كل تلك المتغيرات وضعت الفقهاء الذين برزوا في ذلك العصر أمام مهمة صعبة؛ لأن عليهم أن يراعوا في إجتهاداتهم أمورا كثيرة إضافة إلى الحرص على براءة الذمة أمام الشرع.. وهو ما حدث بالفعل، فقد تردد على النص الواحد عشرات الفقهاء واعتصرته مئات العقول بهدف الحصول على رأي فقهي مدعوم بالأدلة والبراهين التي تؤكد ارتباطه الوثيق بروح الشريعة الإسلامية الغراء.
فقه الزيدية عبر القرون
كان الإمام زيد بن علي عليه السلام المتوفى (122ه) من مشاهير فقهاء التابعين وتابعيهم، وله مشاركة فاعلة في ترسيخ دعائم الفقه الإسلامي ودراسة نصوص القرآن والسنة، وقد تميز فقهه بمميزات عدة منها:
أنه نشأ في أجواء حرة بعيدا عن تأثير الدول وإملاءآت الحكام، ولهذا لم يكن أمامه شيء يراعيه إلاوضوح البرهان وقوة الدليل.
أنه جعل للعقل حضورا ملموسا في تقييم الأدلة وإعمالها، فلا هو حشره في ما لايعنيه، وحمله ما لايطيق، ولاهو عطله عن التأمل والحركة في المساحة التي يمكنه أن يتحرك فيها.
أن الإمام زيدا كان يجمع في اجتهاده بين فقه الأدلة وفقه الواقع، وهذا بدوره يعطي المسائل التي اجتهد فيها أبعادا مختلفة.
أنه اعتمد في الدرجة الأولى على نصوص القرآن الكريم باعتباره كتاب الهداية المصون الذي لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
والجدير بالذكر هنا أن الإمام زيدا قد ألف في موضوع الفقه: كتاب (المجموع الفقهي والحديثي)، المعروف اليوم باسم (مسند الإمام زيد)، وقد أخذ عنه الإمام أبو طالب مؤلف هذا الكتاب بعض النصوص، كما ألف كتاب (مناسك الحج والعمرة). وهذان الكتابان من أشهر كتب الفقه وأقدمها، وقد ذكر غير واحد أن كتاب (المجموع) أقدم كتاب جمع في الفقه الإسلامي(1).
صفحة ٤