قال أبو عثمان: رأيتهم يديرون فى كتبهم هذا الكلام، فإن كانوا إنما رووه ودوّنوه لأنه يدلّ على فصاحة وبلاغة فقد باعده الله من صفة الفصاحة والبلاغة؛ وإن كانوا فعلوا ذلك لأنه غريب فأبيات من شعر العجاج، وشعر الطرماح، وأشعار هذيل، يأتى لهم مع الرصف الحسن على أكثر من ذلك. ولو خاطب أحد الأصمعىّ بمثل هذا الكلام لظننت أنه سيجهل بعضه. وهذا خارج عن عادة البلغاء.
وقوله: «ويصفّيها كلّ التصفية، ويهذّبها كل التهذيب» . فتصفيته تعريته من الوحشىّ، ونفى الشواغل عنه. وتهذيبه تبرئته من الردىّ المرذول، والسوقىّ المردود.
فمن الكلام المهذّب الصافى قول بعض الكتاب: مثلك أوجب حقا لا يجب عليه، وسمح بحقّ وجب له، وقبل واضح العذر، واستكثر قليل الشكر، لا زالت أياديك فوق شكر أوليائك، ونعمة الله عليك فوق آمالهم فيك.
ومثله قول آخر: ما أنتهى إلى غاية من شكرك إلّا وجدت وراءها حادثا من برّك؛ فلا زالت أياديك ممدودة بين آمل فيك تبلّغه، وأمل فيك تحقّقه، حتى تتملّى «١» من الأعمار أطولها، وتنال من الدرجات أفضلها.
وقول أحمد بن يوسف: يومنا يوم ليّن الحواشى وطىء النّواحى، وهذه سماء قد تهلّلت بودقها «٢»، وضحكت بعابس غيمها ولا مع برقها، وأنت قطب السرور، ونظام الأمور؛ فلا تغب عنا فنقلّ، ولا تفردنا فنستوحش؛ فإن الحبيب بحبيبه كثير، وبمساعديه جدير.
وقوله: ولا يفعل ذلك حتى يلقى حكيما، وفيلسوفا عليما، ومن تعوّد حذف فضول الكلام، ومشتركات الألفاظ، ونظر فى المنطق على جهة الصناعة فيها،
1 / 31