62

تفسير صدر المتألهين

تصانيف

قلنا: لتفاوتها في الصفاء والكدورة، والقوة والضعف، والشرافة والخسة، وبحسب ما يتفق لها من الأسباب البدنية والأحوال الدنيوية من الاستعدادات المادية، والعوارض الإتفاقية المتسلسلة المنتهية إلى الأمور العلوية، والقضاء السابق الأزلي.

فالأرواح الإنسية متفاوتة بحسب أصل الفطرة الأولى، مختلفة في الصفاء والكدورة، والضعف والقوة، مترتبة في درجات القرب والبعد من الله تعالى، والمواد السفلية الواقعة بإزائها متباينة في اللطافة والكثافة، ومزاجاتها متفاوتة في القرب والبعد من الاعتدال الحقيقي، فقابليتها لما يتعلق بها من الأرواح متفاوتة، وقد قدر الله تعالى في القضاء السابق بإزاء كل روح ما يناسبه من المود وبازاء كل معنى ما يحاذيه من الصورة، فألطف المواد والصور لأشرف الأرواح وأنوار النفوس.

وقد علمت سابقا، أن تفاوت النفوس البشرية - المتخالفة الحقائق - ، لتفاوت أصولها ومعادنها العقلية، ومفاتيح أبوابها الإلهية ، ومن أجلها ومن أجل تفاوتها في الإدراكات والإرادات والأشواق، وقع الاختلاف بينها في الهداية والضلال، والطاعة والعصيان، والتوفيق والخذلان، والسعادة والشقاوة، وحسن العاقبة وسوءها، والثواب والعقاب، والجنة والنار.

فإن قلت: ما الفائدة في التكليف بالطاعات، والدعوة بالآيات، والأمر والنهي، والترغيب والترهيب، إذا كان الجميع منتهيا الى قضاء الله وتقديره، وما تأثير السعي والجهد والطاعة والعبادة؟

قلنا: هذه الأمور من جملة الأشياء الواقعة بقضاء الله وقدره، والأسباب المقدرة التي جعلها الله تعالى مهيجات للأشواق والإرادات، ومحركات ودواعي الى طلب الخيرات، واكتساب الدرجات، ومحرضات على أعمال حسنة مورثة لعادات محمودة، وأخلاق جميلة، وملكات فاضلة مزكية للنفوس، منورة للقلوب، مقربة إياها الى الله، نافعة في معاشنا ومعادنا، يحسن بها حالنا في دنيانا، وتحصل بها سعادة عقبانا، أو محذرات من الشرور والقبائح، والذنوب والرذائل المكدرة للنفوس، المسودة للقلوب، مما يضرنا في العاجل ونشقى به في الآجل.

وكذلك السعي والجد والتدبير والحذر، مهيئة لمطالبنا، موصلة إيانا الى مقاصدنا، مخرجة لكمالاتنا من القوة الى الفعل، كما قال (صلى الله عليه وآله) لمن سأله: هل يغني الدواء والرقية من قدر الله؟ فقال:

" الدواء والرقية أيضا من قدر الله ".

ولما قال (صلى الله عليه وآله):

" جف القلم بما هو كائن ". قيل: ففيم العمل؟ فقال: " اعملوا فكل ميسر لما خلق له ".

ولما سئل: أنحن في أمر فرغ منه أو في أمر مستأنف؟ فقال:

صفحة غير معروفة