134

طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد

الناشر

المطبعة العصرية

رقم الإصدار

طبعة جديدة منقحة ومضافة بقلم المؤلف

مكان النشر

حلب

الأمر الذي فيه تشقون! يا أعزاء الخلقة، جهلاء المقام، كان الناس في دور الهمجية، فكان دُهاتهم بينهم آلهة وأنبياء، ثمَّ ترقّى النّاس، فهبط هؤلاء لمقام الجبابرة والأولياء، ثمَّ زاد الرّقي فانحطَّ أولئك إلى مرتبة الحُكَّام والحكماء، حتى صار النّاس ناسًا فزال العماء، وانكشف الغطاء، وبان أنَّ الكلَّ أكفاء. فأناشدكم الله في أي الأدوار أنتم؟ ألا تفكِّرون؟ ". "يا قومُ: جعلكم الله من المهتدين، كان أجدادكم لا ينحنون إلا ركوعًا لله، وأنتم تسجدون لتقبيل أرجل المنعِمين ولو بلقمةٍ مغموسةٍ بدم الإخوان، وأجدادكم ينامون في قبورهم مستوين أعزاء، وأنتم أحياء معوَّجة رقابكم أذلاّء! البهائم تودُّ لو تنتصب قاماتها وأنتم من كثرة الخضوع كادت تصير أيديكم قوائم. النبات يطلب العلو وأنتم تطلبون الانخفاض. لفَظَتكم الأرض لتكونوا على ظهرها وأنتم حريصون على أن تنغرسوا في جوفها، فإنْ كانت بطن الأرض بغيتكم، فاصبروا قليلًا لتناموا فيها طويلًا". "يا قومُ: ألهمكم الله الرّشد، متى تستقيم قاماتكم وترتفع من الأرض إلى السماء أنظاركم، وتميل إلى التعالي نفوسكم، فيشعر أحدكم بوجوده في الوجود، فيعرف معنى الأنانية ليستقلّ بذاته لذاته، ويملك إرادته واختياره ويثق بنفسه وربّه، لا يتكِّل على أحد من خلق الله اتِّكال الناقص في الخلق على الكامل فيه، أو اتِّكال الغاصب على مال الغافل أو الكلِّ على سعي العامل، بل يرى أحدكم نفسه إنسانًا كريمًا يعتمد على المبادلة والتعاوض فيسلف، ثمَّ يستوفي، ويستوفي على أن يفي، بل ينظر في نفسه أنَّه هو الأمّة وحده،

1 / 144