سير السلف الصالحين

إسماعيل الأصبهاني ت. 535 هجري
76

سير السلف الصالحين

محقق

د. كرم بن حلمي بن فرحات بن أحمد

الناشر

دار الراية للنشر والتوزيع

مكان النشر

الرياض

بِالْخِلَافَةِ، قَالَتْ جَارِيَةٌ مِنَ الْحَيِّ: الْآنَ لَا تَحْلِبْ لَنَا مَنَايِحَ دَارِنَا، فَسَمِعَهَا أَبُو بَكْرٍ، فَقَالَ: بَلْ لَعَمْرِي لَأَحْلِبَنَّهَا لَكُمْ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يُغَيِّرَنِي مَا دَخَلْتُ فِيهِ عَنْ خُلُقٍ كُنْتُ عَلَيْهِ، فَكَانَ يَحْلِبُ لَهُمْ، فَرُبَّمَا قَالَ لِلْجَارِيَةِ مِنَ الْحَيِّ: يَا جَارِيَةُ أَتُحِبِّينَ أَنْ أَرْغِيَ لَكِ، أَوْ أُصْرِحَ فَرُبَّمَا قَالَتْ: ارْغِ، وَرُبَّمَا قَالَتْ: أَصْرِحْ. فَأَيُّ ذَلِكَ قَالَتْ فَعَلَ، فَمَكَثَ كَذَلِكَ بِالسُّنْحِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَقَامَ بِهَا وَنَظَرَ فِي أَمْرِهِ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يُصْلِحُ أَمْرَ النَّاسِ التِّجَارَةُ، وَمَا يُصْلِحُهُمْ إِلَّا التَّفَرُّغُ لَهُمْ وَالنَّظَرُ فِي شَأْنِهِمْ، وَلَا بُدَّ لِعِيَالِي مِمَّا يُصْلِحُهُمْ، فَتَرَكَ التِّجَارَةَ وَاسْتَنْفَقَ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ بِمَا يُصْلِحُهُ وَمَا يُصْلِحُ عِيَالَهُ يَوْمًا بِيَوْمٍ، وَيَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ، وَكَانَ الَّذِي فَرَضُوا لَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ، قَالَ: رُدُّوا مَا عِنْدَنَا مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنِّي لَا أُصِيبُ مِنْ هَذَا الْمَالِ شَيْئًا، وَإِنَّ أَرْضِي الَّتِي بِمَكَانِ كَذَا وَكَذَا لِلْمُسْلِمِينَ، بِمَا أَصَبْتُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ. فَدُفِعَ ذَلِكَ إِلَى عُمَرَ ﵁، وَلِقُوحٍ، وَعَبْدِ صَيْقَلٍ، وَقَطِيفَةٍ، لَا تُسَاوِي خَمْسَةَ دَرَاهِمَ، فَقَالَ عُمَرُ ﵁: لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ ﵁

1 / 83