(1)
(شعر في دوس وما كان منه) :
فقال رجل من أهل اليمن-وهو يذكر ما ساق إليهم دوس من أمر الحبشة:
«
لا كدوس ولا كأعلاق رحله
» [1] فهي مثل باليمن إلى هذا اليوم. وقال ذو جدن الحميرى:
هونك[2] ليس يرد الدمع ما فاتا # لا تهلكى أسفا في إثر من ماتا
أبعد بينون لا عين ولا أثر # وبعد سلحين يبنى الناس أبياتا
بينون وسلحين وغمدان[3]: من حصون اليمن التي هدمها أرياط، ولم يكن في الناس مثلها. وقال ذو جدن أيضا:
دعينى لا أبا لك لن تطيقى[4] # لحاك الله قد أنزفت ريقي[5]
لدى عزف القيان إذ انتشبنا # وإذ نسقي من الخمر الرحيق[6]
وشرب الخمر ليس علي عارا # إذا لم يشكنى فيها[7] رفيقي
فإن الموت لا ينهاه ناه # ولو شرب الشفاء مع النشوق[8]
[ () ]ابن إسحاق فيقولون: إن ذا نواس أدخل الحبشة صنعاء اليمن حين رأى أن لا قبل له بهم، بعد أن استنفر جميع المقاول ليكونوا معه يدا واحدة عليهم، فأبوا إلا أن يحمى كل واحد منهم حوزته على حدته، فخرج إليهم، ومعه مفاتيح خزائنه وأمواله، على أن يسالموه ومن معه، ولا يقتلوا أحدا، فكتبوا إلى النجاشي بذلك، فأمرهم أن يقبلوا ذلك منه، فدخلوا صنعاء ودفع إليهم المفاتيح، وأمرهم أن يقبضوا ما في بلاده من خزائن أمواله، ثم كتب ذو نواس إلى كل موضع من أرضه أن اقتلوا كل ثور أسود، فقتل أكثر الحبشة، فلما بلغ ذلك النجاشي وجه إليهم جيشا، وعليه أرياط، وأمره أن يقتل ذا نواس، ويخرب ثلث بلاده، ويقتل ثلث النساء، ويسبى ثلث الرجال والذرية، ففعلوا ذلك، ثم كان ما كان من اقتحام ذي نواس البحر، وقيام ذي جدن بعده. (راجع الطبري والروض الأنف) .
[ (1) ]الأعلاق: جمع علق، وهو النفيس من كل شيء: يريد ما حمله دوس إلى الحبشة من النجدة.
[ (2) ]كذا في أكثر الأصول والطبري. يريد: ترفقى وليهن عليك هذا الأمر. وفي أ، وتواريخ مكة للأزرقى: «هو نكما لن... إلخ» . وهو من باب قول العرب للواحد افعلا، وهو كثير في القرآن والكلام
[ (3) ]ستذكر فيما يلي من شعر ذي جدن وسلحين: بفتح السين في ياقوت، وبكسرها في البكري.
[ (4) ]أي لن تطيقى صرفى بالعذل عن شأنى.
[ (5) ]أي أكثرت على من العذل حتى أيبست ريقي بفمي. وقلة الريق من الحصر، وكثرته من قوة النفس وثبات الجأش.
[ (6) ]الرحيق: المصفى الخالص.
[ (7) ]في أ: «فيه» .
[ (8) ]كذا في أوالطبري. والشفاء بالكسر) : ما يتداوى به فيشفى، تسمية للسبب باسم المسبب
صفحة ٣٨