تحسين القبيح وتقبيح الحسن

الثعالبي ت. 429 هجري
22

تحسين القبيح وتقبيح الحسن

محقق

نبيل عبد الرحمن حياوي

الناشر

دار الأرقم بن أبي الأرقم

رقم الإصدار

لا يوجد

مكان النشر

بيروت / لبنان

تَحْسِين الْجُبْن والفرار سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّاء الْحَرْبِيّ الْمُزَكي النَّيْسَابُورِي يَقُول: رئي شيخ كَبِير من الْجند فِي بعض الحروب، وَقد تَأَخّر عَن الصَّفّ، واستعد للهروب، فَقيل لَهُ: أتأخذ رزق السُّلْطَان بِهَذَا الْجُبْن؟ فَقَالَ: لَو لم أكن جَبَانًا لما بلغت هَذِه السن الْعَالِيَة. وَكَانَ أَبُو الْهُذيْل العلاف يَقُول: بشروا الجبان بطول الْعُمر. وَكَانَ ابْن عَائِشَة الْقرشِي يَقُول: مَا فِي الدُّنْيَا شُجَاع إِلَّا متهور، وَلَا جبان إِلَّا متحرر. وَكَانَ بعض الْجُبَنَاء يَقُول: فر أَخْزَاهُ الله خير من قتل ﵀. وَقَالَ آخر: من أَرَادَ دوَام السَّلامَة فليؤثر الْجُبْن على الشجَاعَة. وَقَالَ آخر: نَحن نتأدب بدين الله سُبْحَانَهُ فِي قَوْله: " وَلَا تلقوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَة ". وَسمع بَعضهم من قَول: الشجاع موقى، والجبان ملقى، فَقَالَ: العيان وَالْخَبَر والتجربة مِمَّا يشْهد بقلب هَذَا الْكَلَام. وَقيل لآخر، وَقد عزم على الْهَرَب: أَلا تجزع من السُّلْطَان أَن يَأْمر بِإِسْقَاط رزقك؟ فَقَالَ: إِنَّمَا أهرب خشيَة من سُقُوط الرزق. وَرَأى بعض الْأُمَرَاء رجلا قد تَأَخّر عَن الصَّفّ فَقَالَ: وَيلك لم لَا تحارب؟ فَقَالَ: أَيهَا الْأَمِير لست الْيَوْم بِطيب النَّفس، فَاحْسبْ كم جرايتي لهَذَا الْيَوْم، فاسترها مني فِي غَيره، وَدعنِي أمرّ فِي لعنة الله.

1 / 35