وليس لهم أن يعللوا بعلتنا هذه ويردوها إلى أصلنا هذا، فيقولوا: لما اتفقنا نحن وأنتم أن المستحاضة لا يجب عليها أن تتطهر لكل صلاة، فكذلك المتيمم، والمعنى أنها طهارة مفعولة على سبيل الضرورة، فإذا ثبت ذلك، فلا قول إلا قول من يقول: إنه يصلي الصلوات أجمع بتيمم واحد، وذلك أن الوصف لا يؤثر في حكمهم في الأصل، ألا ترى أن الوضوء المفعول على سبيل الضرورة، والمفعول منه على سبيل الاختيار يشتركان في أنه لا يجب على المتوضئ أن يفعله لكل صلاة، فلا مزية في هذا الباب لكونها مفعولة على سبيل الضرورة، ولا تأثير لها، وليس(1) كذلك تأثيرها في حكم أصلنا، ألا ترى أن المفعول منه على سبيل الضرورة لا يجوز أن يصلى(2) به الصلوات أجمع، (والمفعول منه على سبيل الاختيار يجوز أن تصلى به الصلوات أجمع) (3)، فبان أن علتنا تؤثر في حكم أصلنا، وعلتهم لا تؤثر، فنحن إن شئنا، أسقطنا علتهم بكونها غير مؤثرة، وإن شئنا، رجحنا علتنا بالتأثير، وهذا الترجيح لا يقابله شيء من التراجيح، هذا إذا سلمنا أن العلة تصح من غير أن تكون مؤثرة.
ويمكن أن يقال فيه أيضا : إنه قد ثبت أن التيمم لا يرفع الحدث، وإنما يبيح الصلاة، فكما أن المحدث العادم للماء يجب أن يتمم إذا أراد القيام إلى الظهر، فكذلك يجب عليه تيمم ثان إذا أراد القيام إلى العصر؛ لأنه محدث عادم للماء أراد القيام إلى الصلاة المكتوبة.
فإن استدلوا بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (( جعلت تربتها لي طهورا لمن لم يجد الماء )).
وبما روى أبو ذر، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (( الصعيد الطيب طهور لمن لم يجد الماء، ولو إلى عشر حجج )).
قيل له: نخص ذلك بالأدلة التي تقدمت، فلا معترض به علينا، على أن ذلك ورد لإجازة التطهر به، لا لكيفيته، فتعلقهم به بعيد.
صفحة ١٦٢