{ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } يعني علمنا من استقدم ولادة وموتا، ومن تأخر من الأولين والآخرين، أو من خرج من أصلاب الرجال ومن لم يخرج، ومن تقدم في الاسلام وسبق إلى الطاعة ومن تأخر، وقيل: المستقدمين في صفوف الجماعات والمستأخرين عنها، قوله تعالى: { وإن ربك هو يحشرهم } أي هو القادر على حشرهم والعالم بحضورهم { إنه حكيم عليم } باهر الحكمة واسع العلم وقد أحاط بكل شيء { ولقد خلقنا الانسان } يعني آدم { من صلصال } الصلصال الطين اليابس الذي يصلصل وهو غير مطبوخ، وإذا طبخ فخار { من حمأ } أي من طين متغير { مسنون } ، قيل: مصور يعني الحمأ، وقيل : اسدن، وقيل: المسنون المصور من سنة الوجه، وقيل: المغير الرائحة { والجآن } ، قيل: الجن، وقيل: هو ابليس، وقيل: الجن نسل ابليس عن أبي مسلم، وقيل: الجان أبو الجن، وآدم أبو الانس، وابليس أبو الشياطين، والشياطين يموتون بموت أبيهم وسموا جنا لاستتارهم عن العيون، وقوله: { من قبل } خلق آدم { من نار السموم } من نار جهنم، قيل: هذه السموم حرا من سبعين حرا من النار للذي خلق الله منها الجان، وقيل: خلق الجان من اللهب، وقيل: خلقه من نار ووصفه بالسموم { وإذ قال ربك للملائكة } الذين كانوا سكان الأرض، وقيل: هو عام، وقوله: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } كأنه إجابة وإضافه إلى نفسه، لأنه القادر وإنما هو تمثيل ليحصل ما يحيى به استثنى ابليس من الملائكة لأنه كان بينهم مأمور معهم بالسجود، وقيل: كان السجود لآدم تحية لا سجود عبادة والعبادة لله والتحية لآدم، وقيل: هو قبلة السجود، قال: { فاخرج منها } ، قيل: من الجنة أو من السماء { فإنك رجيم } أي مرجوم أو ملعون، وقيل: مبعد من الخير { وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين } أي يوم الجزاء والحساب ويوم يبعثون ويوم الوقت المعلوم في معنى واحد { قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون } فلم يجب ذلك ونظر إلى آخر أيام التكليف { قال رب بما أغويتني } الباء للقسم، والمعنى أقسم باغوائك إياي { لأزينن لهم في الأرض } بالشهوات والأفعال القبيحة، وذلك أن إبليس أمر بالسجود وهو التواضع والخضوع لأمر الله، واختار الإباء والاستكبار فهلك، والله تعالى بريء من غيه ومن إرادته والرضى به، ونحو قوله: { بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض } وقوله: { فبعزتك لأغوينهم } { قال هذا صراط } ، قيل: طريق، وقيل: دين، وأراد بقوله: { علي } أي هذا طريق إلي أي إلى رحمتي وجنتي، قوله تعالى: { وإن جهنم لموعدهم } يعني موعد الغاوين { أجمعين } { لها سبعة أبواب } ، قيل: أبواب النار أطباقها وأدراكها فأعلاها للموحدين، والثاني لليهود، والثالث للنصارى، والرابع للصابئين، والخامس للمجوس، والسادس للمشركين، والسابع للمنافقين، وعن ابن عباس: أن جهنم لمن ادعى الربوبية، ولظى لعبدة النار، والحطمة لعبدة الأصنام، وسقر لليهود، والسعير للنصارى، والجحيم للصابئين، والهاوية للموحدين، وقيل: هي سبعة منازل، وقيل: سبع موارد، وقيل: سبعة أبواب بعضها على بعض، وروي: أنها طباق بعضها فوق بعض، وعن علي (عليه السلام): " أولها جهنم، والثاني لظى، والثالث الحطمة، والرابع السعير، والخامس سقر، والسادس الجحيم، والسابع الهاوية " { لكل باب منهم جزء مقسوم } ، قيل: نصيب معروف، وقيل: جزاء الله جهنم فقسمها بينهم { إن المتقين } من يتقي الشر والكبائر والفواحش { في جنات وعيون } { ادخلوها بسلام آمنين } من كل ما يكره { ونزعنا ما في صدورهم من غل } في الجنة والغل الحقد { لا يمسهم فيها نصب } النصب التعب، أي لا ينالهم فيها نصب، وقيل: حزن { نبئ عبادي } أي أخبرهم { أني أنا الغفور الرحيم } لمن تاب وتقرب إلى بالطاعات واجتنب الكبائر.
[15.51-77]
{ ونبئهم } أي أخبرهم { عن ضيف ابراهيم } وهم الملائكة الذين دخلوا عليه وسماهم ضيفا وان لم يأكلوا لأنهم جاؤوا مجيء الأضياف، وقد تقدم هذا الكلام في سورة هود، وكذلك أيضا خبر قوم لوط، وقوله: { قال انا منكم وجلون } خائفون { قالوا لا توجل } لا تخف { إنا نبشرك بغلام عليم } بأن يولد لك ويكون عالما { قال ابراهيم أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون } كيف تبشرون، وقيل: عجب من ذلك لكبره وكبر امرأته { قالوا بشرناك بالحق } بالولد إنه كائن لا محالة { فلا تكن من القانطين } الآيسين من رحمة الله، ولم يكن فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) قنوطا { قال } ابراهيم { ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون } { قال فما خطبكم } أي ما شأنكم وما الأمر الذي له أرسلتم { قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين } مفرطين في المعاصي فأخبروه بإهلاكهم { إلا آل لوط } أهله واتباعه { إنا لمنجوهم أجمعين } قوله تعالى: { إلا امرأته } يعني امرأة لوط كانت كافرة { قدرنا } ، قيل: علمنا وكتبنا { إنها لمن الغابرين } أي من الباقين بالعذاب بكفرهم { فلما جاء آل لوط المرسلون } يعني الملائكة لما خرجوا من عند ابراهيم أتوا لوطا مبشرين بهلاك قومه { قال إنكم قوم منكرون } أي لا أعرفكم لأنه رآهم في صور حسنة { قالوا } يعني الملائكة { بل جئناك بما كانوا فيه يمترون } يعني العذاب الذي كانوا يشكون فيه { فأسر بأهلك بقطع من الليل } بقطعة، وقيل: وقت السحر { واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد } ، قيل: لا يتخلف أحد عن السير، وقيل: لا ينظرون وراءهم فيلحقهم رعب { وامضوا حيث تؤمرون } ، قيل: إلى الشام، وقيل: إلى مصر { وقضينا } أعلمنا وأوحينا { اليه } إلى لوط { ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين } أي كائن ذلك عند الصباح { وجاء أهل المدينة } أي قوم لوط أي جماعة منهم والمدينة سدوم وهو أنهم جاوؤا إلى لوط مستبشرين يظهرون السرور، وقيل: بشر بعضهم بعضا لما رأوا من حسن صورهم فقال لهم لوط: { إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون } بالاقدام على ما يكون عارا علي { واتقوا الله ولا تخزون } والخزي والعار والعتب نظائر والإخزاء والإهانة نظائر، فأجابوا لوطا { وقالوا أو لم ننهك عن العالمين } فلما قالوا ذلك لم يجد بما يمنع أضيافه ف { قال هؤلاء بناتي } يعني إن لم تشفعوني بأضيافي فهؤلاء بناتي إن كان لكم رغبة في التزويج، وكان يجوز تزويج الكفار، وقيل: بناتي أشار إلى قومه، لأن كل أمة أولاد نبيها رجالهم بنوه ونساؤهم بناته، فكأنه قال لهم: هؤلاء بناتي فانكحوهن { إن كنتم فاعلين } شك في قبولهم لقوله كأنه قال: إن فعلتم ما أقول لكم وما أظنكم فاعلين، وقيل: إن كنتم تريدون قضاء الشهوة فيما أحل الله دون ما حرم { لعمرك } قالت الملائكة للوط (عليه السلام): { لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون } أي في غوايتهم التي أذهبت عقولهم يعمهون يتحيرون، وقيل: الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له { فأخذتهم الصيحة } صاح بهم جبريل { مشرقين } داخلين في الشروق وهو بزوغ الشمس أي حين أشرقت الشمس { فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل } ، قيل: من طين، وقيل: هو من السجل { إن في ذلك لآيات للمتوسمين } المتوسم الناظر في السمة وهي العلامة، والعلامة الدلالة، وهذا راجع إلى قصة قوم لوط وضيف ابراهيم، وقوله: المتوسمين المتفكرين ، يعني تفكروا فيعلموا أنه قادر على ما شاء وعلى إهلاكهم كما أهلك من قبلهم، وقيل: المتوسمين المتفرسين المستملين { وانها } وإن هذه القرية يعني أثارها { لبسبيل مقيم } أي بطريق واضح معلوم لمن شاهد فسمع الأخبار، وقيل: تلك الآيات معلومة قائمة، وقد روي أن دور قوم لوط بين المدينة والشام { إن في ذلك لآية } لعبرة { للمؤمنين }.
[15.78-89]
{ وإن كان أصحاب الأيكة } قوم شعيب، أرسل شعيب (عليه السلام) إلى مدين وأصحاب الأيكة فعذبوا قوله تعالى: { وإنهما } يعني قوم لوط والأيكة، وقيل: الأيكة ومدين { لبإمام مبين } لها طريق واضح { ولقد كذب أصحاب الحجر } ثمود، والحجر واديهم، وهو بين المدينة والشام { المرسلين } يعني تكذيبهم صالحا، لأن من كذب واحدا منهم فكأنما كذبهم جميعا، وأراد صالحا ومن معه من المؤمنين { وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين } وذلك لطول أملهم اتخذوا منازل في الجبال لئلا تنهدم آمنين من أن تقع عليهم، وقيل: آمنين من عذاب الله { فأخذتهم الصيحة مصبحين } أي عند الصبح { وإن الساعة لآتية } لا خلف فيها { فاصفح الصفح الجميل } ، قيل: الآية منسوخة بآية القتال، قال القاضي: لا نسخ، والصفح ممدوح سائر الحالات فهو العلم والتواضع { ولقد آتيناك سبعا من المثاني } ، قيل: هي سبع آيات وهي الفاتحة، وقيل: سبع سور وهي الطوال والانفال وبراءة في حكم سورة واحدة، وقيل: أراد السبع الحواميم، وسميت المثاني جميع القرآن لقوله متشابها مثاني، قال في الغرائب: المثاني معا في القرآن وهي سبعة: أمر ونهي وتبشير وانذار وضرب أمثال وتعديد نعم وأنباء قرون { والقرآن العظيم } وروي أن من أوتي القرآن فرأى أن أحدا أوتي من الدنيا أفضل مما أوتي فقد صغر عظيما، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
" ليس منا من لم يتغن بالقرآن "
وقيل: جاءت سبع قوافل ليهود بني قريظة والنضير فيها أنواع البر والطيب وسائر الأمتعة فقال المسلمون: لو كانت هذه الأنزال لنا لتقوينا بها ولأنفقناها في سبيل الله فقال لهم عز وعلا: لقد أعطيتم سبع آيات هي خير من هذه القوافل السبع، يعني سورة الحمد { لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم } أراد لا تنظر إلى ما في أيديهم من النعم فما أنعم عليك وعلى من تبعك وهي النبوة والإسلام والقرآن والفتوح وغير ذلك، أزواجا أصنافا، وقيل: الأزواج والأمثال والأشباه، وقيل: أمثالا في النعم { واخفض جناحك للمؤمنين } هو توسع أي ألن جنابك للمؤمنين وتواضع لهم وارفق بهم { وقل إني أنا النذير المبين } المخوف بالعقاب.
[15.90-99]
{ كما أنزلنا على المقتسمين } ، قيل: أنزلت في أهل الكتاب إذ آمنوا ببعض وهو الذي وافقهم وكفروا ببعض، وقيل: نزلت في أهل مكة تفرقوا على طريق مكة يصدوهم عن الإيمان بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بأنه ساحر وكاهن مجنون فأنزل الله بهم عذابا { الذين جعلوا القرآن عضين } أي عضوه أعضاء وأجزاء فآمنوا ببعض وكفروا ببعض، وقيل: نسبوه إلى الكذب وهو جمع عضه، وقيل: قرعوه وقسموه بأن قالوا هو سحر، ومنهم من قال: شعر، ومنهم من قال: أساطير الأولين { فاصدع بما تؤمر } فاجهر به وأظهره، وقيل: فافرق بين الحق والباطل، والمعنى بما تؤمر به من الشرائع، قال أبو طالب:
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة
صفحة غير معروفة