239

{ يأيها الذين آمنوا } مقتضى إيمانكم التقوى عن محارم الله { اتقوا الله } عن مخالفة أمره { وكونوا } في السراء والضراء { مع الصادقين } [التوبة: 119] المصدقين لرسوله، المتابعين له في جميع أموره.

واعلموا أنه { ما كان } أي: ما صح وجاز { لأهل المدينة ومن } يسكن { حولهم من الأعراب } المترددين في بواديها { أن يتخلفوا عن رسول الله } حين خرج إلى القتال، واقتحم على الأعداء { ولا } يصح لهم أن { يرغبوا } ويميلوا { بأنفسهم } لحفظها وصيانتها { عن نفسه } بل يجب عليهم أن يفدوا نفوسهم، ويكفلوا في صيانته وحفظه صلى الله عليه وسلم، وحيث اقتحم صلى الله عليه سلم فلهم المبادرة والمسابقة { ذلك } أي: ما وجب عليهم من تحمل المشاق والمتاعب، والإسراع إلى الاقتحام، والإقدام عليها { بأنهم } أي: بسبب أنهم متى خرج صلى الله عليه وسلم { لا يصيبهم ظمأ } أي: عطش { ولا نصب } ألم من أنواع الآلام { ولا مخمصة } أي: مجاعة { في سبيل الله } لإعلاء دينه وكلمة توحيده.

{ و } كذا { لا يطأون موطئا } ولا يدوسون مكانا { يغيظ الكفار } مرورهم عنه { ولا ينالون من عدو نيلا } من القتل والأسر، والغلب والنهب { إلا كتب لهم به } عند الله { عمل صالح } موجب للمثوبة العظمى والدرجة العليا، وبالجملة: { إن الله } المحسن المتفضل لخواص عباده { لا يضيع أجر المحسنين } [التوبة: 120] الذين يحسنون الأدب مع الله، ويعبدونه كأنهم يرونه ومع رسوله، المستخلف منه، النائب عنه.

{ ولا ينفقون } هؤلاء المحسنون { نفقة صغيرة ولا كبيرة } في سبيل الله؛ طلبا لمرضاته { ولا يقطعون واديا } تجاه العدو حين أمرهم الله ورسوله { إلا كتب لهم } في ديوان حسناتهم { ليجزيهم الله } بها جزاء { أحسن ما كانوا يعملون } [التوبة: 121] أي: مثل جزاء أحسن أعمالهم.

[9.122-125]

ثم قال سبحانه: { وما كان المؤمنون } أي: وما استقام لهم وناسب بحالهم { لينفروا } عن أماكنهم وبلادهم { كآفة } بحيث تخلو بلدانهم عن الحفظة والحراس { فلولا } وهلا { نفر من كل فرقة منهم طآئفة } إلى الرسول { ليتفقهوا في الدين } ويتعلموا شعائره وما يتعلق به من الأدب { ولينذروا قومهم } بذلك { إذا رجعوا إليهم } ويقيموا لهم ما يتعلمون من شعائر الإسلام ومناسك الدين القويم { لعلهم يحذرون } [التوبة: 122] عن منهيات الدين، ويتصفون بمأموراته، ويصلحون عقائدهم بها فيؤمنوا ويوقنوا بالله، ويتدينوا بدينه.

ومن معظم شعائر الإسلام: القتال { يأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم } ويقرب منكم في حواليكم وحواشيكم { من الكفار } وليضيقوا ويشددوا عليهم { وليجدوا } ويشاهدوا { فيكم غلظة } تشددا وتصبرا على القتال، وجرأة وتهورا عليها فيخافوا منكم، فيتركوا عنادهم، ولا تبالوا بكثرة عددهم وعددهم، واجترئوا عليهم { واعلموا أن الله } القادر المقتدر بالقدرة التامة الكاملة { مع المتقين } [التوبة: 123] الذين يحفظون حدود ما أنزل الله عليهم فتوكلوا عليه، وامتثلوا بمأموره إن كنتم موقنين.

{ و } كيف لا تقاتلون ولا تشددون أيها المؤمنون على الغواة المستهزئين الذين { إذا مآ أنزلت سورة } من عندنا مشتملة على تكميل دينكم، وزيادة إيمانكم ويقينكم { فمنهم } أي: من المنافقين { من يقول } لأصحابه ورفقائه له من خبث باطنه وركاكة فطنته؛ استهزاء وسخرية: { أيكم زادته هذه } استحقارا لها { إيمانا فأما الذين آمنوا } بالله وبجميع ما نزل من عنده؛ لإصلاح أحوال عباده { فزادتهم } بعدما تأمنوا فيها، وتدبروا في مرموزاتها { إيمانا } يقينا واطمئنانا { وهم } بعدما أطعلوا على مطالعها { يستبشرون } [التوبة: 124] بنزولها.

{ وأما الذين في قلوبهم مرض } هو التعامي عن آيات الله ومتقضى إشارته، ورموزه { فزادتهم } هذه { رجسا } كفرا وشركا متضمنا { إلى رجسهم } الأصلي وكفرهم الجبلي، وصاروا منعمسين منمكين بالكفر والضلال { وماتوا وهم كافرون } [التوبة: 125] مصرون على كفرهم فلحقوا بشياطينهم الذين مضوا قبلهم، خسر الدنيا والآخرة؛ ذلك هو الخسران المبين.

[9.126-129]

صفحة غير معروفة