التبصرة
الناشر
دار الكتب العلمية
الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦ م
مكان النشر
بيروت - لبنان
عُودٍ وَقِيلَ مِائَةَ سُنْبُلَةٍ، وَقِيلَ كَانَتْ أَسَلا، وَقِيلَ كَانَتْ شَمَارِيخَ، فَضَرَبَهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً.
وَهَلْ ذَلِكَ خَاصٌّ لَهُ أَمْ عَامٌّ؟ فِيهِ مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَامٌّ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ. وَالثَّانِي: خَاصٌّ لَهُ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ عَبْدَهُ عَشَرَةَ أَسْوَاطٍ فَجَمَعَهَا وَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَةً. فَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: لا يَبَرُّ. وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ إِذَا أصابه في الضربة الواحدة كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا فَقَدْ بَرَّ، وَاحْتَجُّوا بِعُمُومِ قِصَّةِ أَيُّوبَ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ يُجَاءُ بِالْمَرِيضِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُقَالُ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَعْبُدَنِي؟ فَيَقُولُ: يَا رَبِّ ابْتَلَيْتَنِي. فَيُجَاءُ بِأَيُّوبَ فِي ضُرِّهِ فَيَقُولُ: أَنْتَ كُنْتَ أَشَدَّ ضُرًّا أَمْ هَذَا؟ فَيَقُولُ بَلْ هَذَا. فَيَقُولُ: هَذَا لَمْ يَمْنَعْهُ ذَلِكَ أَنْ عَبَدَنِي!
مَا ضَرَّ أَيُّوبَ مَا جَرَى، كَأَنَّهُ سِنَةُ كَرَى، ثُمَّ شَاعَتْ مَدَائِحُهُ بَيْنَ الْوَرَى، وإنما يصير مَنْ فَهِمَ الْعَوَاقِبَ وَدَرَى.
الْكَلامُ عَلَى الْبَسْمَلَةِ
(مُنَافَسَةُ الْهَوَى فِيمَا يَزُولُ ... عَلَى نُقْصَانِ هِمَّتِهِ دَلِيلُ)
(وَمُخْتَارُ الْقَلِيلِ أَقَلُّ مِنْهُ ... وَكُلُّ فَوَائِدِ الدُّنْيَا قَلِيلُ)
يَا قَلِيلَ الصَّبْرِ عَنِ اللَّهْوِ وَالْعَبَثِ، يَا مَنْ كُلَّمَا عَاهَدَ غَدَرَ وَنَكَثَ، يا مغترا بساحر الهوى كما نَفَثَ، تَاللَّهِ لَقَدْ بُولِغَ فِي تَوْبِيخِهِ وَمَا اكْتَرَثَ، وَبَعَثَ إِلَيْهِ النَّذِيرَ وَلا يَدْرِي مِنَ الْعَبَثِ مَنْ بَعَثَ، سَيَنْدَمُ مَنْ لِلْقَبِيحِ حَرَثَ، سَيَبْكِي زَمَانَ الْهَوَى حِينَ الظَّمَإِ عِنْدَ اللَّهَثِ، سَيَعْرِفُ خَبَرَهُ الْعَاصِي إِذَا حَلَّ الْحَدَثُ، سَيَرَى سِيَرَهُ إِذَا نَاقَشَ الْمَسَائِلَ وَبَحَثَ، سَيَقْرَعُ سِنَّ الندم إذا نادى ولم يعث، عَجَبًا لِجَاهِلٍ بَاعَ تَعْذِيبَ النُّفُوسِ بِرَاحَاتِ الْجُثَثِ.
1 / 198