### || المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا والصلاة على من جعله شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس أهل البيت وطهرهم تطهيرا.
مقدمة: نعرف فيها مسلك البحث عن معاني آيات القرآن الكريم في هذا الكتاب بطريق الاختصار.
التفسير وهو بيان معاني الآيات القرآنية والكشف عن مقاصدها ومداليلها من أقدم الاشتغالات العلمية التي تعهد من المسلمين، فقد شرع تاريخ هذا النوع من البحث والتنقير المسمى بالتفسير من عصر نزول القرآن كما يظهر من قوله تعالى وتقدس: "كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة" الآية: البقرة - 151.
وقد كانت الطبقة الأولى من مفسري المسلمين جماعة من الصحابة والمراد بهم غير علي (عليه السلام)، فإن له وللأئمة من ولده نبأ آخر سنتعرض له كابن عباس وعبد الله بن عمر وأبي وغيرهم اعتنوا بهذا الشأن، وكان البحث يومئذ لا يتجاوز عن بيان ما يرتبط، من الآيات بجهاتها الأدبية وشأن النزول وقليل من الاستدلال بآية على آية وكذلك قليل من التفسير بالروايات المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في القصص ومعارف المبدأ والمعاد وغيرها.
وعلى هذا الوصف جرى الحال بين المفسرين من التابعين كمجاهد وقتادة وابن أبي ليلى والشعبي والسدي وغيرهم في القرنين الأولين من الهجرة، فإنهم لم يزيدوا على طريقة سلفهم من مفسري الصحابة شيئا غير أنهم زادوا من التفسير بالروايات، وبينها روايات دسها اليهود أو غيرهم، فأوردوها في القصص والمعارف الراجعة إلى الخلقة كابتداء السماوات وتكوين الأرض والبحار وإرم شداد وعثرات الأنبياء وتحريف الكتاب وأشياء أخر من هذا النوع، وقد كان يوجد بعض ذلك في المأثور عن الصحابة من التفسير والبحث.
ثم استوجب شيوع البحث الكلامي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في زمن الخلفاء باختلاط المسلمين بالفرق المختلفة من أمم البلاد المفتوحة بيد المسلمين وعلماء الأديان والمذاهب المتفرقة من جهة.
ونقل فلسفة يونان إلى العربية في السلطنة الأموية أواخر القرن الأول من الهجرة، ثم في عهد العباسيين، وانتشار البحث العقلي الفلسفي بين الباحثين من المسلمين من جهة أخرى ثانية.
وظهور التصوف مقارنا لانتشار البحث الفلسفي وتمايل الناس إلى نيل المعارف الدينية من طريق المجاهدة والرياضة النفسانية دون البحث اللفظي والعقلي من جهة أخرى ثالثة.
وبقاء جمع من الناس وهم أهل الحديث على التعبد المحض بالظواهر الدينية من غير بحث إلا عن اللفظ بجهاتها الأدبية من جهة أخرى رابعة.
أن اختلف الباحثون في التفسير في مسالكهم بعد ما عمل فيهم الانشعاب في المذاهب ما عمل، ولم يبق بينهم جامع في الرأي والنظر إلا لفظ لا إله إلا الله ومحمد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) واختلفوا في معنى الأسماء والصفات والأفعال والسماوات وما فيها والأرض وما عليها والقضاء والقدر والجبر والتفويض والثواب والعقاب وفي الموت وفي البرزخ والبعث والجنة والنار، وبالجملة في جميع ما تمسه الحقائق والمعارف الدينية ولو بعض المس، فتفرقوا في طريق البحث عن معاني الآيات، وكل يتحفظ على متن ما اتخذه من المذهب والطريقة.
صفحة ٢