31

التبصرة

الناشر

دار الكتب العلمية

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م

مكان النشر

بيروت - لبنان

فَإِنَّكَ مِنْ أَهْلِهَا. قَالَ: فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قِرْنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُهُنَّ ثُمَّ قَالَ: إِنْ أَنَا حَيِيتُ حَتَّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إِنَّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ. فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ التَّمْرِ ثُمَّ قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. وَقَدْ رُوِّينَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ أَيْضًا فِي يَوْمِ أُحُدٍ: قُومُوا إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُهَا السموات والأرض. فقام عمرو من الجموح وهو أعرج فقال: والله لأحفزن بِهَا فِي الْجَنَّةِ. فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: لَمَّا أَرَادَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ، مَنَعَهُ بَنُوهُ، وَقَالُوا: قَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ. فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: إِنَّ بَنِيَّ يُرِيدُونَ حَبْسِي عَنِ الْخُرُوجِ مَعَكَ وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ أَطَأَ بِعَرَجَتِي [هَذِهِ] فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ: " أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ عَذَرَكَ اللَّهُ " ثُمَّ قَالَ لِبَنِيهِ: لا عَلَيْكُمْ أن تَمْنَعُوهُ لَعَلَّ اللَّهَ ﷿ يَرْزُقُهُ الشَّهَادَةَ. فَخَلَّوْا سَبِيلَهُ. قَالَتِ امْرَأَتُهُ هِنْدُ بِنْتُ عَمْرِو بن خزام: كأني أنظر إليه موليًا، فقد أَخَذَ دَرَقَتَهُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ لا تَرُدَّنِي إِلَى خَرَبِي وَهِيَ مَنَازِلُ بَنِي سَلَمَةَ. قَالَ أَبُو طَلْحَةَ: فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ حِينَ انْكَشَفَ الْمُسْلِمُونَ ثُمَّ ثَابُوا، وَهُوَ فِي الرَّعِيلِ الأَوَّلِ، لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى ظَلْعٍ فِي رِجْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ: أنا والله مشتاق إلى الجنة! ثم أنظر إِلَى ابْنِهِ خَلادٍ [وَهُوَ] يَعْدُو [مَعَهُ] فِي إِثْرِهِ حَتَّى قُتِلا جَمِيعًا. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ دُفِنَ عَمْرُو بْنُ الْجَمُوحِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَبُو جَابِرٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، فَخَرَّبَ السَّيْلُ قَبْرَهُمْ، فَحُفِرَ عَنْهُمْ بَعْدَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فَوُجِدُوا لَمْ يَتَغَيَّرُوا كَأَنَّهُمْ مَاتُوا بِأَمْسِ. للَّهِ دَرُّ قَوْمٍ بَادَرُوا الأَوْقَاتَ، وَاسْتَدْرَكُوا الْهَفَوَاتَ، فَالْعَيْنُ مَشْغُولَةٌ بِالدَّمْعِ عَنِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَاللِّسَانُ مَحْبُوسٌ فِي سِجْنِ الصَّمْتِ عَنِ الْهَلَكَاتِ، وَالْكَفُّ قَدْ كفت بالخوف عن الشهوات، والقدم قد قُيِّدَتْ بِقَيْدِ الْمُحَاسَبَاتِ، وَاللَّيْلُ لَدَيْهِمْ يَجْأَرُونَ فِيهِ بِالأَصْوَاتِ، فَإِذَا جَاءَ النَّهَارُ قَطَعُوهُ بِمُقَاطَعَةِ اللَّذَّاتِ، فَكَمْ مِنْ شَهْوَةٍ مَا بَلَغُوهَا حَتَّى الْمَمَاتِ، فَتَيَقَّظْ لِلِحَاقِهِمْ مِنْ هَذِهِ الرَّقَدَاتِ، وَلا تَطْمَعَنَّ في

1 / 51