تفسير الأعقم

الأعقم ت. 850 هجري
169

تفسير الأعقم

تصانيف

، يعني جانبيها شرقها وغربها، وقيل: كان له قرنان، وقيل: انقرض في وقته قرنان من الناس، ومتى قيل: لم لم يقص كل أخبار ذي القرنين؟ قالوا: لا يمتنع أن يكون المذكور في كتبهم ذلك القدر فخبر بذلك ليكون أقوى في الدلالة ولا يمتنع أن يكون الصلاح في تعريفهم هذا القدر دون غيره، والزيادة { إنا مكنا له في الأرض } أي ملكناه وأوطأنا له الأرض { وآتيناه من كل شيء سببا } ، قيل: آتيناه علما لسبب به إلى ما يريد عن ابن عباس، وقيل: من كل شيء تستعين به الملوك على فتح البلاد ومحاربة الأعداء، وقيل: حيلة الأمور { فاتبع } سلك وسار، وبالتخفيف لحق { سببا } طريقا بين المشرق والمغرب، وروي أنه حمل الخشب على الجمال فإذا بلغ البحر اتخذ السفن { حتى إذا بلغ مغرب الشمس } يعني موضع غروبها، قال في الغرائب والعجائب: ذهب بعض المفسرين إلى أن الشمس تغرب في وسط العين وأن الماء يفور لولا أصوات أهل مدينة بالمغرب يقال لها جائر سألها اثني عشر ألف باب لسمعتم وقع هدتها، إذا وقعت، والله أعلم بذلك الخبر { وجدها تغرب في عين حمئة } يعني وجد الشمس تغرب في عين حارة ذات حمئة، روي لكعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب في التوراة؟ قال: في ماء وطين { ووجد عندها قوما } ، وقيل: ناسا، وقيل: معناه وجدها كأنها تغيب في عين وإن كانت تغيب وراءها، وأنكر هذا قول جماعة، قالوا: بل هي تغيب في عين حمئة على ظاهر القرآن وعليه أكثر المفسرين، قالوا: { قلنا ياذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا } يعني إما أن تعذب بالقتل من أقام على الشرك وإما أن تتخذ فيهم حسنا تعفوا وتصفح وتأمرهم وتعلمهم الهدى والرشد، فقال ذو القرنين مجيبا: { أما من ظلم } ، قيل: من كفر ولم يتب، وقيل: من عصى وظلم { فسوف نعذبه } بالقتل { ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا } ، قيل: أشد من القتل، وقيل: منكرا غير معهود، ثم بين تعالى ما وعد المؤمنين فقال تعالى: { وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا } ، قيل: عدة جميلة من الله تعالى، وقيل: بين له القول ويهون عليه الأمر، ثم بين تعالى مسيره إلى المشرق فقال سبحانه: { ثم اتبع سببا } أي سلك طريقا، وقيل: سلك طريقا للجهاد، والسبب الطريق.

قال الشاعر:

ال المشارق والمغارب يبتغي

أسباب أمر من حكيم قادر

[18.90-101]

{ حتى إذا بلغ مطلع الشمس } يعني قرب من طلوع الشمس والمعنى بلغ مطلع الشمس { وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا } ، قيل: لم يكن شجر ولا جبل ولا بناء، وعن كعب: أرضهم لا تمسك أبنية وبها أسراب فإذا طلعت الشمس دخلوها فإذا ارتفع النهار خرجوا من معايشهم، وعن بعضهم خرجت حتى جاوزت الصين فسألت عن هؤلاء فقيل لي: بينك وبينهم مسيرة يوم وليلة، فلقيتهم فإذا أحدهم يلبس أذنه ويفترش الأخرى، فبينما نحن كذلك إذ سمعت كهيئة الصلصلة فغشي علي، فلما أفقت وقد طلعت الشمس على الماء هي فوق الماء كهيئة الزيت، فأدخلونا سربا لهم، فلما ارتفع النهار خرجوا إلى البحر فجعلوا يصطادون السمك ويطرحونه في الشمس فيصح لهم، وعند مجاهد: من لا يلبس الثياب من السودان عند طلوع الشمس أكثر من جميع أهل الأرض { كذلك } أي أمر ذي القرنين كذلك { وقد أحطنا بما لديه } من الجنود والآلات وأسباب الملك، قيل: علمنا ، ثم بين تعالى حاله بعد مسيره إلى المشرق فقال سبحانه: { حتى إذا بلغ } وصل { بين السدين } وهما جبلان سد ذو القرنين ما بينهما حاجزا من يأجوج ومأجوج ومن ورائهم، وقيل: السد ما بين الربية والربيحاء { وجد من دونهما قوما } هم الترك { لا يكادون يفقهون قولا } حصوا بلغة لا يكادون يفقهون قولا { قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج } هما من ولد يافث { مفسدون في الأرض } ، قيل: كانوا يأكلون الناس، وقيل: كانوا يخرجون أيام الربيع ولا يتركون شيئا أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه، وكانوا يلقون منهم أذى شديدا، وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):

" لا يموت أحد منهم حتى ينظر إلى ألف ذكر من صلبه كلهم قد حمل السلاح "

وقيل: هم على ضربين: طول مفرط الطول وقصر مفرط القصر { فهل نجعل لك خرجا } أي جعلا نخرجه من أموالنا لك { على أن تجعل بيننا وبينهم سدا } لا يقدرون على الخروج منه، فقال ذو القرنين: { ما مكني فيه ربي خير } أي ما جعلني فيه ممكنا من كثرة المال واليسار خير مما عرضتم علي، ثم بين تعالى كيف بنى السد فقال تعالى: { آتوني زبر الحديد } قطع الحديد { حتى إذا ساوى بين الصدفين } جانبي الجبل، والصدفان قيل: جبلان، قيل: إنه حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب، والبناء من زبر الحديد بين الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم جعل المنافخ حتى إذا صارت نارا أصب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا، وقيل: بعد ما بين السدين مائة فرسخ، ويقال: أن ارتفاعه مقدار ماءتي ذراع وعرضه نحو خمسين ذراعا، والقطر: النحاس المذاب، قوله تعالى: { فإذا جاء وعد ربي } يعني يوم القيامة جعل السد مدكوكا مستويا على الأرض { وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض } يعني يوم القيامة يموج في بعض، أي يضطربون إنسهم وجنهم، وقيل: أراد يأجوج ومأجوج، وأنهم يموجون حتى يخرجون من السد مزدحمين في البلاد، وروي فيأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ولا يقدرون يأتون مكة والمدينة وبيت المقدس، ثم يميتهم الله بعد ذلك { ونفخ في الصور } ، قيل: قرن ينفخ فيه عن ابن عباس، وقيل: ينفخ فيه ثلاث نفخات: نفخة الفزع والثاني نفخة الصعق والثالث نفخة القيام لرب العالمين، وقال الحسن: الصور جمع صورة فيحسون بأن ينفخ في الصور والأرواح { فجمعناهم جمعا } الخلق للحساب والجزاء يوم القيامة جميعا في صعيد واحد { وعرضنا جهنم } وبرزناها لهم فرأوها وشاهدوها { للكافرين عرضا } ثم وصف الكافرين فقال سبحانه: { الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري } أي عن آياتي التي ينظر إليها وعن القرآن وتأمل معانيه ونحوه

صم بكم عمي

[البقرة: 18] والغطاء الغشاء { وكانوا لا يستطيعون سمعا } يعني وكانوا صما عنه أي يثقل عليهم استماع كتاب الله والإيمان به.

صفحة غير معروفة