{ لا شريك له } ينازعه، ولا ضد له يكافئه ويماثله، لا وجود لغيره أصلا { وبذلك } التفويض والإخلاص { أمرت } من عنده لتوحيده { وأنا أول المسلمين } [الأنعام: 163] الموحدين المظهرين الظاهرين بالتوحيد الذاتي.
{ قل } يا أكمل الرسل مستوبخا مستقرعا لمن عاندك في طريق التوحيد، وجادلك بإثبات الشركاء له وتوقع موافقتك لشركه: { أغير الله } المتوحد في ذاته، المتفرد في ألوهيته { أبغي } أتخذ وأطلب { ربا } مربيا موليا { و } الحال أنه { هو } بذاته وأسمائه وأوصافه { رب كل شيء } وخالقه وموجده من كتم العدم { و } إذا قلت لهم من كلمة الحق ما قلت دعمهم وشركهم؛ إذ { لا تكسب كل نفس } من الجرائم والآثام { إلا } تحمل { عليها } أصارها وأثقالها { ولا تزر } تقترف تحمل نفس { وازرة } عاصية كافرة { وزر أخرى } بل كل منها رهينة بما كسبت، إن خيرا فخير وإن شرا فشر { ثم } بعد انقضاء النشأة الأولى { إلى ربكم مرجعكم } رجوع الظل إلى ذي الظل { فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } [الأنعام: 164] أي: يميز لكم الحق من الباطل والهداية من الضلال والعناية من الوبال والنكال.
{ و } كيف ينكرون توحيد الحق وترتبيته إياكم مع أنه سبحانه { هو الذي جعلكم خلائف الأرض } أي: خلفاء قابلين لمظهرية جميع أوصافه { ورفع بعضكم فوق بعض درجات } في الاتصاف بأوصافه والتخلق بأخلاقه { ليبلوكم } ويختبركم { في مآ آتاكم } من استعداداتكم وقابليتكم هل تصرفها إلى ما خلقتم لأجله أم لا { إن ربك } يا أكمل الرسل { سريع العقاب } على صنيع استعداده الفطري فيما لا يعنيه { وإنه } أيضا { لغفور } لمن تنبه استغفر { رحيم } [الأنعام: 165] لمن تاب واستهدى.
خاتمة سورة الأنعام
عليك أيها المتوجه نحو الحق القاصد سلوك طريق توحيده، أنجح الله أملك وأوصلك إلى مبتغاك أن تنخلع وتتجرد عن متقضيات القوى النفسانية من لذاتها وشهواتها الحسية والوهمية والخيالية، وتتوجه بما فيك من مبادئ القوى الروحانية إلى مبدئها، مقتفيا في توجهك أثر ما وصل إليك من آثار النبي صلى الله عليه وسلم المختار، الذي استخلفه الحق وأظهره على مقتضى جميع أوصافه وأسمائه، واجتباه من بين جميع رسله وأنبيائه، وأرسله مظهرا للتوحيد الذاتي وأنزل عليه كتابا جامعا محتويا على جميع فوائد الكتب السالفة مع زيادات خلت عنها الجميع، مبينا لطريق التوحيد على الوجه الأتم الأكمل إلى حيث لم يبق بعد بعثته احتياج إلى مبين آخر، لذلك قال سبحانه:
اليوم أكملت لكم دينكم...
[المائدة: 3]. وقال صلى الله عليه وسلم: " بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
وبعد بعثته صلى الله عليه وسلم ونزول الكتاب لم يبق للمسترشد المستهدي نحو التوحيد الذاتي إلا الاتصاف والامتثال بما جاء به خاتم الرسالة، لذلك لم يكن الاجتهاد بعد بعثته إلا في جزيئات الأحكام دون المعتقدات الكلية؛ إذ ختم أمر الرسالة والتشريع به صلى الله عليه وسلم. ولا بد لك أن تربط قلبك بمرتبته صلى الله عليه وسلم وتجعلها قبلة مقصدك، وتقتفي أثر ما ورد عليه وجاء به صلى الله عليه وسلم بحيث لا يهمل منها شيء. ولا بد أن يكون في متابعته صلى الله عليه وسلم على وثوق تام واطمئنان كامل، عار عن جميع ما يشوشك من ظلمات الشكوك والأوهام، خال عن جميع الرعونات العارضة من وساوس شياطين الأهواء الفاسدة مثل العجب والرياء والسمعة وغيرها.
وبالجلمة: عليك أن تتوجه نحو التوحيد عن طريق الفناء والموت الأرادي؛ بحيث لا يصدر عنك شيء من أمارات الحياة الضرورية ومقتضيات القوى البشرية، حتى يتيسر لك التحقق بمقام الخلة، والتخلق بأخلاق الله، مع توفيق من قبل الحق وجذب من جانبه؛ إذ كل ميسر لما خلق له. ومتى صفيت سرك وسريرتك عن جميع ما يشغلك عن الله ويضلك عن سبيله، تحققت بمقام التوحيد، وفنيت عن مقتضيات أمارات التخمين والتقليد، وصرت على يقين من ربك وكشف وشهود لا تضمأ منه أصلا ولا تروى أبدا، وحينئذ حق لك أن تقول حقا: { إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له } [الأنعام: 162-163].
ربنآ آتنا من لدنك رحمة وهيىء لنا من أمرنا رشدا
صفحة غير معروفة