فإن قيل: فقد قال الله تعالى: {مخلصين له الدين}، والوضوء ليس من الدين؛ لأنه ليس بفرض في نفسه.
قيل له: هذا خطأ، وذلك أن الوضوء فرض في نفسه، وإن كان فرضا يتعلق بغيره، على أن صريح قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أسقط هذا السؤال. وهو قوله: (( الوضوء شطر الإيمان )).
ويدل على ذلك الخبر المشهور، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (( الأعمال بالنيات، وإنما لامرء ما نوى )).
فحقق أنه يكون للمرء ما نواه دون ما عداه، فمن لم ينو، فلا وضوء له.
ويدل على ذلك:
ما أخبرنا به أبو العباس الحسني، قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الجزيري، قال: حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي عليهم السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( لا قول إلا بعمل، ولا قول ولا عمل إلا بنية، ولا قول ولا عمل ولا نية إلا بإصابة السنة ))، (فقد صرح صلى الله عليه وآله وسلم بنفي العمل إلا بالنيبة فيجب ألا يكون الوضوء إلا بالنية)(1).
فإن قيل: إن النفي لا يجوز أن يكون متناولا لذات العمل؛ لأن العمل قد يحصل وإن لم يكن نية تضامه، وهذا معلوم ظاهر، فثبت أنه يتناول أحكام الفعل، ولا يجوز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أراد أجزاءه وكماله، لأن نفي الكمال يقتضي بقاء حكم الأصل (ونفي الإجزاء يقتضي نفي حكم الأصل)(2)، وإذا لم يصح حمله عليهما، وكان المراد أحدهما، صار مجملا لا يصح التعلق بظاهره.
قيل له: ليس الأمر على ما ذهبت إليه؛ لأن نفي حكم الأصل يتضمن نفي الكمال، ولا نسلم أن نفي الكمال أبدا يقتضي بقاء حكم الأصل، وإن كان في بعض المواضع، لا يمتنع أن ينتفي الكمال، ويبقى حكم الأصل، وإذا كان ذلك كذلك، لم يمتنع أن ينتفي حكم الأصل، فينتفي الإجزاء والكمال جميعا، وإذا صح ذلك، وجب حكم النفي عليه بحق العموم.
صفحة ٧٦