التفسير الكبير

الطبراني ت. 360 هجري
76

التفسير الكبير

تصانيف

[2.87]

قوله تعالى: { ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل } ، أي أعطينا موسى التوراة جملة واحدة، وأردفنا وأتبعنا من بعده رسلا؛ رسولا من بعد رسول؛ يقال: قفى أثره وقفى غيره في التعدية مأخوذ من قفاء الإنسان؛ قال الله تعالى:

ولا تقف ما ليس لك به علم

[الإسراء: 36]. وقيل: إن الله تعالى أنزل التوراة على موسى جملة واحدة، وأمره أن يحملها فلم يطق؛ فبعث الله بكل آية ملكا، فلم يطيقوا حملها؛ فبعث الله بكل حرف ملكا، فلم يطيقوا، فخففها الله على موسى، فحملها وعمل بها.

قوله تعالى: { وآتينا عيسى ابن مريم البينات }؛ يعني من إحياء الموتى؛ وإبراء الأكمه والأبرص؛ ونزول المائدة. ومعنى { البينات }: الدلالات اللائحات والعلامات الواضحات. وقوله تعالى: { وأيدناه بروح القدس }؛ المد (آيدناهما) القوة؛ أي وأعناه بجبريل. خفف ابن كثير (القدس) وثقله الآخرون. وهما لغتان مثل (الرعب والسحت). قال السدي والضحاك وقتادة: (روح القدس: جبريل). قال الحسن: (القدس: هو الله عز وجل، وروحه: جبريل عليه السلام). وأضافه إلى نفسه تكريما وتخصيصا، نحو: بيت الله؛ وناقة الله؛ وعبدالله. وقال السدي: (القدس: البركة) وقد أعظم الله تعالى بركة جبريل إذ نزل عامة وحي أنبيائه على لسانه. وتأييد عيسى بجبريل عليه السلام أنه كان قرينه يسير معه حيثما سار؛ ورفعه إلى السماء حين أراد اليهود قتله. وقيل: سمي جبريل روح القدس؛ لأن بمجيئه يحيي الكفار بالإسلام.

والقدس: الظاهر. وقيل: المبارك. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير: (روح القدس: اسم الله الأعظم، وبه كان يحيي الموتى؛ ويري الناس تلك العجائب).

وقال ابن زيد: هو الإنجيل جعله الله روحا كما جعل القرآن لمحمد روحا. قال الله تعالى:

وكذلك أوحينآ إليك روحا من أمرنا

[الشورى: 52].

فلما سمعت اليهود بذكر عيسى؛ قالوا: يا محمد لا مثل عيسى كما تزعم عملت؛ ولا كما تقص علينا من الأنبياء فعلت، فائتنا بما أتى به عيسى إن كنت صادقا. فقال الله تعالى: { أفكلما جآءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم }؛ أي أفكلما جاءكم أيها اليهود رسول بما لا يوافق هواكم { استكبرتم } أي تكبرتم وتعظمتم عن الإيمان به، { ففريقا كذبتم }؛ مثل عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام، { وفريقا تقتلون } ، مثل زكريا ويحيى وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والألف في { أفكلما } ألف استفهام معناه التوبيخ والزجر.

صفحة غير معروفة