179

[7.39-41]

{ و } بعدما سمعت الأولى من الأخرى ما سمعت { قالت أولاهم لأخراهم } إنا وأنتم مساوون في الضلال { فما كان لكم علينا من فضل } تستحقون به تخفيف العذاب { فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون } [الأعراف: 39] كما نذوق بما نكسب.

ثم قال سبحانه: { إن الذين كذبوا بآيتنا } الدالة على توحيدنا { واستكبروا عنها } ولم يؤمنوا لها عتوا وعنادا { لا تفتح لهم أبواب السمآء } أي: الفيوضات والفتوحات من سماء الأسماء والصفات حتى ينكشفوا بوحدة الذات { ولا يدخلون الجنة } أي: مقر التوحيد { حتى يلج الجمل في سم الخياط } أي: دخولهم في مقر التوحيد في الاستحالة كولوج الجمل في سم الخياط بل أشد استحالة، هذا مثل يضرب في الممتنعات والمستحيلات { وكذلك نجزي المجرمين } [الأعراف: 40] المخرجين عن ساحة عز التوحيد بجرائم أهوية هوايتهم الباطلة.

{ لهم من جهنم } الإمكان { مهاد } فراش يحترقون عليه بنيران الأمنية الأهوية الفاسدة { ومن فوقهم غواش } أغطية من سعير الجاه والمال ودعوى الفضل والكمال { وكذلك نجزي الظالمين } [الأعراف: 41] المتجاوزين عن حدود الله بمقتضيات نفوسهم المنغمسة في اللذات الحسية والوهمية والخيالية.

[7.42-43]

ثم قال سبحانه على مقتضى سنته من تعقيب الوعيد بالوعد: { والذين آمنوا } بتوحيد الله { وعملوا الصالحات } المقربة نحوه على مقتضى استعداداتهم وقابليتهم ومقدار وسعهم وطاقتهم؛ إذ { لا نكلف نفسا إلا وسعها أولئك } السعداء الباذلون جهدهم في سلوك طريق الفناء { أصحاب الجنة } المعدة لأرباب الولاء، المتمكنون في مقام الرضا بما جرى عليهم ن القضاء { هم فيها خالدون } [الأعراف: 42] ما شاء الله؛ إذ لا حول ولا قوة فيها إلا بالله.

{ و } بعدما دخلوا جنة التوحيد { نزعنا ما في صدورهم من غل } مشعر بالاثنينية والأنانية؛ إذ { تجري من تحتهم الأنهر } أي: جداول المعارف والحقائق المتشرحة من بحر الوحدة { و } بعدما كوشفوا بفناء تعيناتهم وفازوا بالبقاء السرمي الإلهي { قالوا } بلسان استعداداتهم بإلقاء الله إياهم ليتحققوا بمقام الشكر: { الحمد } والثناء المنبعث من محض التسليم والرضا { لله الذي هدانا لهذا } أي: أوصلنا بمقام الرضا وشرف البقاء واللقاء { وما كنا لنهتدي } بأنفسنا لو بقينا في مجلس هوياتنا ومضيق تعيناتنا { لولا أن هدانا الله } بلطفه وسعة جوده ورحمته، وحين تمكنوا في مقام الكشف والشهود أقسموا بالله { لقد جآءت رسل ربنا } لإرشادنا ملتبسا { بالحق } المطابق للواقع في جميع ما جاءوا به { و } بعدما تحققوا بمقام الشكر واعترفوا بما اعترفوا { نودوا } من وراء سرادقات العز ولاجلاء: { أن تلكم الجنة } أي: التوحيد الذاتي { أورثتموها } أعطيتم بها ومكنتم فيها { بما كنتم تعملون } [الأعراف: 43] بمقتضى أوامر الله ونواهيه وإرشاد رسله وتذكير كتبه.

[7.44-47]

{ و } بعدما تمكن أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار { نادى أصحاب الجنة أصحاب النار } ليفتضحوا على رءوس الأشهاد: { أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا } من المواعيد والتبشيرات على ألسنة الرسل وكتبه { حقا } يقينا بعدما تيقناه علما وعينا فيما مضى { فهل وجدتم } أيها المحبوسون في سجن الإمكان ونار الحرمان { ما وعد ربكم } من الوعيد والإنذارات الشديدة الجارية على ألسنة الرسل والكتب { حقا } مطابقا للواقع { قالوا } متحسرين بحالهم مضطرين عما هم عليهم: { نعم } قد أصبنا ما كذبنا وحققنا ما أبطلنا، وبعدما جرى بينهم ما جرى من المقاولة { فأذن } صوت { مؤذن } هاتف وراء سرادقات الجلال { بينهم أن لعنة الله } أي: طرده ومقته نازل ثابت { على الظالمين } [الأعراف: 44].

{ الذين يصدون } يتصرفون وينحرفون { عن } استقامة { سبيل الله } الموصل إلى توحيده { ويبغونها عوجا } أي: يطلبون منها زيفا وضلالا { وهم بالآخرة كافرون } [الأعراف: 45] مكذبون منكرون.

صفحة غير معروفة