قبل العلة فسلك المعلول إلى العلة. وقد يعرف المعلول من (1) قبل العلة تارة من طريق الاستدلال ، وتارة من طريق الحس ، وربما عرف أولا معلولا فسلك (2) منه (3) إلى العلة ثم سلك من العلة إلى معلول (4) آخر ، وكأنا قد أوضحنا هذه المعانى فى تعليمنا لصناعة البرهان.
وأما مناسبة هذه العلل المفارقة للمعلولات بحسب القياس إلى الطبيعة ، فإن ما كان منها علة على أنه (5) غاية فهو أعرف عند الطبيعة ، وما كان منها علة على أنه فاعل وكان فاعلا لا على أن وجوده ليكون فاعلا لما يفعله فإنه أعرف عند الطبيعة من المعلول ، وما كان وجوده فى الطبيعة ليس لذاته بل ليفعل (6) ما يكون عنه حي يكون المفعول غاية لا له فى فعله فقط بل له فى وجود ذاته إن كان ما فى الطبيعة شيء هذا صفته ، فليس هو أعرف من المعلول ، بل المعلول أعرف فى (7) الطبيعة منه.
وأما نسبة أجزاء المركبات إلى المركبات منها فإن المركب أعرف بحسب (8) الحس ، إذ (9) الحس يتناول أولا الجملة ويدركها ثم يفصل ، وإذا تناول الجملة تناولها بالمعنى الأعم أى أنه جسم أو حيوان ثم يفصلها. وأما عند العقل فإن البسيط أقدم من المركب ، فإنه لا يعرف طبيعة المركب إلا بعد (10) أن يعرف بسائطه ، فإن لم يعرف بسائطه فقد (11) عرفه بعرض من أعراضه أو جنس من أجناسه ولم يصل إلى ذاته ، كأنه عرفه مثلا جسما مستديرا أو نقيلا وما أشبه (12) ذلك ولم يعرف ماهية جوهره. (13)
وأما عند الطبيعة ، فإن المركب هو المقصود فيها (14) فى أكثر الأشياء والأجزاء ، يقصدها (15) ليحصل فيها (16) قوام المركب ، فالأعرف عند العقل من الأمور العامة والخاصة من الأمور البسيطة والمركبة هو العامة والبسيطة وعند الطبيعة هو الخاصة النوعية والمركبة. لكنه كما أن (17) الطبيعة تبتدئ فى الإيجاد (18) بالعوام (19) والبسائط ، ومنها توجد ذوات المفصلات النوعية وذوات المركبات. فكذلك (20) التعلم (21) يبتدئ من العوام والبسائط ، ومنها يوجد العلم بالنوعيات والمركبات ، وكلاهما يقف قصده (22) الأول عند حصول النوعيات والمركبات.
صفحة ١٢