200

[7.179-182]

ثم قال سبحانه: { ولقد ذرأنا } أوجدنا وأظهرنا { لجهنم } البعد والخذلان ونيران الإمكان والحرمان { كثيرا من الجن والإنس } مع أن { لهم قلوب } هي مناط التكاليف ومحال الإيمان والإيقان، وهم { لا يفقهون بها } ليحصل لهم مرتبة اليقين العلمي واللدني { ولهم } أيضا { أعين } هي سبب مشاهدة الآثار والاستدلال منها على الأوصاف الموجدة لها، المرتبة على الذات الإلهي، وهم { لا يبصرون بها } ليحصل لهم مرتبة اليقين العيني.

{ ولهم } أيضا { آذان } وهي آلات السماع كلمة الحق ووسائق إلى اكتساب الفاضائل المنبهة على ما في نفوسهم من الأسرار المكنونة الإلهية، وهم { لا يسمعون بهآ } ليحصل لهم الترقي إلى مرتبة اليقين العيني إلى اليقين الحقي، وبالجملة: { أولئك } الحمقاء الجهلاء، المتصفون بأوصاف العقلاء، العرفاء { كالأنعام } في عدم الشعور والتنبه { بل هم } بسبب تضييع استعدادهم { أضل } من الأنعام بمراتب، وبالجملة: { أولئك هم الغافلون } [الأعراف: 179] المقصرون على الغفلة المؤبدة، المتناهون فيها أقصى الغاية.

{ و } اعلموا أيها الفضلاء العرفاء، الموحدون أن { لله } المتوحد المتفرد في ذاته { الأسمآء الحسنى } التي تترتب عليها الصفات العليا، المترتبة عليها الآثار الحادثة في عالم الكون والفساد، والشهادة والغيب، والنشأة الأولى والأخرى { فادعوه } سبحانه أيها الموحدون { بها } وأسندوا الحوادث الكائنة إليها أولا وبالذات { وذروا } أي: دعوا واتركوا أقوال { الذين يلحدون } يميلون ويشركون { في أسمآئه } بنسبة الحوادث إلى الأسباب أولا وباللذات، واهجروا مذاهبهم، واعتزلوا عنه وعن مجالستهم، واعلموا أن كل أحد { سيجزون } على مقتضى { ما كانوا يعملون } [الأعراف: 180] إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

ثم قال سبحانه كلاما كليا، جمليا شاملا على جميع الملل والأديان، فقال: { وممن خلقنآ } أظهرناهم على صورتنا { أمة } مستخلفة عناهم { يهدون } الناس إلينا، ملتبسين { بالحق } المطابق للواقع { وبه } أي: بالحق لا بغيره؛ إذ لا غير { يعدلون } [الأعراف: 181] يقسطون وينصفون في الأحكام.

{ والذين كذبوا بآيتنا } الدالة على توحيدنا، المنزلة على رسلنا { سنستدرجهم } سنستضلهم ونستزلهم قليلا قليلا إلى أن نهلكهم بالمرة، وندخلهم في جنهم البعد وسعير الإمكان { من حيث لا يعلمون } [الأعراف: 182] ولا يفهمون كيف وقعوا فيها.

[7.183-186]

{ وأملي لهم } أي: أمهلهم في بطرهم وغفلتهم إلى حيث ازدادو على نفوسهم من العتو والفساد الموجب لشدة العذاب؛ مكرا عليهم وكيدا { إن كيدي } أي: مكري وخداعي مع العصاة الغواة، الضالين عن منهج { متين } [الأعراف: 183] محكم حيث لم يحسوا به أصلا إلى أن أخذوا بأسوأ العذاب وأشد النكال.

ثم أشار سبحانه إلى توبيخ المسرفين المسفهين لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنادا ومكابرة فقال: أما تستحيون من الله أولئك المسرفون، المفرطون في نسبته الجنون إلى من فاق على جميع العقلاء بالرشد والهداية؟ { أولم يتفكروا } ويتدبروا أنه { ما بصاحبهم من جنة } خفة عقل موجب للخيط، وما لم يفهموا من كلامه إلى أن صدر عنهم هفوة لا عن قصد، ويسمونه مجنونا لذلك { إن هو } أي: بل ما هو صلى الله عليه وسلم عند التحقيق { إلا نذير } ينذرهم بإذن الله ووحيه، ويخوفهم بما يخوفهم الله به { مبين } [الأعراف: 184] عظيم الشأن، ظاهر في أمر الإنذار.

روي أنه صلى الله عليه وسلم صعد الصفا يوما فدعاهم فخذا فخذا، يحذرهم عن بأس الله بطشه فقال قائلهم: إن صاحبكم لمجنون، فزلت.

صفحة غير معروفة