الرحيم، ولو كان أبلغ من الرحيم لكان متأخرا عنه ، لأنهم فى كلامهم إنما يخرجون من الأدنى إلى الأعلى، ويترقون من لأقل إلى الأكثر، فيقولون : فقيه عالم، وشجاع باسل، وجواد فياض، ولا يعكسون هذا لفساد المعنى، وذلك أنه لو تقدم الأبلغ لكان الثانى داخلا تحته ، فلم يكن لذكره معنى.
ومنها : أن أسماء الله تعالى إنما يقصد بها المبالغة فى حقه والنهاية في صفاته وأكثر صفاته تعالى جاءت على فعيل، كرحيم وقدير وعليم وحكيم، وما لا يأخذه الحصر، ولم يأت على فعلان إلا القليل، ولو كان فعلان أبلغ لكانت صفات الباري تعالى عليه أكثر .
ومنها : أنه إن كانت المبالغة فى فعلان من جهة موافقة لفظ التثنية كما قال
صفحة ٢١
الشيخ رضي الله عنه، ففعيل من أبنية الجمع الكثير ، كعبد وعبيد وكلب كليب، ولا شك أن الجمع أكثر من التثنية، فصح هذا المذهب إن شاء الله .
وإليه أشار ابن الأنباري بقوله المتقدم، وقد أشار إليه ابن عزيز (1) في غريبه فقال : رحمن ذو الرحمة، ورحيم عظيم الرحمة .
وأما قول قطرب أن المعنى فيهما واحد ففاسد، لأنهما لو تساويا في المعنى، التساويا في التقديم والتأخير، وهذا ممتنع فيهما، فدل على امتناع التساوي في المعنى. والله أعلم .
وأما قول ثعلب فظاهر الفساد، لأن الرحمن معلوم الاشتقاق، جار على أبنية الأسماء العربية، كغضبان وسكران، والعبرانى لا يعلم له اشتقاق ولا يجري على أبنية العربي في الاكثر، والله أعلم .
فصل
ولو أفرد عن الألف واللام لم يصرف في القولين، لثبات الألف والنون والزائدتين في آخره، مع العلمية أو الصفة .
فإن قلت : وهل تمتنع فعلان صفة من الصرف إلا إذا كان مؤنثآه فعلى ، كغضبان وغضبي، وما لم يكن مؤنثه فعلى ينصرف كندمان وندمانة؟ فالجواب: إن هذا وإن لم يكن له فعلى فليس له فعلان، لأنه اسم مختص بالله تعالى فلا مؤنث له من لفظه، فإذا عدم ذلك رجع فيه إلى القياس ، وكل ألف ونون زائدتين فهما محمولتان على منع الصرف، والله أعلم .
تنبيه : على بعض ما ذكره الشيخ رضى الله عنه في هذه السورة. تكلم على معنى قوله تعالى: {أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) وحكى أن المشار إليهم بقوله : أنعمت عليهم هم المذكورون فى سورة النساء، قال المؤلف رضى الله عنه : وهذا مروي عن ابن عباس رضى الله عنه ، وعليه جمهور المفسرين، وقد قيل فى ذلك أنهم المؤمنون على العموم .
وقيل : إنهم أصحاب النبي . وقيل : إنهم مؤمنو بني إسرائيل خاصة. واحتج صاحب هذا القول بقوله تعالى : {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي
صفحة ٢٢
أنعمت عليكم }(1). وذكر في المغضوب عليهم أنهم اليهود، وفي الضالين أنهم النصارى، واحتج بالآيتين . قال المؤلف رضى الله عنه : وهنا سؤال ، وهو أن يقال : أليس اليهود على ضلالة كالنصارى فلم خصهم بالغضب ؟ والجواب : إنهم وإن تساووا في الضلال، فأفعال اليهود وأقوالهم مع كثرة الآيات عندهم وظهور المعجزات قبلهم، توجب الغضب فخصوا به والنصارى فى ذلك أقل أفعالا فبقي عليهم اسم الضلالة خاصة، والله أعلم . وقدم ذكر اليهود على النصارى لتقدم زمانهم عليهم والله أعلم . وذكر أن اليهود سموا بيهوذا بن يعقوب . وقيل : إنهم سموا بقولهم *إنا هدنا اليك *(2) أي تبنا وقيل: هو اسم علم لهم. وذكر أن النصارى سموا بناصرة قرية بالشام . قيل إنهم سموا بذلك بقولهم : {نحن أنصار الله }211 ، وواحدهم قيل فيه : نصران كندمان، وقيل : نصري وقيل : نصراني .
لبعكر البقرة فيها مما لم يذكره الشيخ رضي الله عنه تسع وثلاثون آية .
الآية الأولى
قوله تعالى: { إن الذين كفروا سواء عليهم ) (4)الآية . روي عن ابن عباس رضي الله عنه أنها نزلت في حيي بن أخطب وكعب بن
صفحة ٢٣
الأشرف اليهوديين، وقال الربيع بن أنس: نزلت فيمن قتل يوم بدر من المشركين، والله أعلم .
الآية الثانية
قوله تعالى: * ومن الناس من يقول آمنا بالله}.(1) هم المنافقون عبد الله بن أبي بن سلول وأصحابه {كما آمن الناس)(2) هم أصحاب النبي، وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : هم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم أجمعين. وقد قيل إنهم مؤمنو أهل الكتاب .
الآية الثالثة
قوله تعالى: (وقودها الناس والحجارة } . (33)
قيل: هى الكبريت، وخصت بذلك لأنها تزيد على الأحجار بخمسة أنواع سرعة الإتقاد ونتن الرائحة وكثرة الدخان وشدة الإلتصاق بالأبدان وقوة حرها إذا حميت. وقيل : هى على الإطلاق وقرنت بالناس لأنهم قرنوا أنفسهم بها حيث عبدوها من دون الله، فهي كقوله تعالى: *إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} (4)
الآية الرابعة
قوله تعالى: { إنى جاعل فى الأرض خليفة)
(5)
الخليفة آدم عليه السلام: والأرض: روى ابن سابط عن النبي ، أنها مكة؛ لأن الأرض دحيت من تحتها، وأنها مقر من هلك قومه من الأنبياء، وأن قبر نوح وهود وصالح بين الركن والمقام ، حكاه أبو محمد بن عطية في كعسيره7). واتدا أعلم .
صفحة ٢٤
الآية الخخامسة
قوله تعالى: {وعلم آدم الأسماء كلها}.(1) قيل: هى أسماء كل شىء وقيل : أسماء الملائكة، وقيل: أسماء الأشياء ومنافعها، والله أعلم .
الآية السادسة
قوله تعالى: {وتكتموا الحق وأنتم تعلمون}. (2) المخاطبة هنا لليهود. والحق: قيل : هو محمد ص وهو ظاهر، لأنهم كتموه وهم يعلمون أنه حق، لصفاته الموجودة عندهم في كتابهم .
الآية السابعة
قوله تعالى: {وإذ فرقنا بكم البحر }(3) كنية البحر أبو خالد، حكى سنيد في تفسيره أن موسى عليه السلام، لما انتهى إلى البحر قال له : إنهي أبا خالد ويحتمل - الله أعلم - أن يكون كني بذلك لطول بقائه واتصال زمانه، وإن كان لا بد له من الفناء والتغيير، وهذا كقوله تعالى: {ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها )(4)، على مذهب أهل الحق الذين لا يرون الخلود الأبدي لمن قال : لا إله إلا الله ، لما روي في ذلك من الأخبار الصحيحة، وأنه يخرج بالشفاعة من النار من كان فى قلبه مثقال حبة من إيمان . فالخلود في الآية إنما هو كناية عن طول المدة، وإن كانت تنقطع ، كما يقال في الدعاء : خلد الله أمرك، إنما معناه أدامه، وإن كان معلوما أنه ينقطع فلهذا كناه بأبى خالد، والله أعلم . وأما البحر فاشتقاقه فيما ذكره أبو بكر ابن الأنباري من : بحرت الناقة إذا شققت أذنها، ومنه البحيرة فكأن البحر شق الأرض فسمى بذلك، والله أعلم.
صفحة ٢٥
لآية الثامنة
قوله تعالى: {وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة }(1) هى ذو القعدة وعشر من ذي الحجة . وخص الليالى بالذكر لأن التاريخ بها ، والأيام تابعة لها .
الآية التاسعة
قوله تعالى: {فقلنا اضرب بعصاك الحجر}(2) فيل : إن الحجر كان من رخام، وكان ذراعا في ذراع، وقيل : كان مثل أس الإنسان . وقيل : كان من الجنة أهبطه آدم ، فلم يزل يتوارث إلى أن صار إلى شعيب، فدفعه لموسى مع العصى. وقيل : هو الحجر الذي فر بثوبه حين اغتسل لما كان بنو إسرائيل قد رموه به ، والله أعلم .
الآية العاشرة
قوله تعالى: { إن الذين آمنوا والذين هادوا }(3) الآية. فيل : إنهم أهل الحنيفية الذين لم يلحقوا الإسلام ، كزيد بن عمرو بن نفيل وقس بن ساعدة، وورقة بن نوفل، وقيل : هم أصحاب سليمان المذكورون في قصته، والله أعلم .
الآية الحادية عشرة
قوله تعالى: {ومنهم أميون } الآية (4) قيل : المراد بهم المجوس، حكاه المهدوي (5) ، سموا أميين لأنهم لم يؤمنوا بأم الكتاب وهذا غير صحيح ، لأن غيرهم من الأمم الكفار لم يؤمنوا بأم الكتاب
صفحة ٢٦
وإنما الأمى منسوب إلى الأم، كأنه لم يزل على جهله بالذي كان عليه إذا كان في حجرها، ولم يتعلم القراءة ولم يطالع الكتب .
وقد ذكر الشيخ في سورة الأعراف والله أعلم .
الآية الثانية عشرة
قوله تعالى: *( وما أنزل على الملكين }(1،
قرئ بفتح اللام ، وعليه الأكثر، والمراد بهما هاروت وماروت، وقيل : جبريل، وميكائيل ، وقرأ الحسن بكسرها، ويكون المراد بها على هذا في قول بعض المفسرين : داود وسليمان عليهما السلام .
فعلى القراءة الأولى والتأويل الأول ، يكون هارون وماروت في الآية عطف بيان على الملكين أو بدلا، وعلى القراءة الثانية والتأويل الثانى يكون على إعراب آخر، قال أبو محمد بن عطية فى تفسيره(2) : فيكون هاروت وماروت على قراءة الكسر بدلا من الشياطين في قوله { ولكن الشياطين كفروا} ، ويكون الجمع في يعلمون والمراد به التثنية، أو على أنهما وأتباعهما يعلمون وهذا عندى فيه نظر لأنه إذا كان هاروت وماروت بدلا من الشياطين فقد أخبر عنهما بالكفر وقد قال تعالى بعد ذلك : {وما يعلمان من احد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر ) فنهيهم عن الكفر يدل على خروجهم منه ، والأظهر والله أعلم أن يكونا منصوبين على إضمار فعل ، كأنه قال : واذكر هاروت وماروت، ثم استأنف الكلام عنهما، فقال : {وما يعلمان من أحد } . والله أعلم .
ويحتمل أن يكونا بدلا من بابل على حذف مضاف، كأنه قال : ببابل موضع هاروت وماروت، وأن يكونا بدلا من السحر في قوله: {يعلمون الناس السحر} أي سحر هاروت وماروت، ثم حذف، ويحتمل أن يكون الملكان بالكسر هما الملكان بالفتح وسماهما ملكين لأنهما أنزلا إلى الأرض ليحكما بين الناس ، والكلام في هذه الآية يتسع وقد جمعته في غير هذا والححمد لله .
صفحة ٢٧
الآية الثالثة عشرة
قوله تعالى: { وقالت اليهود ليست النصارى على شىء
وقالت النصارى ليست اليهود على شىء} قائلها من اليهود رافع بن حريملة، ومن النصارى رجل من أهل نجران ذكره بن إسحاق، والله أعلم .
الآية الرابعة عشرة
قوله تعالى: {وقال الذين لا يعلمون لو لا يكلمنا الله}(1) روى ابن إسحاق أن قائلها رافع بن حريملة، والله أعلم .
الآية الخخامسة عشرة قوله تعالى: * ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه }(2) قيل : هو بختنصر وأصحابه الذين خربوا بيت المقدس وخبرهم مذكور في سورة الإسراء .
الآية السادسة عشرة قوله تعالى: { ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه }(3) روى أن عبد الله بن سلام دعا ابني أخيه سلمة ومهاجرا إلى الإسلام فقال لهما، قد علمتما أن الله تعالى قال في التوراة : إني باعث من ولد إسماعيل نبيا اسمه أحمد، فمن آمن به فقد اهتدى ورشد، ومن لم يؤمن به فهو ملعون، فأسلم سلمة، وأبى مهاجر، فنزلت فيه الآية، والله أعلم .
الآية السابعة عشرة
قوله تعالى: { وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا}(4) روى أنها نزلت في عبد الله بن صوريا الأعور، قال لرسول الله ما
صفحة ٢٨
الهدى إلا ما نحن عليه، فاتبعنا يا محمد تهتد فنزلت الآية، والله أعلم .
الآية الثامنة عشرة
قوله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس}(1) هم اليهود قالوها عندما صرفت القبلة إلى الكعبة، وذلك بعد مقدم النبي المدينة بستة عشر شهرا، وهو قبل بدر بشهرين . وقائلها منهم : رفاعة بن قيس وقردم بن عمرو وكعب بن الأشرف ورافع بن حريملة والحجاج بن عمرو والربيع بن الربيع بن أبي الحقيق، ذكرهم ابن إسحاق، والله أعلم .
الآية التاسعة عشرة
قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات } (2) روي أنهم شهداء بدر، وهم أربعة عشر رجلا، ستة من المهاجرين وهم عبيدة بن الحارث، وعمير بن أبى وقاص، وذو الشمالين بن عبد عمرو حليف بني زهرة، وعاقل بن النكير حليف بني عدي، ومهجع مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وصفوان بن بيضاء، ومن الأنصار ثمانية وهم : سعد بن خيثمة، ومبشر بن عبد المنذر، ويزيد بن الحارث، وعمير بن الحمام ورافع بن المعلى وحارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا الحارث وهما ابنا عفراء ، فهؤلاء هم شهداء بدر الذي نزلت فيهم الآية على ما حكاه بعض المفسرين والله أعلم .
الآية العشرون
قوله تعالى: *وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله
قالوا بل نتبع ماأ لفينا عليه آباءنا}. (3) روي أن رسول الله لة دعا يهود إلى الإسلام ورغبهم فيه ، وحذرهم عقاب
صفحة ٢٩
الله ونقمته، فقال له رافع بن خارجة ومالك بن عوف: بل نتبع يا محمد ما وجدنا عليه آباءنا، فهم كانوا أعلم وخيرا منا، فنزلت الآية والله أعلم .
الآية الحادية والعشرون
قوله تعالى: {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض
من الخيط الأسود من الفجر } (1
تزلت فى أبى قيس بن صرمة من بني الحارث بن الخزرج، وقد قيل في اسمه : صرمة بن أنس أكل بعد الرقاد فخاف من ذلك، فنزلت الآية وروي أنها نزلت في عمر بن الخطاب، واقع أهله بعد العتمة، وكان ذلك محرما ثم أتى رسول الله يبكي ويلوم نفسه، فنزلت الآية، والله أعلم .
وفى هذه الآية مسألة، وهو قوله تعالى : {من الخيط الأسود من الفجر) وليس للفجر خيط أسود وإنما الخيط الأسود من الليل؟ والجواب : أن قوله تعالى: {من الفجر} متصل بقوله : الخيط الأبيض، ومعنى الآية : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الفجر من الخيط الأسود من الليل ، لكن حذف من الليل كدلالة الكلام عليه، والوقوع من الفجر في موضعه لأنه لا يصح أن يكون من الفجر متعلقا بالخيط الأسود ولو وقع من الفجر فى موضعه متصلا بالخخيط الأبيض لضعف الدلالة على المحذوف وهو من الليل فحذف من الليل للاختصار، وأخر من الفجر للدلالة عليه وهذا يشبه قوله تعالى : *ومثل الذين كفروا كمثل الذى ينعق بما لا يسمع إلا دعاء )(2) والتشبيه ليس هو بين الذين كفروا وبين الذي ينعق، لأن الناعق هو الذي يصيح بالغنم، فوجه التشبيه إنما هو أن يشبه الداعى الذي يدعو الكفار وهم لا يفهمونه ولا يعرفون قوله بالناعق الذي ينعق بالغنم وهي لا تفهم قوله .
ولا يحصل لها منه اكثر من سماع صوته من غير فهم ولا استبصار، فيكون على هذا قد حذف المشبه لدلالة المشبه به عليه، ويكون تقدير الكلام : ومثل داعي الذين كفروا كمثل الذي ينعق بالغنم. ويحتمل أن يكون المشبه هو الباقي
صفحة ٣٠
والمشبه به محذوف، ويكون تقدير الكلام: ومثل الذين كفروا كمثل البهائم التى تنعق . فعلى هذا كله لا بد من حذف يدل عليه الباقى؛ لأنه لا يصح التشبيه إلا به ، ومثل هذا قول الشاعر :
وإني لتعروني لذكراك فترة
كا انتفض العصفور بلله القطر التشبيه في اللفظ واقع بين الفترة وهي السكون، وبين الانتفاض وهو الحركة، ولا يصح، فلا بد من محذوف يدل الباقي عليه ، لطلب المعنى له فتقدير الكلام : وإني لتعرونى لذكراك ثم أنتفض وأتحرك كما فتر ثم انتفض العصفور. وهذا في كلام العرب كثير. والله أعلم .
الآية الثانية والعشرون
قوله تعالى: {( يسألونك عن الأهلة}(1) روى عن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصارى، قالا يارسول الله، مابال الهلال يبدو دقيقا مثل الخيط ، ثم يزيد حتى يستوي ويمتلئ، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدا، لا يكون على حالة واحدة. فنزلت الآية والله أعلم .
الآية الثالثة والعشرون
قوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه }(2) نزلت فى كعب بن عجرة، مر به رسول الله عام الحديبية والهوام تتساقط من رأسه، فقال له رسول الله : أتؤذيك هوامك ؟ فقال : نعم . فنزلت الآية ، رواه مسلم(3) وغيره والله أعلم .
الآية الرابعة والعشرون
قوله تعالى: { ياأيها الذين آمنوا ادخلوا فى السلم كافة }(4) قيل : إنها نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابنى كعب، وشعبة بن عمرو وقيس بن زيد، كلهم من يهود، قالوا: يارسول الله
صفحة ٣١
إن يوم السبت يوم كنا نعظمه، فدعنا نسبت فيه ، وإن التوراة كتاب الله فدعنا فلنقم بها بالليل ، فنزلت الآية . والله أعلم . وأسند أبو نعيم فى كتاب حلية الأولياء عن رسول الله أنه قال : ماأنزل الله تعالى آية فيها: ياأيها الذين آمنوا، إلا وعلى رأسها أميرها .
الآية الخامسة والعشرون
قوله تعالى {كان الناس أمة واحدة}(1 قيل : إن المراد هنا بالناس : نوح ومن كان معه في السفينة ، وقيل آدم وحواء عليهما السلام .
الآبة السادسة والعشرون
قوله تعالى: { يسألونك ماذا ينفقون قل ماأنفقتم }(2) نزلت فى عمرو بن الجموح، سأل عن مواضع النفقة فنزلت الآية ثم سأل بعد ذلك: كم النفقة ؟ فنزل قوله تعالى: *ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو)(3) رواه ابن فطيس. والله أعلم .
الآية السابعة والعشرون
قوله تعالى : { إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا
فى سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله}(2) قيل : إنها نزلت في أصحاب سرية عبد الله بن جحش، وكانت فى رجب من السنة الثانية من الهجرة، بعث رسول الله فيها عبد الله بن جحش أميرا وبعث معه ثمانية من المهاجرين، وهم على ماذكره ابن إسحاق : أبو حذيفة بن عتبة وعكاشة بن محصن وعتبة بن غزوان وسعد بن أبى وقاص وعامر بن ربيعة وواقد بن عبد الله وخالد ابن البكري وسهيل بن بيضاء. وقال الطبري في التاريخ الكبير: كانوا سبعة، وذكر فيهم عمار بن ياسر، وأسقط بعضهم .
صفحة ٣٢
وفي هذه السرية كان أول قتيل من المشركين وأول أسير وفيها نزل قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام )(1)، وهم المشار إليهم بقوله تعالى : {إن الذين آمنوا} الآية المتقدمة . والله أعلم .
الآية الثامنة والعشرون قوله تعالى : {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير }(2 كان السائل حمزة بن عبد المطلب مع نفر من الأنصار .
الآية التاسعة والعشرون
قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } الآية (3) قيل إنها نزلت بسبب أن مرئد بن أبى مرئد الغنوي أراد أن يتزوج امرأة مشركة اسمها عناق، واستأمر رسول الله ، فنزلت الآية . وحكى الطبري فى التفسير أنها نزلت فى عبد الله بن رواحة، وكانت له أمة سوداء فغضب عليها فلطمها، ثم فزع فأتى إلى النبى فأخبره بخبرها، فقال له : ماهي ياعبد الله؟ قال : هي يا رسول الله تصوم وتصلي وتحسن الوضوء وتشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله. فقال : هى مؤمنة فأعتقها وتزوجها، فطعن عليه ناس من المسلمين ؛ فنزلت الآية . والله أعلم .
الآية الثلاثون
قوله تعالى: {ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم}(4) قيل : إنها نزلت في أبي بكر الصديق رضى الله عنه في شأن مسطح بن أثاثة، حين حلف أبو بكر رضى الله عنه؛ أن لا ينفق عليه لأخذه في الإفك، رواه سنيد. والله أعلم .
صفحة ٣٣
الآية الحادية والثلاثون قوله تعالى: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا)
لى قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}(1) قيل : إنها نزلت في ثابت بن قيس وفي جميلة ابنة عبد الله بن أبي بن سلول، وكانت اشتكته إلى رسول الله لة، فقال لها رسول الله «أتردين عليه حديقته ؟ فقالت : نعم، فدعاه رسول الله فذكر له ذلك، قال : ويطيب لى ذلك؟ قال : نعم، قال : قد فعلت، فنزلت الآية . وقيل في اسمها: حبيبة بنت سهل. والله أعلم .
الآية الثانية والثلاثون
قوله تعالى: {من ذا الذى يقرض الله قرضا حسنا }(2) نزلت في أبي الدحداح، تصدق بحائط لم يكن له غيره، فنزلت الآية. حكاه ابن فطيس .
الآية الثالثة والثلاثون
قوله تعالى: { إن الله مبتليكم بنهر } (3 قيل : هو نهر فلسطين والأردن. والله أعلم .
الآية الرابعة والثلاثون
قوله تعالى: {ورفع بعضهم درجات}(4) هو رسول الله، والدرجات المذكورة هي إرساله إلى الناس كافة . والله أعلم.
الآية الحخامسة والثلاثون
قوله تعالى: {فخذ أربعة من الطير }(5) روى أنها الحمامة والطاووس والغراب والديك، والله أعلم .
صفحة ٣٤
الآية السادسة والثلاثون
قوله تعالى: {مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله }(1) قيل إنها نزلت في عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف رضى الله عنهما. والله أعلم .
الآية السابعة والثلاثون
قوله تعالى: {ليس عليك هداهم }(2) روى أنها نزلت في أسماء بنت أبي بكر الصديق رضى الله عنهما حين امتنعت من بر جدها أبي قحافة قبل أن يسلم .
الآية الثامنة والثلاثون
قوله تعالى: {الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار }(3) هو علي بن أبى طالب رضى الله عنه، كانت له أربعة دراهم فأنفق درهما بالليل ودرهما بالنهار، ودرهما سرا ودرهما علانية، فتزلت الآية. والله أعلم.
الآية التاسعة والثلاثون قوله تعالى: * ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا مابقى من الربا
إن كنتم مؤمنين )(4) روى سنيد أن بني عمرو بن عمير، وهم : مسعود وعبد ياليل وحبيب وربيعة بن عمير والنعمان بن عمرو - كانوا يأخذون الربا من بني المغيرة ، فطلبوهم بذلك في الإسلام، فنزلت الآية. وحكى الطبري أنها نزلت فى العباس بن عبد المطلب ورجل من بني المغيرة. والله أعلم . تنبيه : ذكر الشيخ رحمه الله عند قوله تعالى : {اسكن أنت وزوجك
صفحة ٣٥
الجنة )(1) نزول آدم وحواء وإبليس والمواضع التى أنزلوا فيها ، وتكلم على ذلك، قال المؤلف رضى الله عنه : ورأيت أن أضيف إلى ذلك مدة إقامتهما فى الجنة ويوم خروجهما ووقته وما يتعلق بذلك بحول الله، فأقول : ثبت في الصحيح (2) أن آدم خلق يوم الجمعة وحكى الطبري فى التاريخ الكبير أن آدم عليه السلام خلق في آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، وهو آخر يوم من أيام الستة التى خلق الله فيها الخلق ، وأن في بقية ذلك اليوم نفخ فيه الروح وسكن الجنة، أوهبط قبل غروب الشمس منه، وهذا على أن يكون اليوم ألف سنة فتكون الساعة ثلاثا وثمانين سنة وأربعة أشهر من أيام الدنيا ، فمكث جسدا بلا روح أربعين عاما من أعوام الدنيا ومكث بعد ذلك حيا فى الجنة مع زوجته ثلاثة وأربعين عاما وأربعة أشهر من أعوام الدنيا، وذلك كله ساعة من أيام الآخرة .
وقد قيل : إنه مكث فيها خمسمائة عام ، فكان هبوطه منها لخمسة أيام مضين من نيسان. والله أعلم .
وكان آدم عليه السلام طوالا كثير الشعر جعدا، أدم اللون، أجمل البرية، وكان أمرد وإنما نبتت اللحى لولده من . بعده قاله القتيبي .
وقد روى في الحديث أن طول آدم كان ستين ذراعا وروى أن رسول الله
و قال : «خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا» وقيل في معنى ذلك : أى على صورة آدم التى كان عليها يوم قبض ، لم ينتقل من مضغة إلى علقة إلى طفل إلى كهل إلي شيخ، وإنما خلق على صورته التى مات عليها ، وقيل : معناه على صورته التي أهبط فيها إلى الأرض ، أي لم يكن في الجنة أطول منه في الأرض ولا أجمل. وقد جاء في الحديث أن الله تعالى خلق آدم على صورة الرحمن. ومعنى ذلك: على الصورة التى ارتضاها الرحمن أن تكون لآدم إذا لم يخلق غيره على صورته وهيئته وقد قيل : إن الخبر جاء عقيب قوله عليه السلام : لا تقولوا: قبح الله وجهك، فإن آدم خلق على صورته، أي على صورة هذا المقبح. وجهه والله أعلم .
صفحة ٣٦