ألا تسمع لقول الله جل ثناؤه ، فيما رفع من البيوت بإذنه : ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال (36) رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار ) (37) [النور : 36 37]. فدل سبحانه عليها وعلى زكاتها ، بما ذكر من أذنه في رفعها وبنائها ، فلو كان ما أذن الله في رفعها منها كما لم يأذن فيه ، لكان ذكر الأذن منها فضلا (1) لا يحتاج إليه ، وكان سواء فيها أذن أو لم يأذن ، وكان ما بين من ذلك كما لم يبين ، فلما لم يأذن سبحانه لأحد في رفع المسجد الحرام ، كان محرما فيها فضلا عن الصلاة كل دخول أو قيام.
ومن ذلك ما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أن يقوم في مسجد الضرار إذ بني مخالفة لله سبحانه وعصيانا. (2) ولقد كان ما ذكرنا من هذا الباب ، قبل ما نزل من وحي الكتاب ، وأن في الجاهلية منه لرسما ، أصابوه فكرة أو تعلما ، فقالوا (3) قريش عند ما أرادوا من بناء الكعبة : لا تخرجوا فيما أردتم (4) من بناء بيت ربكم ، إلا نفقة طيبة ، فاجمعوا فيما تريدون من بنائه من كل مال زكي ، ونقوه من كل ظلم ومن أجر كل بغي.
الكلام في الدم
وأوجبنا في الدم إذا سال أو قطر ، أن يتوضأ منه من أصابه ذلك ويتطهر ، لمشابهته في تحريمه وخروجه من الأبدان المتطهرة ، لما يجب به الوضوء إذا خرج من مخرج البول والعذرة ، وكذلك كل ما حرم من هذه الأشياء كلها على كل آكل أو شارب شربه أو أكله ، وجب على كل متطهر لله في صلاة أو موقف طهارته وغسله.
فإن قال قائل : فما بالكم لم توجبوا الوضوء في قليله ، كما أوجبتموه في قليل
صفحة ٥٠٦