كلَّ ما دوَنَّه المتفنون بين دفَّتي كتاب يُنسَب لاسم إسلامي هو من الدين، وبمقتضاها أن لا يقوى على القيام بواجباته وآدابه ومزيداته، إلا من لا علاقة له بالحياة الدنيا؛ بل أصبحت بمقتضاها حياة الإنسان الطويل العمر، العاطل عن كلِّ عمل، لا تفي بتعلُّم ما هي الإسلامية عجزًا عن تمييز الصحيح من الباطل من تلك الآراء المتشعبة التي أطال أهلها فيها الجدال والمناظرة؛ وما افترقوا إلا وكلٌّ منهم في موقفه الأول يظهر أنه ألزم خصمه الحجّة وأسكته بالبرهان؛ والحقيقة إنَّ كلًا منهم قد سكت تعبًا وكلالًا من المشاغبة.
وبهذا التّشديد الذي أدخله على الدّين منافسو المجوس؛ انفتح على الأمّة باب التلوّم على النفس فضلًا عن محاسبة الحكام المنوط بهم قيام العدل والنِّظام. وهذا الإهمال للمراقبة، هو إهمال الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، وقد أوسع لأمراء الإسلام مجال الاستبداد وتجاوزَ الحدود. وبهذا وذاك ظهر حُكم حديث: «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليستعملنّ الله عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب»، وإذا تتبعنا سيرة أبي بكر وعمر ﵄ مع الأمّة، نجد أنّهما مع كونهما مفطورَين خير فطرة، ونائلين التربية النبوية، لم تترك الأمة معهما المراقبة والمحاسبة، ولم تطعهما طاعةً عمياء.
وقد جمع بعضهم جملة مما اقتبسه وأخذه المسلمون عن غيرهم، وليس هو من دينهم بالنّظر إلى القرآن والمتواترات من الحديث وإجماع السلف الأول فقال:
1 / 40